المحاضرة الاولى ماهية القانون التجاري

المحاضرة الاولى ماهية القانون التجاري

par SARRA BEN SALAH,
Nombre de réponses : 0

الفصل الأول: ماهية القانون التجاري

يعتبر القانون التجاري حديث التقنين مقارنة بفروع القانون الأخرى لكنه ظهر منذ القدم، وقد تطور مع تطور التجارة والحاجة إلى قواعد قانونية تحكمها، إذ أن الشعوب عرفوا التجارة ومارسوها عبر مراحل معينة فخلقوا بذلك قواعد وعادات وأعراف تجارية في العديد من المجالات منها المعاملات المالية، النقل، المعاملات البحرية...الخ، ويعد القانون التجاري من الناحية العملية أضيق نطاقا من القانون المدني كونه ينحصر في مجال التجارة لا غير، الأمر الذي جعل الفقهاء يختلفون في تحديد نطاقه هذا من جهة ، ومن جهة أخرى نجد أن الفقهاء اختلفوا حتى في إعطاء تعريف للقانون التجاري، إذ تفرقوا بين قائل بأنه قانون يحكم فئة التجار وبين من يرى أنه القانون الذي يحكم الأعمال التجارية، وهو ما سنتطرق إليه في هذا الفصل من خلال تقسيمه إلى مبحثين: المبحث الأول بعنوان (مفهوم القانون التجاري) والمبحث الثاني بعنوان (مصادر القانون التجاري وعلاقته بالقوانين الأخرى).

المبحث الأول: مفهوم القانون التجاري

يرتبط مفهوم القانون التجاري أساسا بنشأته وتطوره أي بتاريخ التجارة في حد ذاتها إذ يمكن تقسيمه إلى ثلاث مراحل تاريخية ،تبرز لنا التطور التاريخي الذي مر به ظهور القانون التجاري بداية من العصر القديم ، ثم العصر الوسيط، وأخيرا العصر الحديث، وصولا إلى تعريفه ومبررات وجوده.

المطلب الأول: مراحل ظهور القانون التجاري.

سنتطرق من خلال هذا المطلب إلى بيان نشأة القانون التجاري بداية من العصر القديم مرورا بالعصر الوسيط لنصل إلى نشأتـه في العصر الحديث.

الفرع الأول: تطور القانون التجاري في العصر القديم

أولا: عصر المصريين والبابليين والإغريق.

يعد الفراعنة أول الشعوب التي عملت وفقا لقوانين تجارية في عصر السلالتين الرابعة والسادسة، حيث كانوا يمارسون التجارة بكل أنواعها عبر البر وكذلك عبر البحر من خلال تعاملاتهم مع أهالي جزيرة كريت ، حيث كان سكان الجزيرة يزودون مصر بالنحاس والخزف والذهب، وفي مقابل ذلك كان الفراعنة يزودون أهالي جزيرة كريت بالأسلحة والعاج[1]، ومن أهم القوانين التي عرفتها مصر في هذا العصر تلك القواعد الخاصة بالقروض الربوية بين التجار، وعند حلول القرن السابع عشر قبل الميلاد ظهر قانون بوكخوريس الذي يتعلق أساسا بمبدأ حرية التعاقد وإثبات المعاملات(راجع الملحق رقم 01) عن طريق الكتابة.[2]

وفي عهد البابليين فإن أهم ما تميز به العصر القديم هو قانون "حمورابي" الذي وضع في القرن العشرين قبل الميلاد وتضمن جملة من القواعد القانونية منها القرض بفائدة والوديعة والوكالة بالعمولة والشركة،[3] وقد احتوى قانون حمورابي "أحد ملوك بابل" على 282 مادة.

أما الفينيقيين فقد كان توجههم نحو التجارة مرتكزا أساسا على صناعة السفن التي تم استغلالها في ازدهار التجارة البحرية، وكانت الشعوب الفينيقية تعمل على توزيع مصنوعاتها ومنتجاتها، حيث تطورت تجارتها الى العمل كوسيط بين غيرها من الشعوب، إذ مكنهم ذلك من الهيمنة على تجارة البحر الأبيض المتوسط[4]، ما ساعدهم على وضع القواعد الأساسية للتجارة البحرية أهمها "قاعدة الخسائر البحرية المشتركة" والتي يقصد بها أن مالك السفينة والتجار الذين تصل بضائعهم سالمة إلى البر يلزمون بتعويض باقي التجار الذين ترمى بضائعهم في البحر.[5]

ثانيا: تطور القانون التجاري عند الإغريق والرومان.

وضع الرومان القانون المدني وآخر سمي بقانون الشعوب الذي يطبق على الأجانب الذين رخصت لهم إيطاليا بممارسة التجارة، وتتميز قواعد هذا القانون بالبساطة وسهولة إجراءات تطبيقه مقارنة مع القانون المدني، وبعد ذلك قام الرومان بدمج قانون الشعوب في القانون المدني إذ أصبح هذا الأخير يحكم جميع المعاملات المدنية والتجارية دون تمييز بينهما، ثم توجهوا إلى فصل القواعد التجارية ومحاولة وضع قانون خاص بها.[6]

أما بالنسبة للشعوب الإغريقية فقد كان لها دور فعال في تنمية التجارة البحرية في القرن السادس قبل الميلاد، وذلك بوضعهم لقاعدة قرض المخاطر الجسيمة (ما يسمى اليوم بالتأمين البحري) والذي يقصد به تعويض المؤمن له متى تحقق الخطر محل التأمين.[7]

الفرع الثاني: العصر الوسيط

سنتطرق من خلال هذا الفرع إلى تطور القانون التجاري في اوروبا ثم دور الاسلام في تطور التجارة

أولا: تطور التجارة في أوروربا

ساهم انتشار الأسواق خلال العصر الوسيط لاسيما في الدول الأوروبية كأسواق شمبانيا وليون في فرنسا وفرانكفورت وليبزج في ألمانيا إلى ظهور الكثير من القواعد التجارية والتي تقوم على خاصيتين هما: سرعة الإجراءات والائتمان بين المتعاملين ، والتي كرسها التعامل بالسفتجة حيث سمحت هذه الأخيرة بنقل النقود من مكان إلى آخر بطريقة آمنة، كما ظهر أيضا نظام الإفلاس ونظام المقاضاة بين التجار ومفاده الفصل  في المنازعات القائمة بينهم وفقا لقواعد الأعراف القائمة آنذاك.[8]

وقد عرفت التجارة في العصر الوسيط انتعاشا ملحوظا خلال القرن الحادي عشر بعدما كانت مقيدة نوعا ما خلال القرن الخامس ميلادي، حيث ظهر نظام الطوائف بين طبقات التجار الذين أصبحوا يمثلون الطبقة الغنية، فقامت بسن القوانين للفصل في المنازعات التي تنشب بين التجار.[9]

ومن أهم العوامل التي ساهمت في ازدهار التجارة في العصر الوسيط المراكز التجارية، التي ظهرت في الدول الغربية والتي نشأت كأسواق دورية أول مرة نذكر منها: مركز ليون في فرنسا، ومركز ليبزغ بألمانيا، حيث بفضل هذه المراكز تكرست قواعد وأنظمة تجارية كان يخضع لها كل تاجر يمارس تجارته على مستوى تلك المراكز وعرفت بـ "قانون السوق" الذي يقوم أساسا على خاصية السرعة والائتمان في المعاملات التجارية.[10]

ثانيا: دور الإسلام في تطور التجارة.

أما عن دور الإسلام في تلك الفترة فقد أثر في تطور التجارة من خلال الفتح الإسلامي للكثير من الدول، حيث سادت عدة أنظمة تشريعية آنذاك كنظام الإفلاس والشركات، حيث وصلت إلى دول آسيا ودول شمال غرب أوروبا وانتشرت بها مبادئ التجارة التي وضعها المسلمون كمبدأ حرية التجارة تقيدا بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «عليكم في التجارة فإن فيها أعشار الرزق»، لكن هذا المبدأ كان يقوم على فكرتين أساسيتين هما "الحلال والحرام".[11]

الفرع الثالث: العصر الحديث

تميز العصر الحديث باكتشاف قارة أمريكا ، وفتح العثمانيين للقسطنطينية ، وفقدان إيطاليا سيادتها التجارية ، وتحول النشاط التجاري في أوروبا إلى الدول الواقعة على حدود البحر الأطلنطي (انجلترا، فرنسا، إسبانيا، هولندا، البرتغال)، وسنحاول من خلال هذا المطلب أن نقصر دراستنا على تطور القانون التجاري في فرنسا باعتباره المصدر الذي نقلت منه الجزائر قوانينها التجارية لتنتقل إلى مرحلة التقنين.

أولا: تطور القانون التجاري في فرنسا

يعتبر القانون التجاري الصادر في فرنسا في 29 أفريل 1965م من أهم القوانين التي ساهمت في إنشاء محاكم خاصة بفض النزاعات التي تنشب في المصارف في LYON، رغم أن المحاكم التجارية كانت قد نشأت في فرنسا بأمر من شارل التاسع سنة 1563م دون وجود تقنين تجاري ، أين بدأ القانون التجاري ينفصل تدريجيا عن القانون المدني.[12]

ويرجع ذلك إلى تفشي المضاربة بين طبقات المجتمع أين أصبح الأفراد العاديون (غير التجار) يقومون بالأعمال التجارية والذين وجدوا أنفسهم مضطرين لرفع قضاياهم أمام المحاكم القنصلية.

وفي القرن السابع عشر شهد القانون التجاري في فرنسا تدعيما كبيرا من طرف الوزير Colbert الذي سن قوانين حمائية لصالح التجار عن طريق فرض رسوم جمركية ، وكذلك أصدر لائحة تشريعية سنة 1673م « Ordonnance de Colbert »، التي قننت قانون التجار على أساس طائفي وقد اعتبرت هذه اللائحة ثورة في مجال التقنينات التجارية.[13]

وبعد قيام الثورة الفرنسية في 14 جويلية 1789 أعلنت مبادئ الحرية والإرخاء والمساواة وقضت على امتياز النبلاء والأشراف، وبادرت بإلغاء قوانين الطوائف بقانون "شابلي" سنة 1791 فقضت على كل شخص غير تاجر يقوم بأعمال تجارية.

ثانيا: مرحلة تقنين القانون التجاري

‌أ-       مراحل التقنين في فرنسا:

بدأت مرحلة تقنين القانون التجاري في فرنسا في القرن السابع عشر من خلال لائحة "كولبارت"  كما سبقت الإشارة إليه سنة 1673، واستعان المشرع الفرنسي في وضعه للقانون بشيخ التجار "جاك سافاري" وأخذت بهذا التقنين الفرنسي الحالي القوانين الحديثة من بينها القانون التجاري الجزائري، وتعرف هذه اللائحة بقانون طائفة التجار حيث تتميز بـ:

-       أنها من وضع التجار ومجموعة الأعراف التجارية التي تخدم مصالحهم.

-       يرجع الفضل في منازعات التجار للمحاكم التجارية القنصلية.[14]

ثم بعدها صدر قانون عام 1791 ألغى نظام الطوائف وأعلن مبدأ حرية التجارة والصناعة، وسمي قانون "شابلييه" باسم واضعه، بعدها صدر القانون التجاري الفرنسي لسنة 1807 الذي استمر العمل به لسنوات طويلة حيث تم إلغاؤه بعد صدور القانون التجاري الفرنسي لسنة 2000 والذي أخذت منه الجزائر الكثير من الأحكام التجارية.[15]

مراحل التقنين في الجزائر:

بقيت الجزائر تعتمد قوانين المستعمر الفرنسي بعد الاستقلال إلى غاية سنة 1975 أين قامت بسن أول قانون تجاري جزائري من خلال الأمر رقم 75/59 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق لـ 26 سبتمبر سنة 1975، والذي عدل بموجب القانون رقم 05/02 مؤرخ في 06 فيفري 2005.

 



[1] - أكرم باملكي، القانون التجاري (دراسة في الأعمال التجارية والتاجر والمتجر والعقود التجارية)، دار الثقافة، عمان، الأردن، 2010، ص27.

[2] عبد الرزاق حاجاف، عبد القادر برغل، عمر فارس، المدخل إلى القانون التجاري والأعمال التجارية، التاجر والمتجر، مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، منشورات حلب، سوريا، 2008، ص18.

[3] شادلي نور الدين، القانون التجاري (مدخل للقانون التجاري، الأعمال التجارية، التاجر، المحل التجاري)، دار العلوم للنشر، الجزائر، 2003، ص10.

[4] عادل علي المقدادي، القانون التجاري وفقا لأحكام قانون التجارة العماني رقم 55 لسنة 1990، ج1،، ط1، الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2003، ص13.

[5] أكرم باملكي، المرجع السابق، ص28.

[6] أكرم باملكي، المرجع السابق، ص30.

[7] ناجي زهرة، القانون التجاري (الأعمال التجارية-التاجر-المحل التجاري)، محاضرات موجهة لطلبة سنة ثانية ليسانس، جامعة بومرداس، 2016-2017، ص14.

[8] نور الدين شادلي، المرجع السابق، ص10وص 11.

[9] ناجي زهرة، المرجع السابق، ص14.

[10] ناجي زهرة، المرجع السابق، ص15.

[11] عبد الرزاق جاجان، عبد القادر بزغل، المرجع السابق، ص21.

[12] رزق الله العربي بن مهيدي، الوجيز في القانون التجاري الجزائري، ط4، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2008، ص13.

[13] نفس المرجع ، ص14.

[14] رزق الله العربي بن مهيدي ، المرجع السابق، ص14.

[15] ناجي زهرة، المرجع السابق، ص16.