Section outline

  •  المبحث الثاني : التحول نحو الضبط

    سنتناول في هذا المبحث اسباب التحول نحو الضبط و خصائصه و مظاهره.

    المطلب الاول : اسباب التحول نحو الضبط

    يقدم الفقه سببين رئيسيين:

    الأول يتعلق بكون الدولة قد تطورت بشكل لافت مما لم يعد يسمح لها بأن تقبل بعضا من التبعية للأحزاب السياسية أو بعض الممارسات السياسوية التي كانت تميز الإدارة التقليدية و التي أصبح الرأي العام يرفضها. و بعبارة أخرى الانتقال من الدولة المتدخلة إلى الدولة الضابطة هو الدافع لخلق آليات مؤسساتية لضبط اجتماعي و اقتصادي بحجة أن المؤسسات الإدارية التقليدية لم تعد قادرة على تلبية الحاجة الجديدة في الاقتصاد و حماية الحريات.  كما ان البناء المؤسساتي التقليدي ليس قادر على الاستجابة لمتطلبات التدخل الفعال السريع لمواكبة تطور العلوم و التقنية و الاتصالات.

    الثاني: يتعلق بتنامي المطالب بـ : " جهة تحكيمية حيادية  " حيث أن الإفراط في تسييس الإدارة التقليدية ماعاد يسمح لها بتقديم ضمانات الحياد للمتعاملين الاقتصاديين إلى كون الدولة تتواجد في قطاعات معنية و لها أسهم محددة فكيف يكون الوضع امام تضارب المصالح بين الدولة المساهمة المهتمة بتقييم المؤسسة التابعة لها و الضابطة التي تسهر على أن توفر للمستهلك أسعار جيدة و خدمات نوعية ، و لذلك جاء في تقرير Bourguignon   المتوفر على موقع   "انه لا بد من الفصل واضح بين الوظيفتين (دولة مساهمة ، دولة ضابطة) ليسهل معالجة و حل هذا التناقض"

    وهذا ما يسمح بتأسيس تحكيم مستقل بين المصالح المتناقضة.

     

    المطلب الثاني: خصائص الضبط الاقتصادي

    يمكن جمع خصائص متعددة لقانون الضبط الاقتصادي و إجمالها فيما يلي :

    أولا : قانون الضبط الاقتصادي هو قانون مشكل ميدانيا (تطبيقيا) : قانون خلق من الواقع لهذا نتحدث عن انقلاب في إنتاج أو صناعة القواعد، حيث أن هذه الأخيرة ناتجة عن الملموس و تطبيقات فردية أو جماعية جيدة . و من خلال تحليل الوقائع نكتشف عناصر الحل القانوني ، و لذلك أيضا فان  قانون الضبط الاقتصادي هو غالبا قانون مجزأ يشتغل من خلال قطاع أو سوق أو نوع نشاط ما (  كل قطاع له قواعد ضبطية...)

    ثانيا : هو قانون غائي Téléologique

      موجه لتحقيق غاية أو هدف كضمان استقرار و ديمومة نظام ما مثل النظام التنافسي .

    ثالثا: قانون الضبط الاقتصادي جانب مهم منه إجرائي

      حيث أنه لتقنين العلاقات الاجتماعية يستعمل المشرع القاعدة الموضوعية و القاعدة الاجرائية و لما 

    كان الضبط لا يقوم دائما على قواعد موضوعية محددة تصبح الإجراءات لها دور مهم، لذلك أبطل القضاء العديد من قرارات سلطات الضبط لأنها لم تحترم الإجراءات أو الشكل أو ضمانات الدفاع   

    رابعا: قانون الضبط الاقتصادي يتجاوز التقسيم الكلاسيكي للقانون عام و خاص

    لابد من التأكيد على نقطة مهمة هي أن أجهزة و سلطات الضبط هي في استماع دائم للمجتمع المدني و تلاحظ الوقائع و ترصد المصالح و أهداف هذا المجتمع لتصوغ على أساس ذلك  قواعد ضبطية , و لذا صرح بعض الفقهاء أن الأمر يتعلق "بخوصصة القانون" ولكن تلك الأجهزة أو السلطات بأنها "إدارية" لذلك يمكن حل هذا التناقض بالقول أن قانون الضبط هو قانون مختلط.

    المطلب الثاني : مظاهر الضبط في الاقتصاد الجزائري

    أول مظهر هو تبني الدستور الجزائري مبدأ من أهم المبادئ الاقتصادية و هو ما جاء في المادة37 من دستور 1996.

    ثاني مظهر خوصصة المؤسسات العمومية الاقتصادية حيث ظهرت هذه الفكرة لأول مرة في قانون المالية التكميلي لسنة 1994 ليكرسها بعد ذلك دستور 1996 و هذا يعني انحسار القطاع العمومي الاقتصادي تاركا المجال للمتعاملين الخواص.

    ثالث مظهر إزالة الاحتكارات العمومية و الذي تجسد أول مرة في المرسوم رقم 88/201 الذي ألغى احتكار المؤسسات العامة للنشاط الاقتصادي. و لما صدر قانون النقد و القرض لسنة 1990 سمح للخواص بإنشاء بنوك أو مؤسسات مالية كما فتح قانون 90/07 المتعلق بالإعلام المجال أمام الخواص كذلك فعل قانون الاستثمار لسنة 1991  وذلك بفتح مجال التجارة الخارجية أمام المتعاملين الاقتصاديين.