Section outline

  • المطلب الثاني : تعريف الضبط الاقتصادي

    اولا- المعنى اللغوي و الاصطلاحي للضبط الاقتصادي

    حسب بعض الباحثين مصطلح الضبط استخدم في الميدان القانوني الاقتصادي أول ما استخدم في الولايات المتحدة الأمريكية أي ان له منشا انجلوسكسوني...

    و يقصد بالضبط في اللغة الإنجليزية معنيين الأول : رقابة أو محافظة على سرعة متحرك ما و الثاني الرقابة عن طريق مجموعة من القواعد. و من هنا يمكن استنتاج أن الضبط هو عمل رقابي مساري (  يساسر السوق و يراقبها ) و ذلك عن طريق مجموعة من القواعد.

     و عليه يمكن القول أن الضبط الاقتصادي هو جملة القواعد التي تحكم المسار الاقتصادي أو تراقب السوق و هو ناتج عن تراجع  دور الدولة المتدخلة  أو حسب بعض الفقهاء الاخرين تشكل دور الدولة في شكل جديد. و قد صرح أحد الكتاب "أن الضبط ليس إنكار الدولة في العمل الجديد في المجال الاقتصادي و لكن هو طريقة أخرى لتحرك الدولة بفلسفة اجتماعية جديدة..."

    في الوقت الذي أصبح قانون الدولة ليس احتكار ضبط العلاقات السوسيو-إقتصادية فاعلون آخرون تدخلوا لأجل شغل الفضاءات المتروكة من طرف القاعدة القانونية الصادرة عن الدولة.

    ثانيا-هجر التنظيم لصالح الضبط

        ترك الدولة للتنظيم (تشريعي فرعي) في المجال الاقتصادي لا يعني هجر القانون في ذات المجال ، حيث انه في الوقت الذي يتم فيه ترك التنظيم نقوم بالضبط (الذي سيقوم مقام القانون...) .

    غير أنه جدير بالذكر ان مصطلح الضبط و مصطلح التنظيم لهما نفس المعنى تقريبا عند الإنجليز. فالضبط لدى عائلة القانون الأنجلوساكسوني كثير الاستخدام و يعني أن القانون لا يكون مصدره الدولة  فقط و إنما لقسم كبير منه صادر عن المجتمع المدني.  و هذا أمر جديد بالنسبة لقانونيي الفئة اللاتينية الجرمانية (بلاد التقنين codification) .و لهذا  السبب لم يكن مصطلح الضبط مرغوبا من طرف القانونيين الكلاسيكين لهذه العائلة، غير أنهم اضطروا اضطرارا لاستخدامه لما كثر استخدامه في الفقه القانوني المتجدد، كما أن المشرع الفرنسي كرس المصطلح بشكل مثالي من خلال قانون الضبط الاقتصادي الجديد الصادر بتاريخ 15/05/2001 .

    أشار الفقيه Champaud " " في مقاله "الضبط و القانون الاقتصادي" الصادر في المجلة الدولية للقانون الاقتصادي 2002/01  الى ان "الضبط هو تصور جديد لصناعة القانون او مسار معكوس "لصناعة القواعد". فالضبط مرتبط بـ " إرادة فسح المجال للمتعاملين الاقتصاديين و المجتمع المدني للمساهمة في مسار صناعة القواعد " و بذلك نكون امام "الشكل الجديد للتدخل العمومي في اقتصاد السوق- لضمان قرب أكبر للحياة الاقتصادية-  يكون تبادلي قانوني مرئي متصور تعددي و احترافي"  و هذا ما صرح به  القانوني " Cohen Tanugi  Laurent  "   في مقاله "الضبط أحادي أو تعدادي؟ " في مجلة les Petites Affiches  الصادرة في 10/07/1998 .

     من خلال مظاهر و مجالات متعددة ظهر فيها قانون الضبط الاقتصادي متجاوزا  تقسيم القانون لعام و خاص.  و في قطاعات بعينها يسعى للحفاظ فيها على حرية المنافسة و التعددية و يتعلق الأمر بقطاعات المالية ، الطاقة، الاتصالات، النقل، الصحة و غيرها كثير. و في قلب كل قطاع توجد سلطة ضبط قانونها الأساسي مختلف ولكن حيادها مضمون و دائما تحت رقابة القانون، و ذلك مثلما كتبت "Frison-Roche" في كتابها "قانون الضبط الصادر" الصادر سنة 2001 في مقابل هذا التصور الذي يجعل من الضبط محصورا في قطاعات كانت سابقا محتكرة من طرف الدولة تطرح " L.Boy " تصور أخر واسع للضبط الاقتصادي الذي يشمل قانون المنافسة و يساهم في بناء الأسواق و إعادة صياغة العقود،  فبالنسبة لها الضبط يمكن أن يشمل طرق جديدة للحكم حيث تتجمع سلطات عامة و سلطات خاصة و خبراء و سلطة سياسية أو "هو المسار الذي من خلاله جهاز أو ميكانيزم يظل قائما متوازنا محافظ اعلى نظام محدد أو يغير عمله بطريقة تسمح له بالتماشي مع الظروف " . كما يضيف "Champaud" في مقاله السابق "النظام المجتمعي الذي ولد فيه النظام القانوني الضبطي سيخلف النظام الضبطي المسمى (اقتصاد السوق) و النظام السياسي المسمى (الديمقراطية) و " قدرات هائلة للتدمير الذاتي ستميز سير و تطور هذه الأنظمة إذا تركت لضبطها الذاتي "