1.2.2. تعريف الورق:

كلمة الورق المستخدمة حاليا (Paper)مأخوذة من اسم النبات الذي استخدم منذ القدم في صناعة ورق البردي، وهو نبات البردي، ما يقابله في اللغة اليونانية (Papyrus) ومنها أخذت كلمة paper، فالورق هو شبكة متصلة ومترابطة من الألياف السلولوزية للنباتات، تنسج لتشكل مادة على شكل صفحات رقيقة، تتوقف خصائصها على نوع الخامات المستخدمة في صناعتها والعمليات المختلفة التي مر بها أثناء عملية التصنيع (Shenoy & Aithal, 2016).

 2.2.2. نبذة تاريخية عن صناعة الورق:

أمَّا الورق الذي نعرفه الآن فقد اخترع في الصين سنة 105م، شخص يدعى "تسايْ لُنْ" (T’sai Lun) كان يعمل خادمًا في بلاط الإمبراطور. استخدم "تساي لن" اللحاء الداخلي لشجرة التوت، ثم اكتشف الصينيون بعد ذلك إمكانية الحصول على ألياف جيدة لعمل الورق بطحن الخرق البالية والحبال وشباك صيد الأسماك القديمة وتحويلها إلى عجينة الورق، فحلت بذلك مكان الحرير غالي الثمن، وبعد ذلك طور الصينيون هذه الصناعة باستخدام مادة ماسكة من الغراء أو الجيلاتين مخلوطة بعجينة نشوية ليقووا بها الألياف ويجعلوا الورق سريع الامتصاص للحبر. (ستيبشفيتش، 1993)

ومن المعروف أن الصينيون أبقوا على صناعة الورق سرا، حتى شاع هذا السر خلال القرن الثاني عن طريق كوريا التي كانت مقاطعة صينية آنذاك، ثم انتقلت صناعته إلى اليابان في القرن الثالث؛ ثم إلى باقي شعوب العالم عبر الحضارة الإسلامية من خلال العرض الزمني التالي:

- 751م: إنشاء أول مصنع في سمرقند. (الكاغد السمرقندي)

- 793م: إنشاء أول مصنع ببغداد.

- 850م: حل الورق بديلا لورق البردي للكتابة في مصر.

- 1150م: أول مصنع في الأراضي الأوروبية بمدينة شاطبة في اسبانيا.

- 1276م: أول مصنع بمدينة فإبريان الايطالية.

- 1348م: أول مصنع بمدينة تروا (Troyes) الفرنسية.

- 1390م: أول مصنع بمدينة نورم بيرغ في ألمانيا.

- 1495م: أول مصنع بمدينة هيرتفوردشاير (Hertfordshire) بإنجلترا

- 1690م: أول مصنع بمدينة بنسلفانيا في الو.م.أ.

الشكل رقم 4: مسار الورق من الصين إلى أوروبا

والمتأمل في هذا العرض، يرى أن الورق تأخر دخوله إلى أوروبا حولي خمسة قرون، وذلك بسبب تدهور النشاط الفكري، وانتشار الأمية في الفترة الممتدة من القرن السادس، إلى القرن الثاني عشر ميلادي، خاصة وان أوروبا كانت في قبضة الرهبان ورجال الدين وتهتم بالأبحاث اللاهوتية. ولم تكن في حاجة إلى الورق في تلك الفترة.

3.2.2. الورق في الحضارة الاسلامية:

أدى توسع حركة الفتوحات الإسلامية شرقا ، إلى أن يصل الفاتحون المسلمون إلى مشارف الصين ، التي كانت تمثل أقصى ديار الشرق يوم ذاك، وفي إحدى المعارك في صيف عام 751 م أسر المسلمون مجموعة من الصينيين ، ممن كانوا خبراء في صناعة الورق، فأسسوا بمساعدتهم أول مصنع للورق في ديار الإسلام في مدينة سمرقند، وبعد فترة محدودة أضحت هذه المدينة مركزا معروفا لإنتاج الورق، ومنها انتقلت صناعة الورق إلى بغداد، التي كانت أعظم حضارة إسلامية آنذاك، حيث أسّس الفضل بن يحيى البرمكي، وزير هارون الرشيد، أول مصنع للورق في بغداد سنة 793 م  (عليان، 1999).

وخلال فترة وجيزة انتشر استخدام الورق ، حيث كان للأمر الصادر عن الخليفة " ألا تكتب الناس إلا في الكاغد" ، لأن الجلود ونحوها تقبل المحو والتزوير بخلاف الورق ، كان له أثر كبير في تعميم استخدام الورق في الكتابة ، ومع ذلك عانت صناعة البردي المصرية من المنافسة الخطيرة من الورق الذي بدأ يسيطر على ميادين الكتابة في الشرق منذ منتصف القرن الثاني الهجري وظلت مصانع الورق البردي في الدلتا والإسكندرية تواصل إنتاجها حتى عودة مصر للدولة العباسية، وقد أدخل المسلمون تحسينات على الكاغد الصيني بتنقيته من الشوائب التي كان يضعها فيه الصينيون.

وانتشر الكاغد بهذه الطريقة الجديدة ببلاد ما وراء النهرين، ثم انتقل إلى العراق والشام ومصر وشمال إفريقيا والأندلس، وعم المشرق والمغرب، ومع ذلك احتفظت سمرقند بمكانتها الأولى في إنتاجه، وظل الكاغد مرتبطا بمدينة سمرقند بمثل ما كان البردي مرتبطا بمصر ( التهامي، 2021).

3. 

4. 

4.2. 

4.2.2. مواد صناعة الورق:

يُصنع الورق من ألياف السليلوز التي توجد في جدران جميع الخلايا النباتية لأنواع متعددة من الخشب، تنقسم الأخشاب المستخدمة في صناعة الورق إلى قسمين: أخشاب لينة، وأخشاب صلبة. وقد كانت الألياف المستخدمة في تحضير الورق في حقبة مضت خلايا حية في جذوع الأشجار. ثم وجد أنه مع تزايد استهلاك الورق سوف يؤدي إلى كارثة بيئية نتيجة زيادة قطع الأشجار ففكروا في بدائل أخري مثل نبات الخيزران والقطن وعشب الحلفاء، وعيدان قصب السكر وسيقان القمح والأرز وغيرها. أما اليوم فقد استبدلت عجينة الخشب بهذه الألياف بدرجة كبيرة.، أو يُحْصَل عليه من أشجار الغابات ونفايات الأشغال الخشبية. وما تزال بعض ألياف القطن والكتان مستخدمة في عمل ورق الكتابة العالي الجودة. وتعتمد قوة وتحمل الورق على طول الألياف التي يصنع منها ونوعيتها، ولذلك فالورق المصنوع من الكتان، والخرق البالية والقطن يعتبر من أجود أنواع الورق، لأن لهذه المواد أليافا طويلة، بينما الورق المصنوع من لب الخشب، ولحاء الشجر يكون ذا نوعية رديئة لأن أليافها قصيرة جدا (البريدي، 2021).

5.2.2. أنواع الورق:

تعددت أنواع الورق في بقاع الدولة الإسلامية فكان هناك الطلحي، والنوحي، والجعفري، والفرعوني، والطاهري، نسبة إلى أسماء صانعيه. وهناك مواصفات أخرى أكثر دقة وتعقيدًا؛ حيث نجد أجهزة خاصة لقياس لمعان سطح الورق، وجهاز لقياس قوة ومتانة شد الورق، وأيضًا نسبة الحموضة واللزوجة، ومن أكثر أنواع الورق رواجا:

1.   ورق الجرائد: ورق خفيف قليل المتانة قصير العمر شديد التشرب للسوائل

2.  ورق المجلات: وهو يشبه ورق الجرائد، إلا أنه يتميز عنه بلمعانه الواضح.

3.  ورق الكرتون: ويتكون من عدة طبقات، ويستخدم لإنتاج صناديق التعبئة.

4.  الورق المقوي: حيث يستخدم في تغليف المواد الغذائية، والتعليب.

5.  ورق الطباعة والكتابة والتصوير.

6.  الكراسات المدرسية.

7.  ورق لف السجائر.

8.  ورق المناديل والمناشف الورقية.

9.  الأطباق والأوعية الورقية.

6.2.2. تراجع حضارة الورق (عالم دون ورق):

لقد ازداد الاتجاه لدى كثير من الإدارات والشركات نحو تقليص الاعتماد على الورق بل والتخلص منه كلية إذا أمكن وذلك تحت شعار مكاتب دون ورق Paperless Office، والاعتماد بدلا من الورق على الإمكانات الإلكترونية للاحتفاظ بالمعلومات والبيانات والوثائق بطريقة آمنة على أقراص مدمجة أو غير ذلك من الأساليب الإلكترونية الحديثة بدلا من الوثائق المكتوبة والمعرضة للفقد أو التدمير ونشوب الحرائق مع توفير مساحات في تلك الإدارات كانت تشغلها الملفات الورقية.

وهذا الاتجاه نفسه يتنامى الآن في مجال نشر الكتب والمجلات العلمية بعد أن سيطر تماما على الصحافة التي تنشر نسخة إلكترونية من أعدادها اليومية. وقد اتجه العديد من الكتاب والمؤلفين إلى نشر أعمالهم على الإنترنت بأنفسهم دون الحاجة إلى الالتجاء إلى ناشرين يتحكمون في عملية الطباعة والنشر والتوزيع على حساب أصحاب العمل علاوة على أن النشر الخاص فيه توفير للوقت ولا يتكلف كثيرا مع ضمان فرصة الانتشار الأوسع والوصول إلى قطاعات عريضة من القراء يصعب تحقيقها عن طريق النشر الورقي المعتاد. ويتزامن مع هذا النشاط في النشر من دون ورق ازدياد الميل إلى ما يمكن تسميته بالنشر الصوتي من خلال الكتاب المسموع الذي قد يسجله المؤلف بصوته، وبذلك يبدو نابضا بالحياة بشكل يعجز العمل الورقي عن تجسيده وذلك فضلا عن إمكان «قراءة» هذه الأعمال المسموعة أثناء الانشغال بأنشطة أخرى أو حتى أثناء الظلام (أبوزيد، 2011).

ولذا فقد يمكن تسمية المرحلة التي يمر بها المجتمع الإنساني الآن بالمرحلة ما بعد الورقية التي تمهد لقيام مرحلة جديدة بدأت بوادرها في الظهور بقوة، وهي المرحلة الرقمية التي لن تقضي على أية حال على استخدام الورق. فلا يزال الورق والكتابة هما الأداتين الرئيستين في تلك العملية التي تعتبر أساس وجوهر الحياة والعلاقات الإنسانية والتي تعطي المجتمع طابعه الإنساني المتميز عن مجتمعات الكائنات الحية الأخرى. فالمعروف أن تتابع المراحل الحضارية لا يعني قضاء المرحلة اللاحقة على المراحل السابقة تماما، إنما تتعايش المراحل بشكل أو بآخر مع غلبة طابع معين على غيره بحيث تكتسب الحضارة اسم ذلك الطابع نتيجة هيمنة وسيطرة ملامحه وعناصره على مختلف نواحي الحياة.


Last modified: Sunday, 13 April 2025, 2:30 PM