Options d'inscription

لقد نشأ علم الاجتماع بالمعنى الدقيق للكلمة ,بشكل ما تنيجة للازمات الاجتماعية والثورات الفكرية والسياسية ,التي هزت اركان المجتمع التقليدي في اوروبا في القرن التاسع عشر ,ودفعت العلماء والمفكرين الى البحث في اسس المجتمع الانساني ,والقواعد التي يقوم عليها ,وما ادى اليه هذا كله من نشوب صراع ايديولوجي عنيف ولكنه مثمر وقد اثرت هذه الايديولوجيات المختلفة على رواد علم الاجتماع الذين ارسوا قواعد هذا العلم .

والتسليم بهذه الظروف التي لابست نشأة علم الاجتماع يتطلب ان نؤرخ لهذه النشأة ونفسرها في ارتباطها واتصالها الوثيق بالمناخ الفكري الذي ساد اوروبا انذاك ,ولا شك ان عصر التنوير وفلاسفته يشكلون جزءا هاما من ذلك المناخ ويطلق اسم عصر التنوير عادة على القرن الثامن عشر وفلاسفته وعلمائه و مفكريه من امثال جون لوك ومونتسكييه وفولتير وهيوم وادم سميث وكانط وغيرهم .لقد كان جوهر فلسفة التنوير متمثلا في النقد الاجتماعي في اوروبا ووضع الواقع الاوروبي بكل عناصره تحت مجهر التحليل والتشريح والنقد وذلك بواسطة معيار العقل الخالص.وقد مهد فلاسفة التنوير بأفكارهم الناقدة للحياة الاوروبية والمجتمع الاوروبي لنشوء حركات التحرر الفكري والسياسي التي شهدها المجتمع الاوروبي في القرن التاسع عشر والتي تعد بدورها مسؤولة عن نشأة علم الاجتماع . والواقع ان هذه الفلسفة الناقدة للمجتمع والاوضاع والنظم السائدة والتي كانت تقدس العقل وتؤمن بقدرته على استيعاب الواقع واخضاعه لحاجات الانسان كانت مضادة او نقيضا للفلسفة اللاهوتية الكاثوليكية من حيث انها كانت هذه الاخيرة لا تؤمن بقدرة العقل الانساني على استيعاب الواقع وحل مشكلاته وتجاوزها بل ان الايمان بالعجز الانساني في مقابل القدرة الالهية المطلقة كان يمثل لبها وجوهرها .

لقد اخذ النظام الاقطاعي القديم في اوروبا وهوالنظام الذي استمر طويلا مستندا على القرابة والارض والطبقة الاجتماعية والمجتمع المحلي والملكية اخذ في الاهتزاز والانهيار نتيجة للثورة الصناعية والثورة الفرنسية ونمو القوى الديمقراطية وهي العناصر التي عملت عملها على المسرح الاوروبي خلال القرن التاسع عشر ولذلك فان تاريخ السياسة في ذاك القرن ,انما هو تاريخ الجهود العملية لاعادة تكييف و مواءمة هذه العناصر ,او هو باسلوب اكثر بساطة محاولات مستمرة لاعادة تنظيم عناصر الحياة الاجتماعية التي اهتزت وقد ظهر علم الاجتماع الاكاديمي ايضا بوصفه جهدا نظريا لانجاز هذه المهمة ذاتها ,اي اعادة مواءمة تلك العناصر ووضعها في اطار علمي وفلسفي ملائم العصر الجديد.استجاب علم الاجتماع الاكاديمي في نشاته اذن الى حدثين بالغين الاهمية بما يحيط بهما من مناخ فكري و فلسفي حدث مادي في طبيعته تمثل في الثورة الصناعية ,وجدث معنوي تمثل فيما تمخض عن فلسفات التنوير التي سبق شرحها من ثورة سياسية وديمقراطية او لنقول ان هذين الحدثين قد قوضا معالم النظام الاقطاعي من جهة ,ومهدا لتيارات فكرية وعلمية جديدة من بينها علم الاجتماع من جهة اخرى .ولكن ماهي اهم العناصر البارزة للثورة الصناعية التي استجاب لها علم الاجتماع في ظهوره ,والتي اسهمت اكثر من غيرها في تشكيل وصياغة المشكلة السوسيولوجية وما يرتبط بها من مفهومات وتصورات ؟ تتمثل تلك العناصر المهمة فيما يلي :

-ظروف العمل 

-التحول الذي طرأ على نظام الملكية 

- نشوء المدينة الصناعية 

-نمو التكنولوجيا وتقدمها 

-ظهور نظام المصنع الحديث 

.ويمكن القول ان جانبا كبيرا من علم الاجتماع يمكن النظر اليه بوصفه استجابة لتحدي هذه الظروف 

نشأة علم الاجتماع بين سان سيمون واوجست كونت 

اذا كان كونت قد نشأ وطور افكاره , بعد فترة من استقرار النظام الاجتماعي الجديد فان سام سيمون قد عايش فترات التطور الحاسمة على المستويين المادي والفكري ,ولذلك فان فكره في جانب كبير منه يعكس مرحلة التحول من المجتمع الاقطاعي الى المجتمع البرجوازي الصاعد,بما تحمله هذه المرحلة من تناقضات تتمثل اساسا في الصراع بين ايديولوجيا المجتمع القديم المتهاوية وايديولوجيا المجتمع الجديد الصاعدة بل ان هذه الظروف ذاتها تنعكس في نظرية سان سيمون ومذهبه الفكري في شكل تردد بين افكار التنوير الثورية وافكار المحافظيم الرومانسية ,ولما كان سان سيمون قد سبق كونت في التبشير بكثير من افكاره وبصفة خاصة بالعلم الجديد الذي اطلق عليه الفيزياء الاجتماعية ,فانه من الطبيعي ان نبدأ به الحديث عن علم الاجتماع لكن اهمية سان سيمون لا تكمن في ذلك فقط ,وانما هي تتمثل ايضا في كونه و هو المفكر الواحد قد اثر في تفكير المحافظين والراديكاليين من رواد علم الاجتماع وذلك لان مذهبه ببساطة وهو المذهب الذي يعكس مرحلة التحول الاجتماعي في اوروبا ,يضم على نحو ما اشرنا عناصر فكرية راديكالية واخرى محافظة في الوقت ذاته .لقد كان سان سيمون مقتنعا بان المعرفة الاساسية قد تطورت في مراحل ثلاث هي المرحلة اللاهوتية ,المرحلة الميتافيزيقية واخيرا المرحلة الوضعية العلمية ,كما امن ايضا بضرورة دراسة السلوك الانساني ,وهو الميدان الذي اطلق عليه اسم الفيسيولوجيا الاجتماعية وتطلع الى ان يصبح هذا الميدان الجديد علما وضعيا يضاهي العلوم الفيزيائية الاخرى وحينئذ سوف تحل المعرفة العلمية بالانسان محل المعتقدات الدينية وسوف تتشكل الصفوة الجديدة من العلماء ورجال الصناعة لتحل محل صفوة العصور الوسطى من رجال الدين والنبلاء ولقد ارجع سان سيمون شانه في ذلك شأن بونال الاستقرار العظيم لحضارة العصور الوسطى الاقطاعية الى عقيدتها الدينية الكاثوليكية التي كانت تحظى بالاجماع العام على الايمان بها والالتفاف حولها ,كما انه سبق ماركس في تحليله للتحولات التاريخية التي عايشها المجتمع الاوروبي,اذ فسر هذه التحولات بانها نتيجة القوى المادية والفكرية التي نضجت في احشاء النظام القديم ,وحدد هذه القوى التي شكلت هذه التحولات وادت في نهاية الامر الى انهيار المجتمع الاقطاعي القديم وظهور المجتمع البرجوازي الجديد فيما يلي 

-تطور التفكير العلمي والاكتشافات العلمية 

-ظهور البرجوازية الصناعية والتجارية 

-حركة الاصلاح الديني وظهور المذهب البروتستنتي

-واخيرا الحركة الفلسفية النقدية لعصر التنوير 

هذه العوامل كلها قد اسهمت من وجهة نظره في تقويض الكنيسة الكاثوليكية وهي الاساس الذي كانت تنهض عليه وحدة مجتمع العصور الوسطى,وبانهيار الاساس انهارت هذه الوحدة ايضا .ان فلسفات التنوير النقدية التي ناقشها سان سيمون قد اسهمت الى حد كبير في تفكيك وحدة النظام القديم المتماسك وذلك من خلال تركيزها واثارتها لمباديء وقضايا كانت هدامة بالنسبة للمجتمع القديم الاقطاعي كمبدأ المساواة ومبدأ الحقوق الطبيعية للانسان ,هذه المباديء هي التي قادت الى الازمات الثورية الكبرى في ذلك العصر ,ومع ان الدور الذي لعبته مباديء الحرية والمساواة والحقوق الطبيعية كان عظيما فيما يتصل بهدم المجتمع القديم ,الا انه كان محدودا في توجيه عملية بناء المجتمع الجديد 

Les visiteurs anonymes ne peuvent pas accéder à ce cours. Veuillez vous connecter.