ترى المادية الجدلية أن عملية التطور تجري بغير هدف سابق، وهي تتم تحت ضغط مجموعة من العوامل السببية الخالصة، أي على هيئة صدامات وصراعات [غير منتهية، تتوالى تباعا وفقا] لقوانين دائمة وثابتة وقابلة للحساب والإحصاء.وفي علاقة الوعي بالمادة، ترى المادة الجدلية أن المادة هي دائما المعطى الأول، أما الوعي (العقل) فهو المعطى الثاني، وينتج عن ذلك أن الوعي ليس هو الذي يحكم المادة ويقودها بل العكس. وهنا تبرز مادية وحتمية المادية الجدلية، غير أن ماركس يبقى أقل تشددا في هذا الاتجاه، فهو يرى أن المادة لا تحدد الوعي وتوجهه بشكل مباشر، وإنما تفعل ذلك من خلال توسط المجتمع بينها وبين الإنسان. إن النقاش العميق الذي خاضه ماركس لتوضيح هذه العلاقة هو ما يبرر إطلاق تسمية "المادية التاريخية" على فلسفته، فهو يرى أن الإنسان كائن اجتماعي في جوهره، فهو لا يستطيع أن ينتج ضرورات الحياة اللازمة لبقائه إلا في إطار المجتمع. ولكن أدوات ذلك الإنتاج وأنماطه تعود بدورها لكي تحدد أول ما تحدد العلاقات الإنسانية بين البشر بعضهم وبعض، تلك العلاقات التي تنشأ بسبب الإنتاج وتعتمد عليه. وبذلك فإن دور أدوات وأنماط الإنتاج يمتد إلى تحديد وعي الإنسان. فالحاجات الاقتصادية في النهاية تحدد أنماط الإنتاج والعلاقات الاجتماعية التي يخلقها هذا الإنتاج. وطالما أن أنماط الإنتاج وطبيعة العلاقات الاجتماعية الناجمة عنها تتنوع بغير توقف [إلى حد الصدام]، فإن المجتمع يصبح خاضعا هو الآخر لقانون التطور الجدلي، الذي يعبر عن نفسه في الصراع الاجتماعي بين الطبقات.