Section outline
-
النظريات الاستراتيجية لقوة الدولة
أولا : نظرية القوة البرية
ظهرت كتابات عديدة عبر التاريخ في اتجاه إبراز العلاقة بين الدول ونظمها ونموها، وبين ظروف البيئة الجغرافية، والمساحة المثالية للدولة التي تستطيع أن تسيطر عليها، وتبسط نفوذها في أرجاء هذه المساحة، وكيف يمكن للسكان استغلالها على الوجه الأكمل، وأهمية المدن الكبرى في ربط وتوجيه السكان نحو مراكز القوة والجذب في الدولة، وكذا أهمية كثافة السكان وغنى الدولة وانتشار العمران، حتى تصبح الدولة وحدة سياسية متماسكة في الداخل، وقوة لها اعتبارها في الخارج.
فرديك راتزل 1944 – 1904:
يعدّ فريدريك راتزل (1844– 1904) أول من درس وعالج المكان والموقع معالجة منسّقة، ووازن بين الدول، وقد أكد راتزل على وجود روابط قوية بين القوى القارية والقوى السياسية، وعليه فإنّ بداية مفهوم القوى القارية يقترن بأداء راتزل، الذي كان متأثراً بنظرية ( النشوء والارتقاء ) وآمن بأنّ الدولة كائن حي، فالنمو حاجة ماسة للكائن الحي والدولة كذلك طبقاً لآرائه، حتى ولو كان ذلك عن طريق القوة، وقد أكد راتزل على المساحة والموقع وطبيعة الحدود السياسية، واعتقد أنّ المجال الإقليمي يؤثر في قوة الدول، كما أنّه يعتمد في حجمه على هذه القوة، وآمن بأنّ المساحة الكبيرة ضرورية لنمو الدولة التي هي بمثابة كائن حي، ويضفي الموقع صفات مميزه على المساحة، أما الحدود فهي جلد الكائن الحي، وهي علامه النمو أو الاضمحلال.
وضع راتزل سبعة قوانين للتوسع الإقليمي، وهي:
1-تزيد مساحة الدولة بانتشار السكان ونمو ثقافتهم؛
2-إنّ نمو الدولة عمليه لاحقة لنمو السكان؛
3-تتسع الدولة بضم الوحدات الصغيرة إليها؛
4-الحدود هي العضو الحي المغلف لها، فهي تنمو أو تنكمش تبعاً لقوة الدولة؛
5-تحظى السهول والأودية والأنهار والمناطق الهامة الأخرى؛ بمركز الثقل في اهتمامات الدولة خلال مراحل نموها، أي أنّ هذه الأقسام إما أن تكون سهولًا أو مناطق ساحلية، أو مناطق تعدينية، أو ذات قيمة في إنتاج الغذاء؛
6-إنّ التوسع الأرضي يأتي للدولة البدائية من الخارج، ومعنى هذا أن الدولة الكبرى ذات الحضارة، تحمل أفكارها إلى الجماعات البدائية، التي تدفعها زيادة عدد السكان إلى الشعور بالحاجة إلى التوسع؛
7-التوسع يفتح الشهية للتوسع، حيث ينتقل الميل العام للتوسع والضم من دولة إلى أخرى ثم يتزايد ويشتد.
وسّع راتزل القانون السابع فقال: إن هذا الكوكب الصغير "الأرض" لا يتسع إلا لدولة عظيمة واحدة، وذكر راتزل أنّ استغلال المساحات الكبيرة ستكون أهم ظاهرة سياسية في القرن العشرين، كما أكّد على أنّ تاريخ العالم ستتحكم فيه الدول كبيرة المساحة كروسيا في أوراسيا، والولايات المتحدة في أمريكا الشمالية.
رودولف كلين Johan Rudolf Kjellén 1864 – 1922
هو جغرافي وأستاذ سويدي، صاحب فلسفة ميكيافللية شعارها " القوة أهم من القانون، والضرورة لا تعرف القانون "، وفي هذا الإطار تنبّأ بأنّ دولاً عظمى ستنشأ في آسيا وأفريقيا وأوروبا، وأنّ السيادة ستنتقل من القوى البحرية إلى القوى البرية التي ستتحكم مستقبلا في البحار.
نشر كلين كتابين أولهما عام 1917 باسم " الدولة مظهراً من مظاهر الحياة " والثاني عام 1920 بعنوان " الأسس اللازمة لقيام نظام سياسي"، ويرتكز هذان الكتابان على خلفية تمتد أصولها إلى الفلسفة العضوية، وقد طور كلين أبحاثه إلى ما عرف فيما بعد باسم نظرية الدولة، وقد قسّم الدراسات المرتبطة بالدولة إلى:
01-الجغرافيا والدولة.
02-السكان والدولة.
03-التركيب الاجتماعي.
04-الموارد الاقتصادية للدولة.
05-المنطقة الحكومية.
كارل هوسهوفر 1869 – 1946
آمن هوسهوفر بأنّ الحياة للدولة الكبيرة، أما الدولة الصغيرة فمصيرها الزوال وكان مؤيداً لمبدأ (مونرو) في نصف الكره الغربي، كما كان يعتقد أنّ العالم مصيره لثلاث حكومات: الولايات المتحدة في الغرب واليابان في الشرق وألمانيا في أوروبا وإفريقيا، وقد آمن بالشعار الذي رفعه اليابانيون: التوسع الإقليمي واختزال الضغط السكاني، وآمن بأن الدولة كائن حي، واعتقد أنها يجب أن تتبع سياسة الاكتفاء الذاتي.
رأى هوسهوفر أنّ الدولة القوية هي التي يتوفر لها عدد أكبر من السكان ومعدلات مواليد مرتفعة، ووجود مواءمة تامة بين السكان وتربة الوطن، وتوازن بين سكان الحضر وسكان الريف، وقد نظر لحدود الدولة كالعضو المغلق للكائن الحي قابل للتغير والنمو والاضمحلال، أما من الناحية العسكرية فقد رأى أنّ القوة العسكرية تعتمد على ثلاثة أركان " الجيش، الأسطول، الطيران"، وقد أكد على المشاة بوصفهم هم الذين يمسكون بالمجال الأرضي، ومن آرائه أنّ الدول صغيرة المساحة لا تصلح للدفاع بل الهجوم، لتنقل المعركة إلى داخل أرض الخصم"، أما البلاد الواسعة مترامية الأطراف كروسيا، فتستطيع الدفاع بعمق، وقد حذّر ألمانيا من فتح جبهتين في آن واحد، كما حذّرها بألا تبدأ بالإعلان عن الحرب لتجنب وصمة إشعال نارها، كما أكّد أن الاحتلال العسكري للمجال الأرضي ينبغي أن يكون احتلالاً كاملاً، حتى يتسنى القضاء على حرب العصابات، ولم يحبذ فكرة الاستيلاء على المدن؛ بل محاصرتها، وأكّد على أنّ تدريب المقاتلين ينبغي أن يتماشى والبيئات التي سيقاتلون فيها أرضاً ومناخاً.
رأي هوسهوفر بأنّ الدول الموجودة في قلب الأرض، يجب أن تتكتل وأن تشرف دوله قوية واحدة على هذا الجزء من العالم، ومن المرجّح أن ألمانيا هي الدولة المقصودة من طرفه، ولتجنب هزيمتها فإنه كان ضد التحرش بروسيا، بل كان يفضل أن يكون هناك حلف بينها وبين ألمانيا.
هالفورد ماكيندر 1861 – 1947 م
يعد هالفورد ماكيندر صاحب نظرية قلب العالم، وقد درس ماكيندر علوم الحياة والتاريخ والقانون والطبوغرافيا والاستراتيجية والجغرافيا وكان دبلوماسياً وجغرافياً، وقد حظي باهتمام الجغرافيين والسياسيين خاصة بالنسبة لمحاضراته عن الارتكاز الجغرافي للتاريخ في الجمعية الجغرافية البريطانية عام 1904، وهي المحاضرات التي أثارت نقاشاً استمر لأكثر من نصف قرن، كما أثرت على أفكار كيلين وهوسهوفر، وأثرت في الاستراتيجية الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية خاصة في هجومات عام 1940م، ولقد عاد ماكيندر وعدّل نظريته عام 1919 في كتابه " المثل الديمقراطية والحقيقة "، ثم عاد إليها مرة ثانية في عام 1943 في ضوء أحداث الحرب العالمية الثانية .
لاحظ ماكيندر أنّ ثلاثة أرباع مساحة الكرة الأرضية مغطاة بالمياه، في حين أنّ مساحة اليابسة لا تتجاوز ربع إجمالي مساحة العالم، ولاحظ اتصال البحار ببعضها البعض فأطلق عليها المحيط العالمي World Ocean كما أطلق على اليابس القديم اسم جزيرة العالم World Island التي تشغل 1/16 من مساحة العالم، واعتبر أنّ أمريكا الشمالية واللاتينية واستراليا بمثابه جزر تحيط باليابسة تغطي نحو 1/12 من مساحة الكرة الأرضية، وتتكون الجزيرة العالمية من أفروأوراسيا يتوسطها البحر المتوسط وقد أشار إلى أن 14/16 من سكان العالم يقطنون هذه الجزيرة، أما الجزر المحيطة فيسكنها 1/6 من السكان ويسكن الجزر الخارجية أمريكا الشمالية واللاتينية واستراليا نحو 1/16 من سكان الكره الأرضية.
أطلق ماكيندر على المنطقة الوسطى من الجزيرة اسم منطقه الارتكاز Pivot Area، وعدّل الاسم فيما بعد إلى منطقه القلب Heartland ، ويمتد هذا القلب من نهر الفولغا غرباً إلى شرق سيبيريا، ومن المحيط المتجمد الشمالي إلى هضاب إيران وأفغانستان في الجنوب، ويغلب طابع السهول على المناطق الشمالية والوسطى والغربية ولا يتخللها سوى جبال الأورال، وتنصرف مياه القلب داخلياً صوب المحيط المتجمد الشمالي وتقع غالبية منطقة القلب في روسيا وجزءاً من غرب الصين ومنغوليا وافغانستان وإيران عدا مناطقها الساحلية، وقد أضاف ماكيندر بتعديله الثاني مناطق جديدة، إذ مدّ حدود منطقة القلب إلى شرق أوروبا حتى نهر الألب، وتمتاز منطقة القلب بأنها منطقة سهلية ذات تصريف داخلي، وتعدّ قلعة دفاعية، وأفضل نموذج للدفاع بالعمق، كما أنها محاطة من الشمال بمسطح مائي متجمد أغلب أيام السنة، ويشكّل منطقة حماية طبيعية للقلب.
أشار ماكيندر إلى منطقة ارتكاز أخرى وسماها منطقة القلب الجنوبي؛ وتضم إفريقيا جنوب الصحراء، وتعد الصحراء حصناً طبيعياً للفصل بين الجنسين الأبيض والأسود، وأنها ذات تصريف داخلي من الهضبة الداخلية إلى أنهار النيجر والكونغو والزمبيزي والأورانج واللمبوبو، وتتصل المنطقتان عبر الدول العربية التي تمتد من النيل غرباً إلى العراق شرقا، وقد أطلق ماكيندر على الأراضي الساحلية اسم الهلال الداخلي، وتمتاز بأن أنهارها تصرف نحو البحار الصالحة للملاحة، وتتكون من المناطق الساحلية والأرض العربية والصحراوية في الشرق الأوسط والمناطق الموسمية في آسيا.، أما الحلقة الخارجية فأطلق عليها الهلال الخارجي، وتتكون من أمريكا الشمالية وامريكا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء وأستراليا، وليست هناك دولة تستحق الإشارة في نطاق الهلال الخارجي سوى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واليابان، والملاحظ أن ماكيندر لم يعط الولايات المتحدة أهميه خاصه عام 1904، إلا أنه أعطاها مثل هذه الأهمية بتعديله عام 1943م، ولعلّ من المفيد أن نشير إلى أنّ ماكيندر قد تخوّف من نشوء دولة في القلب تتمكن من تكوين امبراطوريه عالمية، وبذلك تصبح جزيرة العالم قاعدة مهمة بريه وبحرية وجوية، يدين لها العالم بأسره بالولاء، وكان يرى أنه من الممكن ذلك لو أن ألمانيا اتحدت مع روسيا اتفاقاً أم غزواً.
اعتقد ماكيندر أن سلاح الجو لصالح القوة البرية أهمية أكثر من القوة البحرية، وأكّد أنّ استخدام الطرق البحرية لا يتم إلا من خلال إشراف القوة البرية، وأكد أنّ عهد الدول البحرية قد انتهى، وأن تاريخ العالم ليس إلا صراعاً بين القوى البرية والقوى البحرية، والسيادة ستكون للدول البرية.
لخص ماكيندر نظريته في:
- من يتحكم في شرق أوروبا يتحكم في قلب الجزيرة العالمية.
-من يتحكم في القلب يتحكم في الجزيرة (جزيرة العالم أفروأوراسيا).
- من يتحكم بالجزيرة يتحكم بالعالم.
في تعديل عام 1943 أكّد ماكيندر أن التهديد للقلب من الاتحاد السوفييتي ( سابقا ) وليس من ألمانيا، وأكّد أيضاً أنّ الموقف السياسي للقوى العالمية لا يعتمد فقط على الموقع الجغرافي للقلب، وإنّما أيضاً على البناء الصناعي، كما استحدث مصطلح "الحوض الجغرافي للقلب ومصطلح الحوض الأوسط شمال الأطلسي بين غرب أوروبا وشرق الولايات المتحدة الأمريكية، وأكد ماكيندر بأنّه لو خرج السوفييت بالحرب العالمية الثانية منتصرين سيصبحون أعظم قوه برية في العالم، على أنه يحسن الإشارة إلى أنّ ماكيندر عام 1943 نقل الأهمية الجيوبولتيكية للقلب من مجرد الاعتماد على الموقع والتلاحم الأرضي وسهولة الحركة للقوى القارية، إلى الاعتماد على السكان والعمران والموارد والخطوط الخلفية للحركة، والمهم أنّ ماكيندر قد وضع تصوره من وجهه نظر الباحث الإنجليزي الذي يحاول أن يلفت نظر السلطة في بريطانيا إلى إمكانية ظهور قوة عالمية برية لا تستطيع القوة البحرية الإنجليزية الوصول إليها.
وُجّهت عدة انتقادات لنظريه ماكيندر؛ منها إغفاله للأوصاف التقنية المتطورة، فمنعة المحيط المتجمد الشمالي لم تعد قائمة بعد اكتشاف كاسحات الجليد والغواصات التي تسير تحت الغطاء الجليدي، كما أنّ اختراع الأسلحة المتطورة والصواريخ -والأسلحة النووية بالذات -يغيّر من منعة منطقة القلب.
إنّ المركزية الشديدة التي يتسم بها قلب الارض ليست عاملاً في صالحه، لأنها تصبح عرضة للهجوم جوا، وهذا يعني أنّ سلاح الطيران يقلّل كثيراً من أهمية الموقع الجغرافي، ويرى جيمس فيرجريف أنّ اليابسة عبارة عن جزيرتين عظيمتين هما جزيرة متوازية الأضلاع تمثل العالم القديم، وجزيرة أخرى عبارة عن الأمريكيتين، وكلتاهما تقعان في محيط عظيم، وينقسم متوازي الأضلاع إلى قسمين، تفصلهما الصحراء أكثر مما يفصلهما البحر.
إنّ مخططي الاستراتيجية في الغرب يقرون بأنّ ماكيندر كان على حق في أفكاره، فألمانيا لم تتمكن من السيطرة على المنطقة الحاجزة بين الجرمان والسلاف، وأصبحت الأراضي الممتدة من بحر البلطيق إلى بلاد البلقان في دائرة النفوذ السوفييتي سابقا الذي سيطر على منطقة القلب، وأثّرت آراء ماكيندر في خطط السياسة الانجلوأمريكية، فكل الأحلاف ابتداء من حلف الأطلسي إلى حلف جنوب شرق آسيا ما هي إلا محاولات مخططة لتطويق منطقة القلب، والسيطرة على الهلال الداخلي المحيط بها في حينه، والحقيقة أنّ أحداثاً جديده طرأت على دول العالم بعد سنين الحرب العالمية الثانية، تثير الشكوك حول آداء وصحة تطبيقها في العصر الحالي، ومن هذه الأحداث ما شهدته المنطقة العربية ومناطق جنوب شرق آسيا، وظهور الصين الشعبية كقوة تحظى بمرتكزات طبيعية وبشريه، تؤهلها أن تكون قوة عالمية في منطقة الهلال الداخلي، وتربع الولايات المتحدة الأمريكية على عرش السيادة العالمية كإمبراطورية وحيدة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومعسكره عام 1989م، أين أصبح العالم بدرجة كبيرة أحادي القطب.
ثانيا: نظرية القوة البحرية
في مستهل الحديث عن القوة البحرية لا بد من التمييز بين القوة البحرية والقدرة البحرية، فالقوة البحرية تعني القوة المقاتلة والمسلحة بالأسلحة البحرية الرئيسية التي بمقدورها إنجاز العمليات المستقلة أو المشتركة التي تساهم بها صنوف أخرى من القوات المسلحة كالقوات الجوية والدفاع الجوي والقوات البري،ة أما القدرة البحرية فتعني القوات البحرية مضافاً إليها جميع السفن التجارية وتسهيلاتها البحرية كالموانئ البحرية ومنشأتها الأخرى، وقد ظهر مفهوم القوى البحرية في مجال السياسة الجغرافية منذ نهاية القرن التاسع عشر، حين تصاعد دور الولايات المتحدة الأمريكية في السياسات الدولية، ويقف القائد البحري الأمريكي (الفريد ماهان) بمقدمه رواد نظرية القوة البحرية.
ألفريد ماهان 1840 – 1914م
يعد الفريد ماهان من أشهر المؤرخين والمنظّرين في مجال القوة البحرية، وذلك لأن خلفيته في هذا الميدان تستند إلى الإعداد العلمي، الذي أحرزه من خلال دراسته في الأكاديمية التي تخرج فيها عام 1859، وبعد هذا التاريخ أصبح ضابطاً في البحرية الأمريكية، وتدرج في سلم الرتب العسكرية إلى أن وصل رتبة أدميرال بحري وبعدها تقاعد في عام 1908، وله ثلاث كتب هي:
- تأثير القوة البحرية في التاريخ بين سنه 1660 – 1783 والمنشور عام 1892.
- تأثير القوة البحرية في الثورة والإمبراطورية الفرنسية 1793 – 1812 والمنشور عام 1892.
- القوة البحرية في علاقتها مع الحرب عام 1812.
حينما يكتب ماهان عن القوة البحرية؛ فإنّه يعني القوة العسكرية التي يمكن نقلها بالبحر إلى المكان المطلوب دون أن يعني مجرد الأسطول البحري، ومن ثمّ فإن التحكم في البحار يعني لديه: التحكم في القواعد البرية التي تمتاز بالمواقع الاستراتيجية المتحكمة في النقل البحري والقواعد البحرية التي تحميها أشكال السواحل من جهة، وعمق خلفيتها الأرضية ويرى أنّ الثورة الصناعية التي شهدتها أوروبا بين 1760 -1830م؛ دفعت الدول الأوروبية إلى الاستعمار السياسي وتكوين مستعمرات لها فيما وراء البحار، وذلك من أجل تصريف فائض إنتاجها من السلع المصنوعة، وللحصول على المواد الخام المتنوعة لمصانعها، ولتوفير المواد الغذائية لسكانها الذين تزايدت أعدادهم، واستدعى هذا إنشاء الأساطيل التجارية الضخمة لنقل الركاب وللتجارة بين الشرق والغرب، وتمّ تطوير الملاحة البحرية نتيجة لإحلال الحديد محل الخشب في صناعه السفن، ولاستخدام البخار في تسييرها بدلاً من الشراع، وقد عمدت دول أوروبا إلى إنشاء الاساطيل الحربية لحراسة السفن التجارية من القراصنة والعدوان، وهكذا أصبحت البحار والمحيطات شرايين تصل بين المستعمرات وبين الدول الأوروبية صاحبة السيادة عليها، وأخذت أهمية الطرق البحرية تتزايد، ورأت بعض الدول الأوروبية ضرورة السيطرة على بعض المواقع الاستراتيجية، على طول الطرق البحرية لحراستها، ورأى ماهان أن إنجلترا لها اليد الطولى في كل ذلك نظراً لموقعها الجذري المنعزل، مما يجعلها بعيده المنال على القوى الأوروبية المختلفة الموجودة على اليابسة الأوروبية، وأنّ موقع بريطانيا الجغرافي يمكنها من السيطرة على خطوط الملاحة من وإلى شمال أوروبا، وقد أصبح لها أسطول حربي ضخم يتعذر على الدول الأوروبية القارية أن تنشئ مثله، وهذا يعني أنه بإمكانها حصار موانئ القارة الأوربية وقت الضرورة، والدفاع عن الجزر البريطانية في الوقت ذاته، فيما لم يكن بمقدور أيه دولة أوروبية إعداد جيش بحري للدفاع عن أرضيها، بسبب موقعها البري، ويشير ماهان إلى أن قيام قوة بحرية في أية دولة يتطلب قيام وتوفر بعض العوامل، حددها بما يأتي:
1-الموقع الجغرافي للدولة:
يعني ماهان به موقع الدولة البحري؛ فيما إذا كانت تقع على بحر واحد (أحادية الموقع)، أو على بحرين أو أكثر، كما يؤخذ بنظر الاعتبار صلاحيه هذه البحار للفعاليات الملاحية، وسهولة اتصالها ببعضها وبأعالي المحيطات، ويشترط على الموقع البحري أن يساهم في تمكين الدولة من السيطرة على الطرق التجارية الهامة، والتحكم في القواعد السوقية، حتى يستطيع التصدي لعدو منتظر قد يهدد نطاقها الإقليمي.
يرتبط النشاط العسكري لأي بلد بحري ارتباطاً وثيقاً بنوع البحر الذي يقع عليه، فيما إذا كان مفتوحاً أم مغلقاً فالبلدان الواقعة على سواحل البحر البلطيق تتأثر من الناحيتين التجارية والعسكرية، إذا ما سيطرت دوله أجنبية على مداخل هذا البحر، وقد دلّت أحداث الحرب العالمية الثانية على ذلك حينما سيطرت القوى النازية الألمانية على بحر الشمال، مما أدى إلى فرض نفوذها على بحر البلطيق، وضياع سيادة بلدان هذا البحر، لذا أصبح موقع السويد والدانمارك يعد من أفضل المواقع.
2-طبيعة سواحل الدولة:
في هذا الجانب لا يؤخذ طول الساحل بنظر الاعتبار، وإنما نوعيته وصلاحيته لإنشاء الموانئ، فكلما كان الساحل متعرجاً تكثر فيه الخلجان العميقة، أصبح جاذباً للسكان، ومشجعاً لهم لركوب البحر والاتصال ببقية أقطار العالم، فالاتحاد السوفييتي سابقاً مثلاً يمتلك سواحل طويلة ولكن معظمها غير صالح لنشاط بحري، فيما سواحل النرويج تكثر فيها الأودية العميقة المحمية، الممتدة مسافات طويلة إلى قلب الدولة، وقد ساعدت صلاحيتها للملاحة وفقر اليابسة على تطور نشاط بحري واسع، جلب لها مؤثرات حضارية من مناطق بعيدة، وقد عدً ماهان كثرة الموانئ في سواحل الدولة مصدر قوة وغنى، وقد ميّز بين نوعين من السواحل:
أ-الساحل الذي أدت حركات الرفع في قشرة الأرض إلى ظهوره، وهذا لا يكون عادة مستقيماً خالياً من التعاريج الأساسية من رواسب هشة، وهذا النوع من الساحل لا يصلح لنشاط ملاحي مثل ساحل المكسيك ودلتا النيل.
ب-الساحل الهابط والذي أدت حركات تكتونية إلى هبوطه، وأبرز ما يميّزه هو كثرة الخلجان العميقة، وهناك أصناف من هذه الخلجان، وهي كلها صالحة للنشاطات الملاحية، ولا تعيق تطور حركه الملاحة.
3-صفات ظهير الساحل:
يقصد بها أراضي الدولة التي تقع خلف خط الساحل، فإذا كانت هذه الأراضي ذات مساحة كبيرة، وتتمتع بثروات طبيعية وفيرة تكفي لسد حاجة مجموع سكان الوحدة السياسية، فهي تصبح عامل جذب للسكان نحو الداخل، وبذلك يكون التوجه الجغرافي للدولة داخلياً عبر اليابسة، وليس نحو البحر حتى وإن كان موقعها بحرياً، وتطل على سواحل طويلة، ومن أمثلة ذلك فرنسا فهي تقع على ثلاثة بحار المتوسط والأطلس والبحر الشمالي، ولكن مع هذا فهي ليست دوله بحرية، وذلك لأن خبراتها الداخلية كثيرة، جذبت السكان إلى الاشتغال في البر، وعدم اللجوء إلى البحر كسباً لمعيشتهم، وفي حالة فقر الظهير بالموارد نوعاً ما، فإنّها تعمل على طرد السكان وتوجيههم نحو البحر للحصول على غذائهم، وكسب معيشتهم اليومية، ومن هذه الدول مثلاً إيطاليا واليونان، وهذه تحدد فعاليات القطر ونشاطه من ناحية السكان.
4-مساحة الدولة وعدد سكانها:
من المحفزات الرئيسية لبناء القوة البحرية سعة المساحة وكثرة الشعب، إذ يرى ماهان أن لهذين العنصرين إمكانية تنوع الموارد الطبيعية داخل المساحة الكبيرة للدولة، وكذلك قدرة القوى البشرية المتمثلة بعدد السكان، في بناء الأساطيل البحرية وفي استعمالها وصيانتها، كما أنّ المساحة الكبيرة ووقوع الدولة على أكثر من بحر واحد، يزيد من احتمالات تواجد السواحل الطويلة والصالحة للملاحة.
5- الخصائص القومية لسكان الدولة :
من الشروط المهمة التي يراها ماهان ضرورية لباء أية قوة بحرية، هي معرفة رغبة السكان وميلهم لركوب البحر، إذ أنّ هذا الشرط يعد حجر الزاوية في إقامة صرح التجارة البحرية، الكفيلة بتجميع الثروات الضرورية لبناء القوة البحرية.
6-توجه السلطة الحاكمة
تعتمد رغبة السلطة الحاكمة في التوجه نحو البحر على خلق قوه بحرية، وفي النهاية على توفر كافة الظروف الطبيعية ودرجة ملائمتها وتفاعل ذلك مع الخصائص الاجتماعية التي يمتاز بها سكان تلك الدولة، وقد انطلق ماهان في نظريته عن الخصائص الجغرافية للولايات المتحدة الأمريكية حيث جاءت مطابقة للمعايير التي وضعها أساساً لبناء القوة البحرية، وكأنه أراد خدمة المصالح الأمريكية بالدعوة إلى التوسع خارج حدود نطاقها الإقليمي، واشترط لهذا التوسع بناء قوة بحرية مؤلفة من عدة اساطيل كبيرة حتى يكون بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية ضمان الدفاع القومي ضد أي حصار بحري يوجه ضدها بصفتها جزيرة قارية.
كان ماهان يرى ضرورة احتلال الولايات المتحدة الأمريكية جزر هاواي لأنها تمثل قاعدة عسكريه أماميه يمكنها استخدامها لصد أي هجوم يأتي من القاره الآسيوية كما أكد على ضرورة فتح قناة بين الأمريكيتين تصل المحيط الهادي بالمحيط الأطلسي ونبه أنه لا يمكن المحافظة على سلامة هذه القناة دون أن يكون للولايات المتحدة الهيمنة التامة على البحر الكاريبي وفي القسم الشرقي من المحيط الهادي وقد تحقق فعلاً ما ذهب إليه ماهان من قبل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية روزفلت، ومن المظاهر الأخرى للتوسع الاقليمي الذي نادى به ماهان بعد أن استولت الولايات المتحدة الأمريكية على جزيرة بورتوريكو عام 1898 اثر حربها مع اسبانيا، وايجاد منطقه جوانتانامو جنوب شرق كوبا عام 1903م.
في عام 1977 اشترت من الدانمارك جزائر فرجين واستولت على جزيرة نافاسا إلى الجنوب من كوبا واستأجرت من جمهورية نيكاراغوا جزيرتي كورن الكبرى الصغرى، وجميع هذه المواقع كان الغرض منها حماية موقع قناة بنما، أما في نطاق المحيط الهادي فقد استولت على Midway عام 1851 واشترت الاسكا من روسيا 1867 وضمت إليها جزر هاواي عام 1898 بقرار من الكونجرس وبذلك ضمت لها مفتاح الدفاع عن القطاع الشرقي لهذا المحيط.
ثالثا: نظرية القوة الجوية
كان لظهور الطيران ودخول عصر الفضاء دوراً بارزاً في تشكيل مفاهيم جديدة في جغرافية العلاقات الدولية، أهمها ما قدّمه أرشيبلد ماكليش Archibald MacLeish في مقال نشره عام 1942؛ إبان الحرب العالمية الثانية، بعنوان: " صورة النصر “The Image of Victory” ، أشار فيه إلى أنّ بمقدور الطائرات أن تغيّر جغرافية العالم، وأشار بالدور الذي تلعبه القوة الجوية في إحراز النصر، وقد حذّر من ألمانيا واعتبرها القلب الذي يقع في إحراز العالم، وتوقّع سيطرة القوة الجوية على منطقة القلب على جزيرة العالم، وسيطرة القوة الجوية من سواحل جزيرة العالم على البحار، وأنّ القوة الجوية يمكن أن تخضع الجزر الواقعة عبر البحار، وفي عام 1944 نشر جورج رينر Renner آراءه في هذا السياق أيضا؛ ومنها أنّ الطرق الجوية قد ربطت بين القلب الأورآسيوي وقلب أمريكا الشمالية الأصغر منها عبر المنطقة القطبية، وتتصف منطقة القلب هذه بأنها مهددة من إحدى القوتين؛ السوفييت يشكلون مصدر تهديد القطب في أمريكا والعكس صحيح، ويمكن أن تكون قاعدة عالمية لأنها قرية من الدائرة القطبية، وعليه يمكن أن تصبح المنطقة القطبية الشمالية بؤرة الحركة ومفتاح النفوذ العالمي. ترجع أولى هذه الأفكار إلى الطيار الروسي الكسندروي سفرسكي الذي ساهم في الحرب العالمية الأولى، ثم عمل بعد ذلك ببناء الطائرات وتطويرها فقد نشر بحثاً بعنوان القوة الجوية مفتاح البقاء عام 1950 فرسم خريطة للعالم بمسقط قطبي للمسافات والانحرافات الصحيحة وتبعاً لخريطته هذه يقع النصف الغربي للعالم في جنوب القطب بينما يقع النصف الشرقي ( أوراسيا ـ أفريقيا ) في شمال نقطة القطب وهذا يعني تقسيم العالم إلى عالم قديم وعالم جديد وقد عدت امريكا اللاتينية مصدراً للخامات الأمريكية وهي في الوقت ذاته منطقه السيادة الجوية للولايات المتحدة الأمريكية أما السيادة بالنسبة للسوفييت فتمتد جنوب إسبانيا وجنوبها الشرقي وإفريقيا جنوب الصحراء أي أن هذه هي المناطق التي يمكن أن تصل إليها السيطرة الجوية من العملاقين. أعتبر (سفرسكي ) منطقة تداخل السيادة الجوية لكل من أمريكا الشمالية واتحاد السوفييت هي منطقه المصير وتتمثل مناطق التداخل الجوي انجلو امريكا منطقة القلب في أوارسيا وأوروبا البحرية شمال افريقيا والشرق الأوسط (الوطن العربي ) ويمكن تحديد هذه الآراء على النحو الآتي:
1/ من يملك السيادة الجوية يسيطر على مناطق تداخل النفوذ (منطقه المصير)
2 /من يتحكم بمنطقة المصير يسيطر على العالم.
تعد آراء سفرسكي استكمالاً لآراء رينر لكنها تختلف عنها في نتيجتين تتعلقان بمسقط الخريطة التي اعتمدها سفرسكي إذ أدى هذا المسقط إلى إبعاد افريقيا عن أمريكا الجنوبية بشكل لا ينطبق مع واقع الحال على خريطة العالم وقد ترتب على هذا الابتعاد أن جعل كل من القارتين في حوزة القوة الجوية للسوفييت والامريكيين على التوالي، والاختلاف بينهما ينبع من أن الأول طيار يرى العالم من الجو أما رينر فهو يقرا خارطة مسطحه أمامه بينما في واقع الحال تبتعد افريقيا عن الولايات المتحدة بذات المسافة التي تبعد به امريكا الجنوبية عنها أضف إلى ذلك أن سفرسكي اعتقد أن منطقة القطب الشمالي هي آخر منطقة في العالم كله واعتقد أن قوه واحده تستطيع أن تسيطر عليها إذا ما كانت تملك السيادة والتفوق الجوي على كل نظائرها في حالة نشوب حرب جويه شامله وقرر أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقا والمملكة المتحدة هي الدول المؤهلة لكي تكون قوه عظمى ولكن الواقع بناء على ذلك يمكن أن يخلق أيه دوله أخرى تكون هي صاحبه السيادة طالما أن هناك تطورات رهيبة في تقنيات ومواصفات سلاح الطيران في العالم الآن ، هذا وقد أوصى سفرسكي الولايات المتحدة بأن تبني لنفسها قوه جويه ضاربه كما انتقد السياسة الأمريكية الخاصة بإشعال نيران الحروب الإقليمية كحرب فيتنام وحروب الشرق الاوسط وحرب نيجيريا وغيرها فهي تؤدي إلى استنزاف قوة الولايات المتحدة الأمريكية في حين تكون الغلبة للخصم، كما رأى في ضرورة تصفية القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج، لأنها مكلفة اقتصادياً، وتقود نظرية سفرسكي إلى نتيجتين:
1/الانعزال الجوي الذي يوصي بتقسيم العالم تقسيماً معقداً إلى قسمين.
2/ نظره موحدة للكرة الأرضية، على أساس أنه في حالة حرب شاملة يمكن للقوه المتفوقة جوياً أن تسود العالم بغض النظر عن موقعها الجغرافي.
لم يكن يتوقع سفرسكي عام 1950 أنّ دولاً كثيرة ستصل إلى إمكانيات التدمير الشاملة، خاصة بعد بروز الأسلحة النووية على مسرح التسليح العسكري، ودخولها مجالات القوى الثلاث البرية والبحرية والجوية، عن طريق الصواريخ والصواريخ المحمولة والقاذفات والحاملات والغواصات وغيرها، كما أنّ سلاح الجو لا يمكن اعتباره بعداً ثالثاً في مجال القوة طبقاً لوجهات نظر بعض المختصين فهو عنصر حمايه وتغطيه للقوات البرية والبحرية في الهجوم كما هو في الدفاع والتقدم والانسحاب ، وثمة مسألة تضاف وهي أن الرعب النووي عمل على استبعاد احتمال قيام حرب عالميه ثالثة، ذلك أنّ التقدم في مجال هذا السلاح التدميري؛ عزّز من مبدأ التوازن الدولي وقاد للانفراج.
رابعا: نظرية الإطار لــ نيكولاس سبيكمان: 1893-1943
ينطلق سبيكمان في تحليله من أنّ مركز الدولة في إطار السياسة الدولية، لا يتوقف من الناحية الجيوبوليتيكية، على موقعها الثابت، وإنما يعتمد أيضا وإلى حد بعيد على علاقة هذا الموقع بمراكز القوى المؤثرة في السياسة الدولية، ولما كانت مراكز القوى هذه في حالة تغير لأسباب عديدة، فإن قيمة الموقع الجغرافي للدولة هو الآخر يتغير، ليس من الناحية الجغرافية، وإنما من حيث طبيعة التفاعلات السياسية، فالتفاعلات السياسية وتغير مراكز القوى الدولية تؤثر على القيمة السياسية للموقع الجغرافي.
درس سبيكمان بكل اهتمام أعمال ماكيندر تقدم بصياغته لمخطط جيوبوليتيكي أساسي يختلف عن أنموذج ماكيندر، وكانت فكرة سبيكمان الأساسية تقوم على أساس أن ماكيندر قد بالغ في تقييم الأهمية الجيواستراتيجية لHeartland (قلب العالم)، وهذه المبالغة لم تتناول فقط التموضع الحيوي للقوى على خارطة العالم، بل وتناولت المخطط التاريخي الأولي.
يرى سبيكمان أنّ إمكانية السيطرة على الجزيرة العالمية ومن ثم العالم هو أمر معكوس عما جاء في نظرية القلب لماكندر، حيث أنّ سبيكمان يعتقد أن من يحكم المناطق الساحلية التي تتماشى مع المواقع الجغرافية للهلال الخارجي (الذي جاء في نظرية ماكندر) هو الذي يستطيع السيطرة على الجزيرة العالمية؛ ومن ثمّ العالم.
لا يتمتع الهارتلاند في نظر سبيكمان بأي صفات تؤهله للقيادة "افتقاره للموارد الطبيعية والطاقوية، يقع أغلبه في مناطق متجمدة أو صحراوية، لذلك فإن منطقة الثقل الرئيسية لا تتمثل في منطقة القلب الأرضي –عند ماكيندر- وإنما تتركز فيما يسميه بمنطقة الإطار أو حافة الأرض، الريملاندRimland، وهي من وجهة نظر سبيكمان أعظم أهمية من القلب نفسه.
يحدد سبيكمان الريملاند في النطاق الساحلي الذي يشمل كل أوروبا -عدا روسيا- والجزيرة العربية بما في ذلك العراق وآسيا، والصين وشرق سيبيريا، وهو بمثابة منطقة حاجزة تفصل بين القوى المتصارعة البرية والبحرية، في زمن السلم، كما تعتبر منطقة التقاء و تصادم Crush Zoneبين القوى البحرية والبرية في زمن الحرب، ولذلك فعلى النطاق البرمائي الحاجز أن يعمل لحماية نفسه على طول الجبهتين: البرية (قلب الأرض)، والبحرية (الهلال الخارجي).
اهتم سبيكمان بهذه الحلقة الوسطى وأعطاها أهمية أكبر من قلب الأرض، ويرجع ذلك إلى أن النطاق الارتطامي يضم عددا ضخما من سكان العالم وأنه يمتاز بموارده الاقتصادية والطبيعية الغنية المتنوعة، علاوة على استخدامه لطرق بحرية داخلية.
يرى سبيكمان أنّ منطقة الإطار الأرضي أو حافة الأرض، منفتحة على قلب الأرض ومحيطة بها، الأمر الذي يمهّد، أو يمكن من السيطرة عليها من قبل قوى الإطار الأرضي، وبسبب المزايا الإستراتيجية لمنطقة الإطار، وضع سبيكمان فرضيته التي تقول:
-من يتحكم في حافة الأرض يحكم أوراسيا، ومن يحكم أوراسيا يتحكم في مصير العالم.
Who controls the rimland rules Eurasia. Who rules Eurasia controls the destinies of the World.
في الماضي حاربت دول الريملاند ضد القوى البرية وروسيا وكذلك ضد القوى البحرية (انكلترا واليابان)، ولقد اهتم سبيكمان بهذه الحلقة الوسطى وأعطاها أهمية أكبر من قلب الأرض، ويرجع ذلك إلى اعتقاده أنّ هذا النطاق الارتطامي يضم عدداً ضخماً من سكان العالم، ويحتوي على موارد اقتصادية وطبيعية متنوعة علاوة على استخدامه لطرق بحرية داخلية.
باعتبار منطقة الريملاند نقطة ارتكاز أساسية لتحقيق السيطرة العالمية، يرى سبيكمان أن القوى الراغبة في تحقيق الهيمنة العالمية تنطلق في التوسع وصولا إلى بسط سيطرتها على الريملاند، وذلك ابتداء من المواقع الأولى المقاومة للتوسع، حيث يتم احتلال منطقة ثم ابتلاعها لتكون نقطة ارتكاز نحو اندفاعية جديدة لاحتلال المزيد، ولذا يمكن القول أنّ ثمة علاقة بين حجم التوسع وسهولة حركة هذا التوسع، أي بين التوسع وضعف المقاومة، ويستمر هذا التوسع إلى أن يغطي منطقة الريملاند، وعلى الرغم من القرب والانفتاح الجغرافي للريملاند على الهارتلاند وقوى البر، وفي إطار التنافس بين القوتين البرية والبحرية، يرى سبيكمان أنّ السيطرة الكاملة على الريملاند من طرف الدول البحرية سيؤدي إلى النصر النهائي على القوى البرية التي ستكون منذ ذلك اليوم وبكاملها تحت السيطرة.
يدعو سبيكمان في نظرية الأطراف إلى بناء قوة عسكرية جبارة ذات مفعول كبير في الردع العالمي، وإلى قيام قواعد عسكرية وتحالفات دفاعية وتكتلات اقتصادية للدول التي تتعاطف مع الحضارة الغربية كدول أوربا الغربية وكندا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، وأن قيام تلك القواعد والتكتلات يجب أن يتماشى جغرافيا مع مناطق الهلال الخارجي حسب ما جاء في نظرية ماكندر، أي المناطق الساحلية لأوروبا وآسيا وشمال إفريقيا والجزر المحاذية لها، وإنّ تحالفات كهذه سوف تضرب طوقا عسكريا دفاعيا تدعمه الولايات المتحدة الامريكية، وتتواجد قواتها فيه- إن دعت الضرورة- بأنواعها المختلفة والمتطورة، كما أنّ هذه المناطق يجب أن تحظى بالتطور و التنمية الاقتصادية لتبعد تفكير سكانها عن الإغراء الذي تدعو إليه المنطقة المركزية التي هي الاتحاد السوفياتي وحلفاؤها، وإذا ما تمت هاتان المرحلتان: القوة العسكرية الرادعة مع القواعد العسكرية والتطور الاقتصادي لمنطقة الهلال الخارجي، عندئذ يتم تحييد قوة المنطقة المركزية وإيقاف توسعها.