Section outline
-
الفصل الثاني: سلطات الضبط الإقتصادي :
حسب العديد من الفقهاء حتى يتم وضع حد للاضطراب الناتج عن تدخل الفاعلين الاقتصاديين في السوق لابد من إنشاء أو خلق أجهزة تجمع العديد من الوظائف و الوسائل اللازمة للضبط فتتدخل ليس فقط لحل النزاعات القائمة و لكن تتدخل أيضا لأجل تثبيت القواعد في تحكم الفاعلين الاقتصاديين و تحقيق التوازن المرجو.
لذلك و على عكس الإدارة التقليدية سلطة الضبط لابد أن تزود بكل الامتيازات اللازمة لممارسة مهمتها الضبطية : سلطة تنظيمية – سلطة اتخاذ القرارات الإدارية- سلطة التحقيق – سلطة الأمر – سلطة العقاب – سلطة التحكيم.
المبحث الأول : سلطات الضبط في القانون المقارن
المطلب الاول : النموذج الأمريكي
إنشاء في الولايات المتحدة الأمريكية سلطة ضبط مستقلة و التي تسمى الوكالة المستقلة أو لجنة ضبط المستقلة سنة 1889 من طرف الكونغرس بهدف فصل اللجنة عن وزارة الداخلية و هذه اللجنة هي لجنة التجارة و بعد ذلك استمر إنشاء لجان ضبط مستقلة مثل اللجنة الفيدرالية للاتصالات ، اللجنة الفيدرالية للطاقة و لجنة حماية البيئة . و كان الهدف الأساسي لهذه اللجان أو السلطات هو سد نقائص الضبط الذاتي للسوق دون أن يكون لها وظيفة التسيير للقطاعات الاقتصادية و ذلك تماشيا مع النظام الرأسمالي للدولة.
كما يضيف بعض الباحثين سببا سياسيا لنشأة هذه السلطات هو الصراع بين الكونغرس و السلطة التنفيذية فرغبة من الكونغرس في إبعاد هذه السلطات عن السلطة التنفيذية و إعطائها صبغة الاستقلالية. و في الثمانينات من القرن الماضي عرفت لجان الضبط الأمريكية اضطرابات و وجهت لها انتقادات على أساس أنها معيقة للسوق و هذا ما دفع بالقيام بإصلاحات في عهد الرئيس ريغن ، أدى إلى زوال بعضها و ظهور لجان أخرى.
تتمتع هذه اللجان باستقلالية كبيرة حيث أن تركيبتها جماعية و يتم تعيين الأعضاء من الأوساط المهنية مشاركة بين الرئيس و مجلس الشيوخ . كما أن أعضاءها لهم عهدة تتجاوز عهدة الرئيس هذا من الناحية العضوية اما من الناحية الوظيفية فهي تبقى مرتبطة بشكل كبير مع الكونغرس ، اذ هو الذي ينشئها و يحدد اختصاصاتها و يقيم دورها، و في الأخير يمكن أن ينهي وجودها .
وجدير بالذكر انه إلى اليوم ما زالت هذه اللجان محل صراع بين الرئيس و الكونغرس.
المطلب الثاني: النموذج البريطاني
يطلق على سلطات الضبط الإدارية في بريطانيا المنظمات غير الحكومية المستقلة، انتشرت بعد الحرب العالمية الثانية و يرجع سبب إنشاءها إلى رغبة الحكومة البريطانية في إنقاص عدد المرافق العمومية و أيضا في إنقاص و تحجيم صلاحيات السلطة المحلية.
أما السبب الثاني فهو عدم رضا الرأي العام على عمل و نشاط السلطة السياسية فلجأت هذه الأخيرة لإنشاء تلك السلطات لأجل استعادة ثقة الجمهور . أما السبب الثالث فهو الرغبة في إنشاء هياكل تربط بين القطاع العام و القطاع الخاص ، و يجتمع النموذج البريطاني لسلطات الضبط مع النموذج الأمريكي لاسيما في استقلاليته عن السلطة التنفيذية ، حيث أن مدير السلطة لا يمكن إقالته خلال مدة عهدته ، غير أنها تتميز عن سلطات الضبط الأمريكية يكون هياكل فردية (في أمريكا جماعية) فمدير السلطة هو المسؤول الوحيد عن عمل السلطة لأنه لا يترأس لجنة معينة و هو خيار جاء لتلافي سلبية اللجان الأمريكية في اتخاذ القرار لكونها جماعية ( عملية إصدار القرار تكون طويلة و معقدة )
كما تتميز قرارات لجان الضبط البريطانية كونها قابلة للطعن أما الجهاز المكلف بالمنافسة.
المطلب الثالث: النموذج الفرنسي
ظهر مفهوم السلطات الإدارية المستقلة في فرنسا سنة 1978 ، لما كيف المشرع الفرنسي اللجنة الوطنية للإعلام الالي والحريات بكونها "سلطة إدارية مستقلة" . و في الثمانينات تسارع إنشاء تلك السلطات بموجب القانون 78 -17 المؤرخ في 02/01/1978.
شكلت هذه السلطات في فرنسا استجابة لتصور جديد لدور الدولة التي أصبحت "ضابطة" و قد حدد مجلس الدولة الفرنسي في تقرير له صادر سنة 1983 (جدير بالدراسة ) تدخل هذه السلطات في المجالات التالية :
-حماية المواطنين من البيروقراطية
- ضبط اقتصاد السوق
- الاعلام و الاتصال
* للتوسع اكثر ارجع لمداخلة الاستاذ الدكتور عصام نجاح " السلطات الادارية المستقلة في فرنسا"
المبحث الثاني : النموذج الجزائري لسلطات الضبط
أنشأت في الجزائر اول سلطة ادارية مستقلة سنة 1990 و يرجع سبب تأخر نشأة هذه السلطات في الجزائر لحداثة الدولة الجزائرية اضافة لاقتناع اصحاب القرار في البداية بتصور الدولة المتدخلة التي لا تدع مجالا لتطور القطاع الخاص ...
فلما تم اقرار دستور 1989 الذي تبنى التوجه الليبيرالي المكرس بفعل دستور 1996 لاسيما اقراره بشكل صريح بمبدأ حرية التجارة و الصناعة فتح الباب لإنشاء السلطات الادارية و بعدها توالى انشاء سلطات ادارية مستقلة .
سنحاول في هذا المبحث جرد جملة السلطات الادارية المستقلة في الجزائر و اختيار ثلاث سلطات هامة (بالتشاور مع الطلبة) لدراسة نظامها الاساسي ومجال نشاطها و طرحها للنقاش معهم...