Section outline

  •  نظرية الالتزام

    تعد نظرية الالتزام بمثابة العمود الفقري للقانون المدني ، وهو الأمر الذي أعطاها أهمية بالغة  سواء في الفقه القانوني أو في الحياة العملية ، وذلك لعلاقتها الوطيدة بالجانب المالي للأفراد حيث نجدهم في تطبيق دائم لها وتعامل مستمر معها.  فالفرد عندما يبيع ويشتري أو يؤجر أو يستأجر. أو يعوض الضرر الناجم عن فعله الضار لا يغدو إلا أن يدور في فلك هذه النظرية . ولكن قبل نبدأ في السباحة في هذا الفلك الواسع لابد أن نعود قليلا إلى الوراء وبالضبط إلى الحديث على أنواع الحقوق لأنها البوابة الرئيسية لدخول هذه النظرية .

     حيث سبق وأن قسمنا الحقوق إلى نوعين رئيسيين:

    1- حقوق غير مالية: وهي الحقوق اللصيقة بالشخصي     (droit de la personnalite  ) ، وحقوق الأسرة (droit de la famille  ). ومثال الأولى  الحقوق  السياسية وهي التي تخول للشخص المساهمة في إدارة شؤون بلاده .وهي في الأصل حقوق قاصرة على الوطنيين دون الأجانب ، كحق الترشح والانتخاب .إضافة إلى ذلك حق الفرد في التعبير وحرية الرأي . أما الثانية فتتمثل في الحقوق التي تثبت للشخص باعتباره عضو في أسرة معينة بسبب الزواج أو النسب وهي تقترن بتكاليف معينة كقوامة الزوج على الزوجة وحق النفقة وولاية الأب عن أبنائه الصغار وحقهم في الإنفاق  وحقهم في الإرث1....الخ وهذه الحقوق لا يمكن تقييمها بمال ولا تداولها ولا نقل ملكيتها بالبيع والشراء كما هو الأمر بالنسبة للحقوق المالية .

    2- حقوق مالية : وهي التي يقوم موضوعها بالنقود ( droit patrimoniaux )

    وتعد قوام المعاملات المالية وهي مقسمة بدورها إلى قسمين.

    القسم الأول : حقوق مطلقة وتشمل الحقوق العينية1 أصلية2 و تبعية 3من جهة والحقوق الذهنية كحق المؤلف  وبراءة الاختراع من جهة أخرى.

     القسم الثاني: حقوق نسبية وتتمثل في الحقوق الشخصية أو ما يعرف بالالتزام أو الموجب أو حق الدائنية[1]. وهو موضوع دراستنا .

    المطلب الأول:تعريف الالتزام    

    لقد أورد الفقه القانوني عدة تعاريف للالتزام ، نذكر منها مايلي:

    1- عرفه الأستاذ محمد حسنين بما يلي  :

    ًهو علاقة قانونية بين شخصين بمقتضاها يحق لأحدهما أن يلزم الأخر بأن يؤدي له عملا أو أن يمتنع لصالحه عن أداء عمل5  ً.وما يؤخذ على هذا التعريف أن الالتزام ليس هو العلاقة بل هو السلطة التي يمنحها القانون بمقتضى هذه  العلاقة لشخص يسمى الدائن قبل آخر يسمى المدين تمكنه من إلزامه بأداء عمل أو الامتناع عنه، تحقيقا لمصلحة مشروعة للدائن .

    أما الأستاذ عبد الرزاق السنهوري فقد عرفه :بأنه حالة قانونية يرتبط بمقتضاها شخص معين بنقل حق عيني أو بالقيام بعمل أو بالامتناع عن عمل1 .

     كما أن الأستاذ سليمان مرقس أيضا أخذ بوصف الحالة وعرف الالتزام كما يلي  :

    ً هو حالة قانونية يوجد فيها شخص معين توجب عليه أن ينقل حقا عينيا أو أن يقوم بعمل أو يمتنع عن عملً 2 .

    وما يعاب على هذين التعريفين أن وصف الحالة هو وصف عام يطلق على جميع أوصاف القانون ، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليه في تحديد طبيعة الالتزام وفهم مضمونه .

     أما الأستاذ علي فيلالي فقد عرفه بما يلي: هو علاقة قانونية ذات قيمة مالية إذا نظر إليها من جانب المدين أي في شقها السلبي تعد التزام و إذا نظرنا إليها في شقها الإيجابي  أي من جانب الدائن في عبارة عن حق3  ً.

    المطلب الثاني :مصادر الالتزام 

    يقصد بمصدر الالتزام تلك الأسباب القانونية التي تؤدي إلى نشوئه ، وبتعبير آخر مصدر الالتزام عبارة عن واقعة يرتب القانون عليها أثرا معينا هو نشوء الالتزام .

    فعقد البيع مثلا يرتب في ذمة البائع و المشتري التزامات معينة تتمثل في تسليم الشيء المبيع وتسلم الثمن من قبل البائع وتسلم الشيء المبيع ودفع الثمن من قبل المشتري .

    و إتلاف ملك الغير يرتب في جانب المتسبب التزام بتعويض الضرر الذي تسبب فيه للغير  .

    و تعتبر الواقعة المنشئة للالتزام من الوقائع القانونية بمعنى عام لأنها ترتب آثار قانونية خلافا للوقائع الأخرى التي لا يرتب عليها القانون أثارا بل هي مجرد وقائع مادية كالأكل و الشرب و السير و التنفس .... الخ . و عليه فإن الوقائع القانونية التي يرتب عليها القانون أثرا تحدث إما بفعل الطبيعة و إما بفعل الإنسان سواء كانت إرادته تتجه إلى إنشاء الالتزام أم لا  .

    المطلب الأول: الوقائع الطبيعية

       وهي وقائع لا دخل للإنسان في حدوثها مثال ذلك، نضج الثمار يترتب عليه التزام المستأجر بجمعها و انتهاء عقد الإيجار . الوفاة يترتب عليها حق الإرث و الالتزام بدفع تعويض من قبل شركات التأمين لأهل المتوفى إذا كان مؤمنا على حياته . و جميع هذه الالتزامات مصدرها المباشر هو القانون .

    المطلب الثاني  : الوقائع الناتجة عن فعل الإنسان

    وهي نوعان : أعمال مادية و تصرفات قانونية .

    أولا : الأعمال الماديـــــــة

     و تنقسم بدورها إلى قسمين :

    القسم الأول : أعمال مادية لا تتجه فيها الإرادة إلى إحداث أثر قانوني . وهنا تنسب الآثار للفعل لا للإرادة . لأن الفاعل لا يرغب في إنشاء الالتزام . كأن يقوم شخص بضرب آخر فيكون قد أقدم على هذا الفعل بمحض إرادته إلا أنه لم يقصد و لا يرغب في الالتزام بتعويض الضرر الذي تسبب فيه  وهنا نكون أما الفعل الضار كمصدر من مصادر الالتزام  .

    و قد يحدث العكس فيقوم الإنسان بفعل نافع  لم يكن يرغب من خلاله إلى إنشاء التزام في ذمة الغير إلا أن الالتزام ينشأ بفعل العمل المادي الذي قام به وليس بما كانت تتجه إليه إرادته ، و هنا نكون أمام فضالة أو دفع غير مستحق أو إثراء بلا سبب .  

    القسم الثاني : أعمال مادية تتجه فيها الإدارة إلى إحداث أثرها القانوني . كالاستيلاء على الشيء و كالبناء على أرض الغير فإنه يترتب على الأول تملك الشيء المباح و الثانية تملك صاحب الأرض للبناء

    ثانيا : التصرفات القانونية .

    وهو اتجاه الإدارة نحو إحداث أثر قانوني يتم بمجرد اتجاهها إليه دون اقتران هذا الاتجاه بأي عمل مادي . و هنا يريد الشخص تحمل الالتزام بمحض إرادته نحو شخص كان . وتنقسم التصرفات القانونية إلى قسمين :

    القسم الأول : العمل أو التصرف القانوني من جانب واحد أو الالتزام بإرادة منفردة و هو الالتزام الذي ينشأ بإرادة المدين فقط كالوصية و الوعد بجائزة .

    القسم الثاني : العقد و هو تصرف قانوني ينشأ عن إرادتين أو أكثر لأشخاص لهم مصالح متضاربة . 

    ومن هذا المنطلق قام المشرع الجزائري في حصر مصادر الالتزام في خمس هي

    1/ العقد

    2/ شبه العقد

    3/ الفعل الضار

    4/ الإرادة المنفردة

    5 / القانون

    ملاحظة :

    بمناسبة التعديل الاخير للقانون المدني الفرنسي الصادر في 10 فيفري 2016 ، غير المشرع الفرنسي تسمية الكتاب الثالث من القانون المدني وتحولت تسميته من " العقود أو الالتزامات الاتفاقية بصفة عامة " إلى مصادر الالتزامات. " وأضاف مصدرا جديدا ولأول مرة وهو الاراد المنفردة من خلال نص المادة 1101 مكرر 01 . كما كرس التعديل التمييز التقليدي المشار اليه سلفا والذي يميز بين التصرفات القانونية والوقائع القانونية. وذلك من خلال نص المادتين 1100 مكرر 01 و1100 مكرر02.



    1 -  د سليمان بوذياب  ، مبادئ القانون المدني ، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع ، ص 46 .

    1 –  الحق العيني هو سلطة يخولها القانون لشخص معين على شيء معين كحق الملكية .

    2 – الحق العيني الأصلي هو الحق الذي يقوم بذاته ولا يستند في وجوده إلى حق آخر .

    3 – الحق العيني التبعي هو الذي يستند  في وجوده على حق شخصي يكون تابعا له والغاية منه هي ضمان الوفاء به .

    4-  راجع محمد حسنين . نظرية الحق بوجه عام ، ص 37 .

    - يمكن تقسيم الحقوق بشكل عام إلى حقوق سياسية وحقوق مدنية وتنقسم الحقوق المدنية إلى حقوق عامة وحقوق خاصة وتنقسم الحقوق الخاصة إلى حقوق أسرة  وحقوق مالية .كما تنقسم الحقوق المالية إلى حقوق معنوية وحقوق شخصية وحقوق ذهنية .راجع في ذلك د سليمان بوذياب .مبادئ القانون المدني .دراسة نظري وتطبيقات عملية .المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع . ص 45 .

    5 – راجع محمد حسنين المرجع السابق ، ص36 .

    1 راجع الأستاذ عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط ، الجزء الأول ، ص 125.

    2 -  راجع الأستاذ سليمان مرقس ، الوافي في شرح القانون المدني ، ص 21  .

    3 راجع الأستاذ علي فيلالي .الالتزامات النظرية العامة للعقد ،الطبعة الأولى ،سنة 1997، مطبعة الكاهنة، ص 07.