Section outline
-
-
المحاضرة رقم 11: عمليات إصدار الصكوك الاسلامية
تتضمن عمليات إصدار وتداول الصكوك إجراءات فنية وضوابط شرعية تبدأ منذ الإعلان عن الاكتتاب فيها، ثم ترافق عمليات التداول من البيع والشراء والرهن والإجارة، وتستمر حتى إطفاء الصكوك وانتهاء أجلها.
وهذه الضوابط والإجراءات لابد من القيام بها لضمان عدم انحراف الصكوك في أي مرحلة من مراحلها عن الشيء الذي وجدت من أجله، وحتى تحقق الفوائد الاقتصادية المرجوة منها.
1- إصدار الصكوك:
تشتمل عملية إصدار الصكوك على خطوات أولية مختلفة يطلق عليها "تنظيم الإصدار" أو "ترتيب الإصدار"، وهذه الخطوات لا تتم بتسلسل موحد، فقد تتقدم خطوة على أخرى دون أن ينشأ عن ذلك خلل، وقد تتم جميع الخطوات أو يقتصر على بعضها، وأحياناً توجد بدائل متعددة لاختيار أحدها، ولكن الوضع الطبيعي أن تقع على النحو التالي:
أولاً-إعداد التصور والهيكل التنظيمي: الذي يمثل آلية الاستثمار بواسطة الصكوك ودراسة المسائل القانونية والإجرائية والتنظيمية ودراسة الجدوى، وتضمين ذلك كله في نشرة الإصدار، مع وضع النظام أو اللائحة والاتفاقيات التي تحدد حقوق وصلاحيات وواجبات الجهات المختلفة ذات الصلة.
ومن الأهمية حسن اختيار تلك الجهات لإيجاد عوامل الثقة والطمأنينة لدى المكتتبين، وهذه الخطوة تتم إما من طرف الممولين - بعض البنوك- أو من طرف المستفيد من التمويل - الشركات المحتاجة للتمويل-.
ثانياً-تمثيل حملة الصكوك (المستثمرين): من خلال تأسيس شركة ذات أغراض خاصة تسجل في مناطق ذات إعفاء ضريبي، وتكون ذات شخصية مستقلة بالرغم من أنها مملوكة بالكامل للمستثمرين؛ وذلك لتمثلهم في إيجاد العلاقات بالجهات المختلفة، وتقوم هذه الشركة بشراء الموجودات التي ستغطي الوحدات المصدرة.
وبذلك تحقق شرط انفصال الذمة المالية للمصكك الأصلي عن الجهة المصدرة للصكوك، وذلك لتحسين الجدارة الائتمانية للصكوك المصدرة.
ثالثاً-طرح الصكوك للاكتتاب: بهدف جمع الأموال التي ستمول بها الموجودات الممثلة بالصكوك.
رابعاً-تسويق الصكوك: وهو إما أن يتم بالطرح مباشرة إلى الجمهور، وإما أن يتم ببيع الصكوك التي تمثل موجودات الأعيان أو المنافع إلى المستثمر الأول الذي يكون بنكا أو مجموعة بنوك؛ وذلك للقيام بتسويقها وبيعها إلى حاملي الصكوك.
خامساً:التعهد بتغطية الاكتتاب: تسعى الجهة المصدرة للصكوك إلى تأمين تغطية كاملة للإصدار من قبل مؤسسة مالية أخرى مستعدة لذلك التعهد الذي يتطلب منها توفير السيولة، وتستهدف منه الحصول على نصيب من الربح؛ حيث يباع لها بسعر أقل من القيمة الاسمية لتحقيق ربح للجهة المتعهدة بالتغطية، وبعد التملك من تلك الجهة تقوم بتوكيل الجهة المنشئة للإصدار بالبيع والتسويق.
2- بيع وشراء الصكوك:
بما أن الصك يمثل حصة شائعة في موجودات الإصدار تستمر طيلة مدة الصك، فيحق لحامله التصرف فيه بالبيع بالقيمة المتراضي عليها بينه وبين المشتري سواء كانت مماثلة للقيمة الاسمية أو السوقية أو أكثر منها أو أقل، ولكن بالشروط والضوابط التالية:
أولاً:يجوز تداول الصكوك واستردادها إذا كانت تمثل حصة شائعة في ملكية الموجودات من أعيان أو منافع أو خدمات، بعد قفل باب الاكتتاب وتخصيص الصكوك وبدء النشاط، أما قبل بدء النشاط فتراعى الضوابط الشرعية لعقد الصرف - التقابض والتماثل عند اتحاد الجنس، والتقابض عند اختلاف جنس المتبادلين-، كما تراعى أحكام الديون إذا تمت التصفية وكانت الموجودات ديوناً، أو تم بيع ما تمثله الصكوك بثمن مؤجل.
ثانياً:يجوز تداول صكوك ملكية الموجودات المؤجرة أو الموعود باستئجارها منذ لحظة إصدارها بعد تملك حملة الصكوك للموجودات وحتى نهاية أجلها.
ثالثاً: يجوز تداول صكوك ملكية منافع الأعيان –الموجودات- المعينة قبل إعادة إجارة تلك الأعيان، فإذا أعيدت الإجارة كان الصك ممثلا للأجرة، وهي دين في ذمة المستأجر الثاني، فيخضع التداول حينئذ لأحكام وضوابط التصرف في الديون.
رابعاً:لا يجوز تداول صكوك ملكية منافع الأعيان الموصوفة في الذمة قبل تعيين العين التي تستوفى منها المنفعة إلا بمراعاة ضوابط التصرف في الديون، فإذا تعينت جاز تداول الصكوك.
خامساً:يجوز تداول صكوك ملكية الخدمات التي تستوفى من طرف معين قبل إعادة إجارة تلك الخدمات، فإذا أعيدت الإجارة كان الصك ممثلا للأجرة، وهي حينئذ دين في ذمة المستأجر الثاني فيخضع التداول حينئذ لأحكام وضوابط التصرف في الديون.
سادساً:لا يجوز تداول صكوك ملكية الخدمات التي تستوفي من طرف موصوف في الذمة قبل تعيين الطرف الذي تستوفي منه الخدمة إلا بمراعاة ضوابط التصرف في الديون، فإذا تعين الطرف جاز تداول الصكوك.
سابعاً:يجوز تداول أو استرداد صكوك الاستصناع إذا تحولت النقود إلى أعيان مملوكة لحملة الصكوك في مدة الاستصناع، أما إذا دفعت حصيلة الصكوك ثمنا في استصناع مواز أو تم تسليم العين المصنعة للمستصنع فإن تداولها يخضع لأحكام التصرف في الديون.
ثامناً:لا يجوز تداول صكوك السلم.
تاسعاً:لا يجوز تداول صكوك المرابحة بعد تسليم بضاعة المرابحة للمشتري، أما بعد شراء البضاعة وقبل بيعها للمشتري فيجوز التداول.
عاشراً:يجوز تداول صكوك المشاركة وصكوك المضاربة وصكوك الوكالة بالاستثمار بعد قفل باب الاكتتاب وتخصيص الصكوك وبدء النشاط في الأعيان والمنافع.
الحادي عشر:يجوز تداول صكوك المزارعة والمساقاة بعد قفل باب الاكتتاب وتخصيص الصكوك وبدء النشاط إذا كان حملة الصكوك مالكي الأرض، أما إذا كانوا الملتزمين بالعمل -الزراعة أو السقي- فلا يجوز تداول الصكوك إلا إذا كان التداول بعد بدو صلاح الزرع أو الثمر.
الثاني عشر:يجوز تداول صكوك المغارسة بعد قفل باب الاكتتاب وتخصيص الصكوك وبدء النشاط سواء كان حملة الصكوك مالكي الأرض أم الملتزمين بالغرس.
3- إجارة الصكوك: لا يجوز إجارة الصكوك سواء أكانت تمثل سلعا أو منافعًا أو أعيانًا.
4- رهن الصكوك: والرهن هو: حبس الشيء بحق يمكن استيفاؤه كلا أو بعضا. لذلك هو أداة من أدوات توثيق الدين، وقد شرع الإسلام الرهن لضمان حق الدائن، قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[البقرة: 283].
وروت السيدة عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما ورهنه درعه".
وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، ومن ذلك الصكوك؛ فطالما جاز بيعها جاز رهنها. لكن إساءة استخدام الرهن يفضي إلى الربا المحرم، من أجل ذلك اشترط الشرع عدة شروط في الرهن هي:
أولاً:لا يحق للمرتهن أن يستفيد من الرهن وهو في حيازته بشيء منه بوجه من الوجوه وإن أذن له الراهن؛ لأنه أذن له في الربا؛ لأنه يستوفى دينه كاملاً فتبقى له المنفعة فضلا –زيادة- فيكون ربا، فلو استقرض مالا وسلمه داره ليسكنها فهو بمنـزلة الإجارة الفاسدة إن استعملها فعليه أجر مثله ولا يكون رهنا.
ثانياً: إذا هلك الرهن في يد المرتهن فينظر إلى قيمته يوم القبض وإلى الدين، فإن كانت قيمته مثل الدين سقط الدين بهلاكه، وإلا سقط من الدين بقدره.
ثالثاً:يفك حبس الرهن بقضاء كامل الدين، ولا يكلف من قضى بعض دينه أو أبرأ بعضه تسليم بعض رهنه حتى يقبض البقية من الدين أو يبرئها اعتبارا بحبس المبيع.
رابعاً: يجوز للراهن الانتفاع بالمرهون بإذن المرتهن، ولا يجوز للمرتهن الانتفاع بالمرهون بدون عوض مطلقاً بإذن الراهن أو بغير إذنه ويجوز بأجر المثل إذا كان بإذن الراهن.
5- إطفاء الصكوك إن إطفاء الصكوك الاسلامية فهو استرداد لمال المضاربة من قبل رب المال في صكوك المقارضة، أو استرداد للمال الداخل في المشروع من قبل المصدر الذي يكون بمثابة الوكيل، أو الشريك في مختلف صكوك الاستثمار.
وهذا الاسترداد يتم بإحدى الطرق التالية:
أولاً:تصفية المشروع وتنضيضه حقيقة - بيعه وتحويله إلى نقد وسيولة-، حيث يأخذ صاحب كل صك حقه ونصيبه من الأموال المتوافرة إن ربحا فربح، وإن خسارة فخسارة على الجميع بقدر رؤوس الأموال.
ثانياً:التنضيض الحكمي، أي تقويم المشروع تقويما عادلا من لدن الخبراء، ثم توزيع الناتج المقدر على حملة الصكوك كل حسب حصته.
ثالثاً: تمليك الموجودات بالهبة أو بثمن رمزي، أو بالقيمة المتبقية في صورة صكوك الإجارة التي تنتهي بالتمليك.
وهذا الإطفاء إما أن يكون كليا مرة واحدة في نهاية الإصدار، أو جزئياً بالتدريج خلال سنوات الإصدار.
-