تعد منهجية البحث العلمي من ضرورات العصر الحديث وأساسا لقياس مدى تطور المجتمعات وازدهارها، خاصة وأننا نعيش في عصر يتسم بالسرعة المذهلة في تدفق المعلومات والمعارف، وتقصر فيه الفواصل بين النظرية والتطبيق، فالمنهجية طريق لاكتشاف الحقائق والتأكد من مدى صحتها.
وتساهم منهجية البحث العلمي في الدفع بجامعاتنا إلى مسايرة عجلة التطور العلمي وملاحقة خطاه والمساهمة في إثرائه، ونشر المعرفة العلمية على أوسع نطاق، وذلك من خلال توجيه اهتمام الطالب الجامعي إلى طلب العلم، وصرف نظره إلى المستوى الذي يمكنه من الالتحاق بالركب العلمي المعاصر المتطور، وبالنتيجة تمكينهم من المساهمة ولو بالقدر اليسير في بناء حضارة عربية توازي الحضارة الغربية علما وعملا.
ومنهج البحث العلمي في مجال العلوم القانونية والإدارية يساعد الأمة العربية في الاستقرار والأمن ويكفل التضامن بين أفراد المجتمع، ويكون عاملا للتحضر وسندا لقيم المجتمع العربية ولعاداته وتقاليده، وقد لا يتسع المقام للإفاضة في أفضال العلماء المسلمين في فروع العلوم المختلفة، ويكفي إيضاح الدور المنهجي العلمي الذي أفاد البحوث العلمية، وأدى إلى بروز مظاهر التقدم العلمي التي يجني العالم ثمارها الآن، بعد الإضافة إليها وتطويرها، من خلال تواصل جهود العلماء جيل بعد جيل، فوجهوا البحوث العلمية الوجهة الصحيحة من خلال إقامتها على التجارب والاختبارات واستقراء النظريات.
ولإعداد البحوث العلمية يحتاج الطالب إلى الأستاذ ليكتسب منه العمل والخلق وأساليب التعلم، فقد أوضح ابن خلدون في الفصل الثالث والثلاثين من مقدمته الحاجة للأستاذ حيث قال : «إن البشر يأخذون معارفهم، وأخلاقهم، وما ينتحلون به من المذاهب والفضائل تارة علمًا وتعلمًا وإلقاء، وتارة محاكاة وتلقينًا بالمباشرة، إلا أن حصول الملكات عن المباشرة والتلقين أشد استحكامًا وأقوى رسوخاً، فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها، والاصطلاحات أيضًا في تعليم العلوم مخلطة على المتعلم حتى لا يظن كثير منهم أنها جزء من العلم، ولا يدفع عنه ذلك إلا مباشرته لاختلاف الطرق فيها من المعلمين، فلقاء أهل العلوم وتعدد المشايخ يفيده تمييز الاصطلاحات»[1].
ولا يقف الأمر عند هذا الحد؛ بل إن الأستاذ «يفيد طلاب العلم بما يلقيه عليهم من دروس علمية، وتوجيهات تربوية، كما أنه ينفع الناس ويحل مشاكلهم، ويجيب على مسائلهم، ويعلم الجاهل منهم»[2].
والمتعلم في أول أمره قد لا يهتدي إلى الطريق السليم في حياته العلمية والتعليمية، فيأتي دور الأساتذة كموجهين ومرشدين لطلابهم حيث «يرسخون القيم والعادات والنظم والتقاليد، ويـبنون الأمة ببنائهم لأبنائهم، وبأيديهم يشكلون رجال المستقبل»[3]، كما يبرز دورهم أيضًا عن طريق «بث أحسن العادات والمبادئ الخلقية والدينية والاجتماعية والوطنية والصحية في نفوس طلبتهم».
وقد جاءت هذه المطبوعة كدعم للطلبة الجامعيين على اختلاف مستوياتهم ، فهي تجعل الطالب ممنهجا في تفكيره وعمله وعلاقته بالمحيط الجامعي الذي يحتك به بعيدا عن ما يعرف بالضحالة الفكرية، فيتمكن بذلك من إعداد بحوثه وكتابة تقاريره، وإعداد الأوراق البحثية والمقالات على اختلاف أنواعها بكل يسر، ، وتعد هذه المطبوعة محاولة للاستفادة والتعلم من خلال تدريس هذه المادة على مستوى الجامعة، فكان تقسيمها مبنيا على النحو الآتي:
وبناء على ما تقدم سيتم التطرق في هذا الفصل إلى المباحث الآتي بيانها:
المبحث الأول: أحكام عامة
المبحث الثاني: مفهوم البحث العلمي
المبحث الثالث: مراحل إعداد البحث العلمي
المبحث الرابع: قواعد تحرير البحث العلمي
[1] عبد الرحمن ابن خلدون: مقدمة ابن خلدون، دار يعرب، دمشق، 2004، ص336.
[2] حسن علي حسن، الفكر التربوي عند ابن القيم، دار حافظ للنشر، جدة، السعودية، الطبعة الأولى، 1988، ص449.
[3]إبراهيم ناصر، مقدمة في التربية، جمعية عمال المطابع التعاونية، القاهرة، 1986، ص103.
- معلم: SOUHILA BOUKHMIS