القضـــــاء الإستعجـــــالي
طلبتي الأعزاء ،
سنتطرق اليوم إلى دراسة موضوع مهم و هو القضاء الإستعجالي ، الذي يختلف عن قضاء الموضوع و ذلك وفق مايلي :
مقدمة
ان القضاء الإستعجالي هو مؤقت ، سريع و تحفضي يصدر حضوري في اول درجة و لا يمس بأصل الحق ما عدا بموجب نص قانوني و يرجع اصل القضاء الإستعجالي الى التشريع الفرنسي بموجب الأمر الصادر عام 1685 المنظم لقواعد المرافعات المدنية الذي رخص بمقتضاه للدائرة المدنية الحكم مؤقتا في الأمور المستعجلة و لقد لحقه قانون المرافعات الفرنسي و انشأ نظام قضاء مستعجل ادخل في اختصاصه جميع المواد المدنية المستعجلة و إشكالات التنفيذ .
يتم اللجوء الى القضاء الإستعجالي كاصل عام بهدف درء الخطر المحدق بالحق المطلوب حمايته و المحافظة عليه ، و لم يعرف المشرع الجزائري القضاء المستعجل و اكتفى بموجب احكام المادة 303 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية بالقول (لا يمس الأمر الإستعجالي اصل الحق و هو معجل النفاذ بكفالة او بدونها رغم كل طرق الطعن كما انه غير قابل للمعارضة و لا الإعتراض على النفاذ المعجل.)
يعتبر القضاء الإستعجالي عملا قضائيا و يمنح بصرف النظر عن وجود الحق الموضوعي فالدعوى الإستعجالية مجردة و هي وسيلة للتحفظ و تستقل عن الدعوى الموضوعية من حيث شروطها الشكلية و الموضوعية .
ما هي شروط الدعوى الإستعجالية و إجراءات رفعها و القضاء المختص للنظر فيها و طرق الطعن ؟
المبحث الأول : شروط و إجراءات رفع الدعوى الإستعجالية .
بالإضافة الى الشروط الشكلية العامة لرفع الدعوى الصفة و المصلحة و الأهلية كشرط صحة التي تشترك فيها الدعاوى العادية مع الدعاوى الإستعجالية .فإن المشرع الجزائري لم يتناول بالتفصيل أنواع الدعاوى الإستعجالية ، بل انه جعل الدعوى الإستعجالية كأصل عام يخضع قبولها الى سلطة القاضي الإستعجالي اذا توافر عنصر الإستعجال ، و هناك دعاوى استعجالية بقوة القانون .
سنتناول في المطلب الأول شروط الدعوى الإستعجالية التي يخضع تقدير قبول عنصر الإستعجال فيها الى قاضي الموضوع . و في مطلب ثاني إجراءات رفع الدعوى الإستعجالية .
المطلب الأول : شروط الدعوى الإستعجالية .
يشترط لإختصاص قاضي الأمور المستعجلة للنظر في الدعوى شرطين أساسيين و هما :
الشرط الأول : ضرورة توافر عنصر الإستعجال في المنازعة المطروحة امامه .
الشرط الثاني : ان يكون المطلوب هو اجراء وقتي لا يفصل في اصل الحق .
الفرع الأول : شرط الإستعجال .
لم يعرف المشرع الجزائري شرط الإستعجال و اكتفى بضرورة توافر ذلك العنصر ضمن احكام المادة 299 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ( يجب الفصل في الدعاوى الإستعجالية في اقرب الآجال ) و تبعا لذلك فإن تقدير حالة الإستعجال ترجع الى القاضي الذي يستخلصه من وقائع الدعوى المعروضة امامه ثم يقوم بإعطائها التكييف القانوني و عليه ان يبرز عنصر الإستعجال في الدعوى . فاذا لم يتحقق عنصر الإستعجال يحكم القاضي بعدم الإختصاص النوعي . لأنه يوجد فصل نوعي بين القضاء العادي و القضاء الإستعجالي الذي يصدر أوامر و ليس احكام قضائية ، و يعد الإختصاص النوعي من النظام العام يثيره القاضي في أي مرحلة تكون عليها الدعوى . و لو من تلقاء نفسه .
يتميز عنصر الإستعجال بالإستمرارية فهو يشترط عند رفع الدعوى و يستمر الى غاية صدور الأمر القضائي المعجل النفاذ بقوة القانون و هو المبرر في اختصاص القاضي الفاصل في الأمور الإستعجالية دون غيره من قضاة الموضوع .
ان حالة الإستعجال هي وصف تلحق الدعوى الإستعجالية و تستمد من طبيعة الظروف المحيطة بها و ليس من فعل الخصوم او اتفاقهم او رغبة احدهم في الحصول على امر مستعجل، فالقاضي ملزم بالتقيد بطلبات المدعي و تقدير حالة الإستعجال ، فإذا استخلص من الوقائع المعروضة امامه ان الخطر غير قائم و أن الإجراءات المطلوب اتخاده لا ينتج عن عدم الأمر به أي ضرر بالمدعي امر بعدم اختصاصه.
الفرع الثاني : شرط عدم المساس باصل الحق .
ان أساس هذا الشرط هو احكام المادة 303 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و يقصد به ان القاضي الإستعجالي يصدر أوامر وقتية سريعة لا تمس باصل الحق و يقصد بالحق الذي يمنع على القاضي الإستعجالي المستس به هو السبب القانوني الذي يحدد الحقوق و إلتزامات كل من الطرفين اتجاه الآخر فلا يجوز له ان يتناول هذه الحقوق و الإلتزامات بالتفسير او التأويل الذي من شانه المساس بموضوع النزاع كما لليس له ان يغير من مراكز الخصوم القانونية و منه اذا تم رفعت الدعوى بطلبات موضوعية فانها تكون خارجة عن اختصاص القضاء الإستعجالي و يقضى فيها بعدم الإختصاص كأن ترفع الدعوى بطلبات تقرر حق او طلب فسخ او ابطال عقد او بطلانه ) .
ان مبدأ عدم جواز المساس بالموضوع لا يمنع القاضي الإستعجالي من فحص المستندات و النظر في موضوع الدعوى و هذا لكي يتمكن من اصدار الأمر الوقتي المناسب فيها ، فله ان يفحص ظاهر الأوراق و المستندات المقدمة من الطرفين و له ان يدرس وسائل الدفاع ليتحقق فيما اذا كانت الطلبات جدية و لا تثير نقاشا جديا في الموضوع . و كاصل عام فان الحظر المفروض على القاضي الإستعجالي بعدم المساس باصل الحق يمنعه من اتخاد أي اجراء من إجراءات التحقيق كما هو الشأن في دعوى الموضوع غير ان هاته القاعدة أورد عليها المشرع الجزائري استثناءات بموجب احكام المادة 939 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية بجواز اتخاد أي اجراء من إجراءات التحقيق للفصل في النزاع .
المطلب الثاني : إجراءات رفع الدعوى الإستعجالية .
ترفع الدعوى الإستعجالية بموجب عريضة مكتوبة من المدعي او وكيه مؤرخة وموقع عليها لدى كتابة ضبط المحكمة تطبيقا لنص المواد 14 و 15 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، اما فيما يتعلق بتكليف المدعى عليه بالحضور فانه و في حالة ما اشترط المشرع حضور المدعى عليه تطبق بشانها احكام المواد 18 و 19 و 20 و 406 الى غاية 412 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية . مع إمكانية تقصير المواعيد وفقا للضروف تطبيقا للمواد 301 و 302 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية .
انه و من خلال دراسة احكام قانون الإجراءات المدنية و الإدارية في المادة الإستعجالية ، تمكننا من إستخراج الدعاوى الإستعجالية الاتي بيانها أدناه و التي سنتطرق إلى التعريف بكل واحدة و إجراءات رفعها .
الفرع الأول : الإستعجال العادي و الإستعجال من ساعة إلى ساعة .
الفرع الثاني : الأوامر على عرائض .
الفرع الأول : الإستعجالي العادي و الإستعجال من ساعة إلى ساعة .
الإستعجالي العادي هو اجراء حضوري تطبيقا لنص المادة 304 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية يهدف إلى إستصدار أمر يتضمن تدابير تحفظية أو مؤقتة التي لا تمس بأصل الحق أو إجراءات حراسة قضائية تطبيقا لأحكام المادة 299 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية . كما يختص القاضي الإستعجالي في المواد التي ينص القانون صراحة على انها من اختصاصه و فيها يمكن للقاضي الإستعجالي ان يتطرق الى اصل الحق و يحوز الأمر الصادر فيه حجية الشيئ المقضي فيه تطبيقا لأحكام المادة 300 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و مثاله ما ورد بنص المادة 679 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية . و كذا المادة 613 و المادة 643 من نفس القانون .
يتم عرض القضية بموجب عريضة افتتاحية امام المحكمة المختصة محليا و يفصل فيها في اقرب الآجال .
أما الإستعجالي من ساعة إلى ساعة و بموجبه يتم تخفيض آجال التكليف بالحضور في مواد الإستعجال إلى 24 ساعة ، و في حالة الإستعجال القصوى يجوز أن يكون التكليف بالحضور من ساعة إلى ساعة بشرط أن يتم التبليغ الرسمي للخصم شخصيا أو إلى ممثله القانوني أو الإتفاقي . كما يجوز تقديم الطلب إلى القاضي الإستعجالي خارج ساعات و أيام العمل بمقر الجهة القضائية حتى قبل قيد العريضة في سجل أمانة الضبط و يحدد القاضي تاريخ الجلسة و يسمح عند الضرورة بتكليف الخصم بالحضور من ساعة إلى ساعة و يمكنه الفصل خارج ساعات العمل و حتى خلال أيام العطل . و يمكن للقاضي أن يامر بالتنفيذ بموجب النسخة الأصلية للأمر حتى قبل تسجيله .
الفرع الثاني : الأوامر على العرائض .
الأمر على العريضة هو أمر مؤقت يصدر دون حضور الخصوم ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، و مثاله الطلبات الرامية إلى إثبات حالة أو توجيه إنذار أو إجراء إستجواب في موضوع لا يمس بحقوق الأطراف ، يقدم إلى رئيس الجهة القضائية ليفصل فيه خلال أجل أقصاه ثلاثة أيام من تاريخ إيداع الطلب .
تقدم العريضة من نسختين و يجب أن تكون معللة و يشار ضمنها إلى الوثائق و المستندات التي تدعم الطلب و إذا كان الطلب مقدما بشأن خصومة قضائية قائمة فيجب ذكر المحكمة المعروضة أمامها الخصومة ، عند قبول الطلب أو رفضه يجب أن يتضمن تسبيبا كافيا و هو قابل للتنفيذ بموجب نسخته الأصلية .
إن الأمر على العريضة يجب أن ينفذ خلال اجل ثلاثة اشهر من تاريخ صدوه تحت طائلة السقوط و عدم ترتيب أي أثر .
المبحث الثاني : طرق الطعن في الأوامر الإستعجالية .
تصدر الأوامر الإستعجالية في شكلين ، الشكل الأول يأخذ صورة خصومة قضائية في هيئة إستعجال عادي أو إستعجال من ساعة إلى ساعة أو في شكل الأوامر على عرائض أي كأصل عام دون خصومة قضائية أي بموجب طلب قضائي يكون في شكل عريضة .
المطلب الأول : طرق الطعن في الأوامر الإستعجالية الصادرة بمناسبة إستعجال عادي أومن ساعة إلى ساعة .
يختلف الأمر الإستعجالي ما إذا كان صادرا في شكل عادي أو من ساعة إلى ساعة من خلال وصفه و طرق الطعن فيه .
الفرع الأول : الأمر الإستعجالي العادي .
يصدر الأمر الإستعجالي العادي دائما حضوريا و لا وجود للأوامر الإستعجالية الغيابية في محكمة أول درجة تطبيقا لنص المادة 304 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي جاءت كمايلي ( تكون الأوامر الإستعجالية الصادرة في أول درجة قابلة للإستئناف و تكون الأوامر الإستعجالية الصادرة غيابيا في آخر درجة قابلة للمعارضة ) .
يقصد بذلك أن الأوامر الإستعجالية تكون في اول درجة دوما حضورية أما في ثاني درجة أي على مستوى الإستئناف قد تكون غيابية و فيها يكون الأمر قابل للمعارضة .
إن آجال إستئناف و المعارضة هو 15 يوما من تاريخ التبليغ الرسمي للأمر .
الفرع الثاني : الأمر الإستعجالي الصادر من ساعة إلى ساعة .
إن العمل القضائي إعتاد على أن الدعاوى الإستعجالية التي يفصل فيها من ساعة إلى ساعة هي دعاوى الإشكال في التنفيذ أو دعاوى وقف التنفيذ ، تطبيقا لأحكام المادة 632 و مايليها من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و هي الدعاوى التي ترفع من طرف المستفيد من السند التنفيذي أو المنفذ عليه أو الغير الذي له مصلحة بحضور المحضر القضائي المكلف بالتنفيذ و في حالة رفض المحضر القضائي تحرير محضر الإشكال الذي يثيره أحد الأطراف يجوز لأحدهم تقديم طلب وقف التنفيذ إلى رئيس المحكمة عن طريق دعوى إستعجالية من ساعة إلى ساعة و تكليف المحضر القضائي و باقي الأطراف بالحضور أمام الرئيس .
يفصل رئيس المحكمة في هذا النوع من الدعاوى في اجل أقصاه 15 يوما بأمر مسبب غير قابل لأي طعن ، و يكون الأمر الصادر عن رئيس المحكمة طابع مؤقت و لا يمس أصل الحق و لا يفسر السند التنفيذي .
و عليه : فالقضايا التي يفصل فيها رئيس المحكمة بموجب دعوى إستعجالية من ساعة إلى ساعة غير قابلة للإستئناف بموجب نص قانوني .
المطلب الثاني : طرق الطعن في الأوامر على العرائض .
كانت الأوامر على العرائض في ظل قانون الإجراءات المدنية القديم أوامر ولائية أي غير قضائية و هي غير قابلة للطعن ، و كان أطراف الخصومة و حينما يرفض طلبهم يتقدمون بتظلم إلى رئيس الجهة القضائية ليفصل في ذلك التظلم بموجب أمر قضائي ، بينما في ظل قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الساري المفعول حاليا فإنه لم يحدد الطبيعة القضائية للأوامر على العرائض و لكن نص على إمكانية التراجع عنه او قابليته للإستئناف ، فهو بذلك يختلف عن الحكم القضائي الذي لا يجوز التراجع عنه من طرف القاضي الذي أصدره إلا بموجب معارضة في حالة صدوره غيابيا أو إعتراض الغير الخارج عن الخصومة في حالة مباشرة هذا الطريق من طرق الطعن من طرف الغير و ضمن الشروط و الشكليات التي ينص عليها القانون ، بينما في الأمر على العريضة فإن المشرع منحه طابع خاص لما مكن الغير من تقديم طلب التراجع عنه أو تعديله و في حالة عدم الإستجابة إلى الطلب يكون الأمر بالرفض قابلا للإستئناف أمام رئيس المجلس القضائي ، و أن الإستئناف يرفع في أجل 15 يوما من تاريخ صدور الأمر بالرفض .
خاتمة :
إن القضاء الإستعجالي هو قضاء ذو طبيعة خاصة من حيث موضوعه و إجراءاته و طرق الطعن فيه ،يصدر بموجب أوامر التي يفصل فيها رئيس الجهة القضائية أو رئيس القسم الإستعجالي ، و يوجد فصل نوعي بين القضاء الإستعجالي و قضاء الموضوع