Section outline
-
الفصل الثاني : تنفيذ الالتزام
تمهيد
أن الهدف الرئيس من نشأة الالتزام هو تنفيذ، ويكون ذلك إما طواعية وبرضي المدين ومن تلقاء نفسه، أو بإجباره عن طريق السلطة العامة في الحالة التي يتخلف فيها أو يرفض تنفيذ ما التزم به.
والأصل في تنفيذ الالتزام أن يكون عينا ، غير أنه إذا استحال التنفيذ العيني جاز التنفيذ بطريق التعويض، من خلال الاكتفاء بمقابل نقدي من شأنه أن يكون بديلا عن الالتزام الأصلي.
وسنتطرق ضمن هذا الجزء إلى أنواع التنفيذ التي تطرق لها القانون المدني ضمن نصوصه والمتمثلة في التنفيذ العيني والتنفيذ بمقابل (التنفيذ بطريق التعويض):
المبحث الأول : التنفيذ العيني
تناول القانون المدني الجزائري فكرة التنفيذ العيني من خلال نص المادة 164 منه ، والتي تنص على مايلي: " يجبر المدين وبعد إعذاره طبقا للمادتين 180، 181 على تنفيذ التزاماته تنفيذا عينيا متى كان ذلك مممكنا "
ومن خلال نص هذه المادة يتبين لنا أن التنفيذ العيني للالتزام هو الأصل طالما كان هذا الأخير ممكنا، والتنفيذ العيني يقصد به أن يوفي المدين بعين ما التزم به ، وبالشروط المتفق عليها أثناء نشأة الالتزام[1] فإن لم يفعل كان للدائن حق إجبار المدين عليه طالما كان في إمكان المدين القدرة على القيام به[2].أما في حالة الاستحالة ( مطلقة أو نسبية بأن يصبح مرهقا ) لا يكون للدائن إلا الحق في المطالبة بالتعويض كما سنأتي إلى ذكره لاحقا من خلال المبحث الثاني .
المطلب الأول : شروط التنفيذ العيني .
لقد حددت المادة 164 من القانون المدني الشروط الواجب توفرها من أجل التمسك بالتنفيذ العيني ، وهذه الشروط تتمثل فيما يلي:
الفرع الأول: شرط أن يكون التنفيذ العيني ممكنا
شرط امكانية التنفيذ أول الشروط التي يقتضيها التنفيذ العيني لأنه في الحالة التي يصبح فيها التنفيذ العيني للالتزام مستحيلا، فإنه لا بديل عن التوجه نحوالتنفيذ بطريق التعويض.
وأن أسباب استحالة التنفيذ متعددة ، فقد ترجع إلى فعل المدين ذاته، أو إلى سبب أجنبي لا يد له فيه، فإذا استحال التنفيذ بخطأ من المدين لم يكن هناك مفر من الحكم بالتنفيذ عن طريق التعويض، ومثال عن استحالة التنفيذ العيني بخطأ المدين ، الحالة التي يتعهد فيها محام باستئناف حكم معين، ثم بعد ذلك يتهاون ويتراخى عن كتابة عريضة الاستئناف ، الأمر يترتب عنه انقضاء الميعاد القانوني للاستئناف.
أما إذا اثبت المدين أن الاستحالة ترجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه، فإن الالتزام ينقضي، دون أن يكون المدين ملتزما بالتعويض كما في حالة هلاك الشيء المبيع بقوة قاهرة قبل تسليمه للمشتري. حيث تنص المادة 369 من القانون المدني على ما يلي :
" إذا هلك المبيع قبل تسليمه بسبب لا يد للبائع فيه سقط البيع واسترد المشتري الثمن إلا إذا وقع الهلاك بعد إعذار المشتري بتسليم الشيء المبيع ".
وعليه فإن انقضاء التزام البائع بتسليم الشيء المبيع سيؤدي حتما إلى انقضاء الالتزام المقابل والمتمثل في دفع المشتري للثمن.
والتنفيذ العيني يكون ممكنا بصفة دائمة في الحالة التي يكون فيها محل الالتزام عبارة عن مبلغ من النقود حتى ولو تبين أن المدين غير قادر على دفع المبلغ وقت المطالبة به، أما إذا كان محل الالتزام نقل ملكية شيء أو إنشاء حق عيني ، فإن هلاك الشيء أو انتقال ملكيته إلى شخص آخر يجعل من تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا مستحيلا.
أما إذا كان التنفيذ العيني متعلق بالتزام محله القيام بعمل فإن فوات وقت التنفيذ يدخلنا في دائرة الاستحالة أو في حكمها كما هو الشأن في امتناع فنان على إحياء حفل معين. وفيما يخص الالتزام الذي محله الامتناع عن عمل فإن التنفيذ العيني يصبح مستحيلا إذا قام الملتزم بالإقدام على القيام بالعمل الممنوع القيام به.
الفرع الثاني :شرط مطالبة الدائن به أو أن يتقدم به المدين ( عرض وفاء )
عملا بالقاعدة العامة التي تقول أن الدين مطلوب وليس محمول، فإنه على الدائن أن يسعى لتحصيل دينه من خلال مطالبة المدين بتنفيذ ما التزم به، وعلى المدين أن يوفي بذلك طالما أن التنفيذ ممكنا، وليس للمدين أن يتهرب بدفع التعويض . وللدائن في هذه الحالة الحق في إجبار المدين على الوفاء بالتزامه بكل الطرق التي يسمح بها القانون.
وإذا ما تقدم المدين بالتنفيذ العيني فليس للدائن أن يرفض ذلك، ويطالب بالتعويض بدلا عنه، ويترتب على ذلك أن المدين تبرأ ذمته إذا قام به سواء قبله الدائن أو لم يقبله.
أما الحالة التي لم يطالب فيها الدائن بالتنفيذ العيني ومر مباشرة لطلب التعويض، فإنه في هذه الحالة إذا لم يعارض المدين ولم يقدم التنفيذ العيني، كبديل عن التعويض، فإن القاضي يحكم به ويعد ذلك بمثابة تنازل ضمني من المدين عن التمسك بحقه في التنفيذ العيني.
الفرع الثالث: شرط الإعذار
هذا الشرط يحمل في طياته حسن نية الدائن وعدم تعسفه، وتقديم فرصة للمدين للتنفيذ الاختياري للالتزام.
أولا: معنى الاعذار وأسباب اللجوء إليه .
لقد تم تناول هذا الشرط صراحة ضمن نص المادة 164 من القانون المدني، ويقصد بالاعذار تسجيل تأخر المدين وإعلامه بذلك أو بتعبير آخر وضع المدين موضع المتأخر في تنفيذ الالتزام ، وهو أيضا دعوة المدين رسميا إلى الوفاء بالتزامه اختيارا ، ويكون ذلك بطريق الانذار أو بما يقوم مقامه[3]، والانذار ورقة رسمية من أوراق المحضرين تعلن إلى المدين على يد محضر وفقا للقواعد التي تضمنتها القانونين التي تنظم مهمنة المحضر القضائي وقانون الإجراءات المدنية والإدارية .
والحكمة من وضع شرط الإعذار في التنفيذ العيني، تعود بالدرجة الأولى
إلى إعمال الجانب الأخلاقي في المعاملات التي تتم مابين الأفراد ، وتذكير المدين بالتزامه وتجنيبه ما قد ينجر عن التنفيذ الجبري وما يتضمنه من وسائل قهرية، تجبره على التنفيذ.زيادة على ما سبق فاللجوء إلى الإعذار يتضمن سببا قانونيا، حيث يستفاد من عدم إعذار المدين ، بأن الدائن قد رضي أن يمتد أجل الوفاء بالالتزام، ومن ثم يكون الدائن في حاجة إلى نفي هذا الافتراض ولا يكون أمامه إلا الإعذار .
وإعذار المدين يكون بإنذاره ، والإنذار يكون عن طريق البريد وفقا لنص المادة 180 من القانون المدني ، وان كانت المادة لم تحدد نوع البريد إن كان عادي أو مضمون الوصول فإنه في الغالب يتم الاعذار عن طريق البريد مضمون الوصول. وقد يختار الدائن طريقا آخر بتبليغه عن طريق محضر قضائي بواسطة ورقة رسمية، يبدي فيها الدائن لمدينه رغبته في استيفاء حقه.
والمشرع في نص المادة 180 من القانون المدني تحدث عن الاعذار أو ما يقوم مقامه ، وما يقوم مقام الاعذار هي المطالبة القضائية وهو أمر تناولته المحكمة العليا وجاء ذلك في الملف رقم 426202 المؤرخ في 18/06/2008 ، بخصوص تطبيق نص المادة 180 من القانون المدني حيث جاء فيه مايلي:" المبدأ: يتحدد تاريخ بداية قيام مسؤولية الطاعن عن رد الثمار أو مسؤوليته عن الاستغلال غير المشروع بثبوت سوء النية عن طريق الاعذار أو المطالبة القضائية"
وتجدر الاشارة إلى أن هناك حالات لا يحتاج فيها الدائن لإعذار مدينه .
فيمكن أن يعفى الدائن من توجيه الإعذار إذا اتفق الطرفان على أن مجرد حلول الأجل يحول دون الحاجة إلى القيام بأي إجراء آخر ، وقد نص القانون المدني على هذه الحالة ضمن نص المادة 180 منه .
وإن لم يكن هناك اتفاق مسبق فإنه لا مفر من تجنب الإعذار، وذلك باللجوء إلى مانصت عليه المادة 181 والتي حددت هذه الحالات فيما يلي:
1- إذا تعذر تنفيذ الالتزام أو أصبح غير مجد بفعل المدين.
وهنا نجد أن القصد الذي ابتغاه المشرع من الاعذار والذي هو التنفيذ أصبح مستحيلا ، وبالتالي اللجوء إلى الاعذار أصبح من قبيل التضييع للوقت.
2- إذا كان محل الالتزام تعويضا ترتب عنه عمل مضر.
وهذه الحالة المقصود بها الالتزام بالتعويض الناجم عن المسؤولية المدنية أو الفعل الضار، وهو التزام غير تعاقدي وبالتالي من غير المتصور أن نتحدث فيه عن الاعذار، على اعتبار أن هذا النوع من الالتزامات يسأل فيه المدين مباشرة بعد نشوئه .
3- إذا كان محل الالتزام رد شيء يعلم المدين أنه مسروق، أو شيء تسلمه دون حق وهو عالم بذلك.
والملاحظ أن هذه الحالة لها نفس حكم الحالة الثانية باعتبار الالتزام فيها مصدره غير تعاقدي.
4- إذا صرح المدين كتابة أنه لا ينوي تنفيذ التزامه.
والكتابة إذا كانت صحيحة تعتبر بمثابة دليل كاف على سوء نية المدين وإصراره على عدم التنفيذ ، وبالتالي لا فائدة من الاعذار .
الفرع الرابع : شرط ألا يكون التنفيذ العيني تنفيذا مرهقا للمدين.
وهذا شرط لم يتناوله المشرع الجزائري، واكتفى بالقول أن يكون ممكنا حسب نص المادة 164 من القانون المدني، والالتزام الممكن قد يتم تنفيذه بسهولة وقد يكون تنفيذه مرهقا.
وإعفاء المدين من تنفيذ الالتزام المرهق أمر تقتضيه قواعد العدالة ( الفرق بين العدل والعدالة) ، وكذا أحكام نظرية التعسف في استعمال الحق . وهما بطبيعة الحال أمران لا يتعارضان على الإطلاق مع أحكام التشريع الجزائري .
فبخصوص التعسف في استعمال الحق والمنصوص عليه في المادة 124 مكرر ، يمكن إدراج المطالبة بتنفيذ الالتزام المرهق ضمن الفقرة المتعلقة بالحصول على فائدة قليلة بالنسبة إلى الضرر الناشئ للغير .
وعليه من العادلة أن يكون هناك توازن بين مصلحة الدائن ومصلحة المدين، وعدم تغليب أحدهما على الأخرى. وبالتالي من المستحسن أن نجعل من التعويض النقدي في هذه الحالة بديلا.
والقول بأن الالتزام مرهق أمر نسبي ، يختلف بحسب الأشخاص وبحسب الظروف ، وللقاضي واسع النظر وكامل السلطة التقديرية في القول به ، وإحلال التعويض النقدي بدل التعويض العيني . ومثال عن ذلك شخص تجاوز في عملية البناء المسموح به ودخل في ملكية جاره ، أو مس حقا من حقوق الارتفاق التي تخص جاره ضيق في الممر أو أثر على المطل بالزيادة في عدد الطوابق إلى حد يجاوز المسموح به، وبالتالي فإن هدم البناء وجعله مطابقا للحالة المسموح بها سيترتب عنه ضررا كبير للدائن ، وبالتالي فهو أمر مرهق ويجوز للقاضي في هذه الحالة إعمال التعويض النقدي بدل عن التعويض العيني، حسب نص المادة 870 من القانون المدني في فقرتها الثانية.
[1] - أحمد شرف الدين ، الوجيز في أحكام الالتزام ، محاضرات مطبوعة ، ملقاة على طلبة الحقوق بجامعة عين شمس، من دون ذكر سنة الطبع ، ص 09 .
[2] - مع العلم أن الوفاء الجبري يقابله الوفاء الاختياري، وكل واحد منهما له أحكام مستقلة خاصة به، فالتنفيذ الجبري تناوله المشرع في الباب المتعلق باثار الالتزام أما التنفيذ الاختياري (الوفاء ) فتناوله المشرع في باب انقضاء الالتزام.
[3] - أحمد شرف الدين المرجع السابق ، ص 13