الرباط الاجتماعي في الفكر الليبيرالي
أهداف المحاضرة :
تهدف هذه المحاضرة الى تمكين الطالب من استيعاب الفكر الليبيرالي عموما ، خاصة عند آدم سميث ، والتعرف على المجتمع الحديث وحوامله الأساسية ، وما يميزه عن المجتمع التقليدي .
كما تهدف الى مناقشة مفهوم الرباط الاجتماعي في المجتمعات الحديثة الليبيرالية ، وأهم التحولات التي حدثت على تصورات الفلسفة السياسية للمجتمع والفرد والرباط الاجتماعي.
مقدمة :
يمكن اعتبار سؤال الحداثة على أنه محاولة دائمة للاجابة على السؤال التالي :
- ماهي الظروف التاريخية التي أدت الى تأسس الرابط الاجتماعي ؟
- كيف انتقلت المجتمعات البشرية من حالى غياب المؤسسات والقوانين الى حالى أخرى هيمنت فيها القوانين والمؤسسات على أبسط تفاصيل الحياة الاجتماعية ؟
منذ نهاية القرت السادس عشر والى غاية الثامن عشر طرحت مسألت الرابط الاجتماعي انطلاقا من تصورين متناقضين :
ü تصور للمجتمع على أنه دولة
ü تصور لمجتمع على أنه فرد
منذ غروتيوس وجون لوك ، ظلت الفكرة السائدة حول الدولة هي أنه لا يمكن أن يكون لها أساس آخر غير أنها عبارة عن تجمع لأفراد مستقلين يشكلون بشكل ارادي جماعة ذات سيادة .
ولكن بوصول آدم سميث الاقتصادي الانجليزي الشهير لم يعد من السهل تمرير هذه الفكرة وتقبلها ولم تعد هي المؤسسة للتفكير حول الدولة ، المجتمع والاقتصاد .
حتى وان كان آدم سميث معروف عند الأكاديميين بأنه أب الليبيرالية الاقتصادية ، الا أن قليل فقط يدركون بأن نظريته الليبيرالية تشمل أيضا الدولة والفرد والمجتمع ، بل ان فكره الاقتصادي لا يمكن استيعابه الا بعد فهم الانتربولجية التي تأسست عليها .
كثيرا ما تتم الاشارة الى كتاب آدم سميث : بحث ثورة الأمم ، باعتباره الكتاب المرجعي الذي تمت فيه صياغة النظرية الليبيرالية في الاقتصاد الحديث ، لكن نادرا ما تتم الاشارة الى الكتاب الآخر الذي كتبه سميث قبل هذا الكتاب ، والذي وضع فيه الأسس الأنثروبولوجية للفرد والمجتمع ، ومنها صاغ نظريته العامة في الاقتصاد .
قبل البحث في ثروة الأمم ، كتب سميث " النظرية العامة في الأخلاق " ، وفيه نجد مفاتيح قراءة كتاب ثروة الأمم.
اذا كان مبدأ التعاقدية هو الشرط الأساسي في نشوء المجتمع عند جون لوك ، هوبز ، وروسو، فان آدم سميث قد رفض تماما هذا المبدأ ، يعتقد آدم سميث بأن الرابط الاجتماعي ( المؤسس للمجتمع ) لا يتم اشتقاقه في التعاقدية ، ولا من أي فعل ارادي آخر ، ولا هو أصلا فعلا اراديا . كيف فكر اذا آدم سميث في الرابط الاجتماعي ؟
أولا : الرابط الاجتماعي في فكر آدم سميث
الفرضية التي يمكن الانطلاق منها لفهم الرابط الاجتماعي عند آدم سميث هي ذلك السؤالا الذي يقترحه بيار روزفلون Pierre Rosranvallon في كتابة الشهير الرأسمالية اليوتوبية le capitalisme utopique ، مفاد هذا التساؤل هو أن النضج الاقتصادي للمجتمعات الحديثة هو الذي سمح لآدم سميث بالنظر الى المجتمع على أنه مأسس ذاتيا أو مهيكل ذاتيا .
ورغم معارضته الشديدة لفكرة التعاقدية التي طرحت في فلسفة هوبز ، لوك ، وغرتيوس ، الا أنه يتشارك معه في فكرة أساسية هي أنه من الضروري هي أنه من الضروري حل المجتمعات الحديثة انطلاقا من الطبيعة الانتروبولوجية للفرد. أي ضرورة أن تكون القوانين محترمة وكابحة الىن نفسه لنزوات الأفراد وأهوائهم .
وتعني هذه المقولة الأساسية في الفلسفة المعاصرة ، ضرورة ادماج النزوات الاقتصادية ( اقتصاد النزوات ) في الحلو السياسية المقترحة . بدل النظر فقط الى هذه النزوات على أنها مشكلات يجب قمعها وكبحها في أي تشريع قانوني في المجال السياسي ، الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، يدعو آدم سميث الى ضرورة التوفيق بين النزوات الفردية الجماعية ، وبين عملية التشريع .
كتب آدم سميث ما يلي : الأساس المتين الوحيد في النظام الاجتماعي يجب بناءه على النزوات الفردية وليس على قمعها "
ان تحليل الطبيعة البشرية الذي قام به آدم سميث في كتابه : نظرية النظم الأخلاقية " والذي يتعبر كما أشرنا سابقا بمثابة القاعدة الأنتروبولجية لكل فكره اللاحق ، كان فرصة لآدم سميث لطي يطور فيه نقد علميا لمبدأ التعاقد الذي تأسست عليه فلسفة العقد الاجتماعي .
يرى آدم سميث بأن العقد الاجتماعي كان منشغلا أكثر بمحاولة تفسير أصل المجتمع ، وكيف نشأ في السياق التاريخي لأوروبا الغربية ، ولم ينشغل بالاجابة على سؤال أساسي ومهم وهو : ماهي شروط اشتغال المجتمع ؟ وماهي شروط انتاج التجانس والتناغم الاجتماعي ؟
هذه الأسئلة التي شغلت آدم سميث ... لذا فضل أن يبتعد عن المضاربة في تفسير نشوء المجتمع ، وحاول بدل ذلك أن يفكر في شروط التجانس الاجتماعي ، أي بلغة السوسيولوجيا اليوم لقد انشغل في البحث عن الحامل الأفضل للرابط الاجتماعي في المجتمعات الحديثة ؟
ثانيا : ما هو العنصر الأهم الذي يجب أن يكون حاملا للرباط الاجتماعي ؟
نجد الاجابة عن هذا التساؤل في كتاب أحد أهم المشتغلين على فكر آدم سميث ، بيار روزنفلون . يعتقد هذا التلميذ الوفي لسميث بأن كل من فكرة العقد الاجتماعي ، وفكرة السوق ما هما الا متغيرين أساسيين للاجابة على السؤال نفسه . أحدهما متغير سياسي ( العقد الاجتماعي) والآخر متغير اقتصادي (السوق )
في ظل نظرية العقد الاجتماعي ، كان التصور الوحيد للمجتمع وللتجانس هو في اطار الدولة ، ويمكن بسهولة تفهم السياق الذي أنتج هذه التصورات : الحروب الدينية في أوروبا ، الفوضى الاجتماعية ، الصراعات الأميرية بين مختلف الامارات قبل تشكل الدولة . كان من الطبيعي أن ننتظر توقعا اجتماعيا وسياسيا الى الهدوء والسكينة ، وقد وجد كل من هوبز وروسو وغروتيوس في الدولة التي تتأسس بموجب العقد الاجتماعي بين الأفراد والجماعات ، حلا لمعضلة الفوضى الاجتماعية والسياسية . فقط سلطة قوية ، تمتلك كل الصلاحيات وتمتلك التفويض من قبل المتعاقدين قادرة على فرض النظام الاجتماعي .
أما تصورات آدم سميث ، فهي بدورها يمكن فهمها في السياق الانجليزي الذي جائت فيه .
فهي أولا جاءت في فترة ازدهار اقتصادي ، وهدوء للحرب الأهلية الانجليزية . أي بعد توماس هوبز بسنوات كثيرة ، وبعد نضوج جهاز الدولة الى حد ما .
ظهر كما لو أنه تم اختبار فكرة العقد الاجتماعي وفشلت، وحان الوقت للبحث عن حامل جديد ( أي اجابة جديدة ) لسؤال الرابط الاجتماعي. وجد آدم سميث في السوق العنصر الأساسي الأكثر حيادية لانتاج المجتمع . بل ان المجتمع في عصر آدم سميث هو السوق .
ثالثا : ان السوق هي اجابة اقتصادية على سؤال الرابط الاجتماعي عند آدم سميث
يقول كلود غويتي " ِClaude Gautier " 1 بداية من القرن الثامن عشر ، أخذ السوق يتجلى كإجابة شاملة على الأسئلة التي طرحتها نظرية العقد الاجتماعي ، والتي لم تستطع الاجابة عنها بشكل علمي ومقنع .
في نظر الفيلسوف الانجليزي دفيد هيوم ، لم تقم الفلسفة السياسية الا بانتجا أنظمة معرفية للمضاربةsystème spéculatif ولذلك فمن الضروري البحث عن طرق جديدة في التفكير .
لم يقم آدم سميث، الا باتباع هذه النصيحة، والحقيقة أن دفيد هيوم هو أكثر الفلاسفة تأثيرا عليه ، ويتجلى ذلك بشكل واضح في صياغة سميث لمفهوم التعاطف والانسجام Sympathie كأساس طبيعي للنظام الاجتماعي .
مراجع المحاضرة :
1- جون اهرنبرغ، المجتمع المدني ، التاريخ النقدي للفكرة ، ترجمة علي حاكم صالح ، حسن ناظم ، المنظمة العربية للترجمة ص1 ، بيروت 20018.
2- بشارة عزمي ، الدين والعلمانية في سياق تاريخي ، الجزء الأول ، ط 1 ( قطر ، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ) ، 2013
3- بشارة عزمي ، المجتمع المدني ، دراسة نقدية ، ط6 ، الدوحة ، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، 2012
1-Jean –Mikael Guedon , le lien sociale chez Adam Smith : le marche LSYMPATHIE , L’etat , in
2-Pierre Roanvalon , le capitalisme utonique , critique de l’idiologie économique , histoire de l’idée de marché , Paris ,Seuil , 1989
3-Michael Biziou ,Claude Gautier et Jean François Pradeau :Adam Smith, Theorie des sentiments moraux ,Parie,Pressesuniversitaires de France ;1999 .
4-Adam Smith , Recherches sur la nature et les causes de la richesse des nations, Paris ,Flammarion , 1991.
5-Biziou ,Michael ,Adam Smith et l’origine du libéralisme ,Paris , Presses Universitaires de France , 2003 .
6-Dermangue , François , le Le Dieu du marche . Etique, Economie et théologie dans l’oeuvre D’Adame Smith ,Genève l’abort et fide ,2003.
7-Gautier ,Claude , L’invention de la société civile. Lectures angloécossaise : Mandeville , Smith , Ferguson , Parie ,Presse Universitaire de France,1993.
8-Rosanvallon ,Pierre , le libéralisme économique .Histoire de l’idéde marché ,Parie ,Seuil , 1989.
- Enseignant: BOUSSATHA AMEL