الخصومة القضائية :
أعزائي الطلبة ،
بعد أن تطرقنا في الحصة الفارطة إلى الدفوع و الطلبات ضمن وسائل الدعوى القضائية ، اليوم نتعرض إلى الخصومة القضائية ، فالقاضي بعد أن يعاين عريضة المدعي من حيث بيانات عريضة افتتاح الدعوى الواجبة قانونا و ما تضمنته من دفوع و طلبات ، فعليه أن يفصل في نزاع بين متخاصمين ، و قبل ذلك فعليه و قبل الفصل في موضوع الدعوى أن يتأكد من إنعقاد الخصومة ، و ما تقدم به المدعى عليه من دفوع و طلبات ضمن عريضته و ما إذا حضر المدعي عليه للجلسة شخصيا أو عن طريق موكله .
فالخصومة القضائية هي وحدة قانونية تبدأ من رفع الدعوى القضائية التي تتضمن طلب قضائي موجه إلى المحكمة و تنعقد بإعلام أطراف الدعوى بها ، و تنتهي بالوصول إلى الغاية عن طريق صدور حكم قضائي يفصل في النزاع ، كما قد تنتهي بسبب من أسباب إنقضاء الخصومة من غير الحكم في موضوعها.
إن الخصومة ظاهرة إجرائية مركبة ، فيشترك فيها القاضي و اعوانه و الخصوم و محاميهم و كاتب الضبط و لأن الغرض من النشاط الإجرائي كله هو الوصول إلى معرفة صاحب الحق من عدمه ، و من خلاله يوضع الخصوم في مركز يمكنهم من ابداء حججهم ، فتنشأ لكل منهم حقوق و على كل منهم واجبات و المحكمة تفصل في شكل الدعوى و الخصومة قبل الفصل في الموضوع ، فهي من النظام العام .
الإشكال القانوني : ما هي الطبيعة القانونية للخصومة و كيف تنعقد وفقا لأحكام قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ؟
المبحث الأول : الطبيعة القانونية للخصومة القضائية .
تتكون الخصومة القضائية من مجموعة من الأعمال القانونية و يعد كل إجراء من إجراءاتها عملا قانونيا مستقلا بذاته ، و ينظم القانون العناصر التي يتكون منها كل عمل إجرائي على حدة و ما يترتب عليه من آثار قانونية و يحدد الوسيلة اللازمة لإتخاد هذا الإجراء . ، غير أنه يطرح تعدد إجراءات الخصومة القضائية ضمن وحدة رغم تعدد و تنوع أعمالها و إختلاف أشخاصها ؟ أم يجب النظر لكل عمل إجرائي ضمن جزء مستقل بذاته ، يخضع إلى أحكام خاصة به ؟
تبعا لذلك ظهرت عدة اتجاهات تبحث في الطبيعة القانونية لهذه الأعمال ، فذهب البعض إلى اعتبار الخصومة القضائية حالة قانونية في حين يرى البعض الآخر انها رابطة قانونية ، بينما اتجه الراي الأخر إلى اعتبارها وحدة قانونية تتكون من عمل قانوني مركب .
تبعا لذلك سنتطرق الى :
المطلب الأول : الخصومة القضائية رابطة قانونية .
يقصد بالرابطة القانونية العلاقة الإجرائية التي تنشأ بين القاضي و الخصوم او بين الخصوم انفسهم ، فهي رابطة مركبة لأنها تخول لهم حقوق و تفرض عليهم واجبات إجرائية متعددة ، و تختلف هاته الرابطة عن كل من الحق في الدعوى و الحق الموضوعي في النزاع .
ان وحدة الخصومة تنشأ من الرابطة القانونية التي تتضمن الطلب القضائي الذي لا يعرف هل صاحبه يملك الحق الموضوعي من عدمه و هو موضوع النزاع الذي يفصل في شانه القاضي بحكم .و ان اعتبار الخصومة رابطة قانونية يقتضي ذلك ان تصبح مراكز الأطراف متقابلة ، فإذا كان لأحد الخصوم حق يجب ان يقابله التزام الخصم الآخر او القاضي .
و لقد وجه لهذا الراي نقدا يتمثل في ان المراكز الإجرائية في الخصومة غير متقابلة ، فالقاضي يقع عليه واجب الفصل في الدعوى و يرجع ذلك إلى سلطته العامة و لا يقع عليه أي إلتزام اتجاه الخصم الآخر ، , ان الواجب الذي يقع على الخصم لا يعد إلتزاما قبل الخصم الآخر بل لا يعدو ذلك ان يكون مظهرا من مظاهر خضوعه لسلطة الدولة .
و عليه : فإن ما ينشأ بين الخصوم لا يعد رابطة قانونية بالمعنى الفني و انما مجرد علاقات تقوم بين مجموعة من الأشخاص تربطهم غاية معينة .
المطلب الثاني : الخصومة القضائية عمل قانوني مركب .
يقصد بالعمل القانوني المركب مجموع الأعمال الإجرائية التي توكل الى اشخاص مختلفون كالقاضي و المحضر القضائي المكلف بالتبليغ و الخصوم و الغير . و تهدف مجموع أعمالهم الإجرائية الى غاية واحدة و هي تطبيق القانون و تحقيق العدل .
فالأعمال الإجرائية المركبة تشترك في تحقيقها مجموعة من الأعمال المركبة و المتتابعة زمنيا و منطقيا تهدف الى انتاج اثر قانوني .
تقوم الأعمال الإجرائية المركبة للخصوم على مبدأ ملكية الدعوى لأطرافها ، يعني ان الأطراف هم الذين يرفعون دعواهم و يضبطون محتواها من حيث الطلبات و الموضوع و كذلك انهاء الخصومة فهم يسيطرون على الدعوى سواءا على مستوى وجود الخصومة او على مستوى تحديد مادة النزاع .
و عليه : فالخصومة القضائية هي وحدة قانونية تتضمن مجموع أعمال مركبة تهدف الى تطبيق القانون و تحقيق العدل عن طريق صدور حكم قضائي قابل للتنفيذ .
المبحث الثاني : إنعقاد الخصومة القضائية .
تنعقد الخصومة القضائية عن طريق اعلام الخصوم بعريضة افتتاح الدعوى ، و اعلام الخصوم يكون عادة عن طريق المحضر القضائي الذي يعمل على التبليغ الرسمي بواسطة التكليف بالحضور للجلسة و يعد التبليغ الرسمي قرينة قاطعة على العلم بالإجراء و لا يقبل الإحتجاج بالجهل اذا تم صحيحا ووفقا لأحكام قانون الإجراءات المدنية و الإدارية .
ما هي إجراءات التبليغ الرسمي لعريضة إفتتاح الدعوى ؟
المطلـــب الأول : التبليغ الرسمي لعريضة إفتـــتاح الدعــــوى .
يقصد بالتبليغ الرسمي التبليغ الذي يتم بموجب محضر يعده محضر قضائي ، و يمكن ان يتعلق التبليغ الرسمي بعقد قضائي او عقد غير قضائي او امر او حكم او قرار .
يقوم المحضر القضائي بالتبليغ الرسمي بناءا على طلب الشخص المعني او ممثله القانوني او الإتفاقي ،
و يحرر بشانه محضرا في عدد من النسخ مساو لعدد الأشخاص الذين يتم تبليغهم رسميا .
يكون التبليغ الرسمي صحيحا الى الشخص الذي يقيم في الخارج اذا تم في الموطن الذي اختاره في الجزائر.
ان تبليغ عريضة افتتاح الدعوى يكون بواسطة محضر التكليف بالحضور الذي يتضمن البيانات الآتية :
- اسم و لقب المحضر القضائي و عنوانه المهني و ختمه و توقيعه و تاريخ التبليغ الرسمي و ساعته .
- اسم و لقب المدعي و موطنه .
- اسم و لقب الشخص المكلف بالحضور و موطنه .
- تسمية و طبيعة الشخص المعنوي و مقره الاجتماعي و صفة ممثله القانوني او الإتفاقي .
- تاريخ اول جلسة و ساعة و انعقادها
كما يجب ان يسلم المحضر القضائي الى الشخص المبلغ له محضر تسليم التكليف بالحضور الذي يجب ان يتضمن إضافة الى البيانات الواردة بالتكليف بالحضور الإشارة في المحضر الى رفض استلام التكليف بالحضور او استحالة تسليمه او رفض التوقيع عليه ووضع بصمة المبلغ له في حالة استحالة التوقيع على المحضر و تنبيه المدعى عليه بانه و في حالة عدم امتثاله للتكليف بالحضور سيصدر حكم ضده بناءا على ما قدمه المدعي من عناصر .
اذا لم يتضمن محضر التبليغ الرسمي البيانات المشار اليها أعلاه ، يجوز للمطلوب تبليغه الدفع ببطلانه قبل اثارته لأي دفع او دفاع .
يحضر الخصوم في التاريخ المحدد في التكليف بالحضور شخصيا او بواسطة محاميهم او وكلائهم .
المطلب الثاني : صور التبليغ الرسمي .
أولا : التبليغ الرسمي الى المبلغ له شخصيا .
الأصل ان التبليغ الرسمي يكون شخصيا للمدعى عليه و يكون للشخص المعنوي اذا سلم محضر التبليغ الى ممثله القانوني او الإتفاقي او لأي شخص تم تعيينه لهذا الغرض . و يتم التبليغ الرسمي الموجه الى الإدارات و الجماعات الإقليمية و المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية الى الممثل المعين لهذا الغرض و بمقرها ، و يتم التبليغ الرسمي الموجه الى شخص معنوي في حالة تصفية الى المصفي . و اذا عين احد الخصوم وكيلا فان التبليغات الرسمية للوكيل تعد صحيحة .
ثانيا : استحالة التبليغ الشخصي .
عند استحالة التبليغ الرسمي شخصيا للمطلوب تبليغه ، فإن التبليغ يعد صحيحا اذا تم في موطنه الأصلي الى احد افراد عائلته المقيمين معه او في موطنه المختار . و يشترط في المبلغ له ان يكون كامل الأهلية .
اما اذا رفض الشخص المطلوب تبليغه رسميا استلام محضر التبليغ الرسمي او رفض التوقيع عليه او رفض وضع بصمته يدون ذلك في المحضر الذي يحرره المحضر القضائي و ترسل له نسخة من التبليغ الرسمي برسالة مضمنة مع الإشعار بالإستلام . و يعتبر التبليغ الرسمي في هذه الحالة بمثابة تبليغ رسمي و يحسب الأجل من تاريخ ختم البريد .
اما اذا كان الشخص المطلوب تبليغه رسميا لا يملك موطنا معروفا يحرر المحضر القضائي محضرا يضمنه الإجراءات التي قام بها و يتم التبليغ الرسمي بتعليق نسخة منه بلوحة الإعلانات بمقر المحكمة و مقر البلدية الذي كان له بها آخر موطن .
اذا رفض الأشخاص الذين لهم صفة تلقي التبليغ الرسمي أستلام محضر التبليغ يتم تعليق المحضر بمقر المحكمة و مقر البلدية بلوحة الإعلانات القانونية و علاوة على ذلك يرسل التبليغ الرسمي برسالة مضمنة مع الإشعار بالإستلام الى آخر موطن له .
اذا كانت قيمة الإلتزام تتجاوز 500.000 دج يجب ان ينشر مضمون عقد التبليغ الرسمي في جريدة يومية وطنية باذن من رئيس المحكمة التي يقع فيها مكان التبليغ و على نفقة طالبه .
اذا كان الشخص المطلوب تبليغه رسميا محبوسا يكون هذا التبليغ صحيحا اذا تم بمكان حبسه .
يتم تبليغ الشخص الذي له موطن في الخارج وفقا للإجراءات المنصوص عليها في الإتفاقيات القضائية ، و في حالة عدم وجود اتفاقية قضائية يتم ارسال التبليغ بالطرق الديبلوماسية .
و تجدر الإشارة الى التبليغ الرسمي لا يجوز لن يكون قبل الساعة الثامنة صباحا و لا بعد الثامنة مساءا و لا أيام العطل الا في حالة الضرورة و بعد اذن من القاضي .
خاتمة :
جزاء عدم إنعقاد الخصومة وفقا للقواعد المشار إليها أعلاه هو شطب الدعوى من الجدول ، فالقاضي لا يحكم في موضوع النزاع أو في شكله إلا بعد إنعقاد الخصومة .