المحاضرة الثانية
الحملة الفرنسية على الجزائر
المصادر و المراجع التي يمكن للطلبة الرجوع إليها لمزيد من الإطلاع:
1. أحمد توفيق المدني : مذكرات الحاج الشرف الزهار،نقيب أشراف الجزائر،ش.و.ن.ت،الجزائر 1974 .
2. أبو القاسم سعد الله: الحركة الوطنية الجزائرية، الجزء الأول، الجزائر 1992.
3. صالح بن نبيلي فركوس :تاريخ الجزائر من ما قبل التاريخ الي غاية الاستقلال ،دار العلوم ،الجزائر ، 2005.
كيف بدأت الحملة الفرنسية علي الجزائر ؟
يصف لنا الحاج الشريف الزهار كيف بدأت الحملة الاستعمارية علي الجزائر، خاصة و أن الشريف الزهار كان معاصرا الأحداث حيث سجل الأحداث التالية :
" أرسل الباشا (الداعي حسين) للقنصل دوفال.. في قضية الدين(الديون)،و تكلم أيضا في قضية القالةعلي أن الفرنسيس احدثوا بها بناء ووضعوا بها مدافع (الباصطيون Bastion de France ) تحول الي قاعة عسكرية خلافا للاتفاقية التي تنص علي أن هذا الحصن لصيد المرجان و للتجارة ..فلما التقي القنصل مع الباشا و هنأ بالعيد ..سأله الباشا لماذا لم يجبني الملك ؟ فقال له القنصل مقالة الرأي (اي الملك لا يجيبك) ..فاغتاظ الباشا ( وكانت حادثة المروحة 27أفريل 1827)" .و هكذا بدأت فرنسا حصارها البحري انتقاما ،كما تدعي لشرف فرنسا ، فكيف ابتدأ؟
قبل كل بدأ الداي يشعر بالخطر و بدأ يعمل لتحصين العاصمة ، حيث يذكر الشريف الزهار قائلا:" ثم امر الباشا بتعمير الحصون و عين العسكر ، و أعطاهم الصناجق ، و عين العسة متاع الطوبجية (عسكر المدافع).. و سمعت (اي الشريف الزهار) رجلا من أتباع الآغا يقول أتي قنصل النابولطان يوما الي الآغا ، و قال له :إن عمارة الفرنسيس قادمة و ستنزل بسيدي فرج ، فلو جعلتم متارز في كل ربوة و عمرتموها بالمدافع... و وضعتم ألف عسكري علي كل متارز، فإذا نزل الفرنسيين في البر فإنه لا يستطيع أن يزيد عن موضعه. فضحك الآغا، و هو شهر الباشا ، و أجابه: إذا جاءت عمارة الفرنسيس و نزل جندها، فاقدم لكي تري كيف يقص العرب و القبائل رؤوس الفرنسيس ..."
ثم يسرد لنا الحاج الشريف الزهار كيف بدأ ظهور العمارة الفرنسية ، أي الحملة الفرنسية علي الجزائر، يقول :" وفي يوم السبت الحادي و العشرين من ذي الحجة ،سنة ١٢٤٥ه (1830م) ظهرت عمارة الفرنسيس و يوم الأحد، نزل عسكرهم بسيدي فرج...،و في الحقيقة ظهرت العمارة عشية الجمعة ،يو العشرين في الشهر ، و قدم الرايس أحمد بالجي وكيل ضريح سيدي فرج في الليل ، و أخبر الباشا بظهور بعض العمارة ، فقالوا له :إن ذلك سحاب ظهر في الأفق و من الغد رأينا كامل العمارة .
"ومع هذا كله ،و الباشا نائم، كأنه لم يكن له عنده عدو ، حتي أن العسكر الذين عنده خرجوا من محلة الشرق، و غير جميع النوبة التي في كل البلاد، و كتب له اليابان ليستنفروا له العسكر الذي عندهم ،و القوم ،فأجابهم بأن لا يستنفروا احدا الي الجزائر ،إنمايستنكرون الناس من أجل حراسة السواحل التي تليهم.
"ثم إن النصاري هاجموا موضع البرج ، و تمكنوا منه ، و أخذوا ما كان فيه من الأمتعة و غيرها من آلات الحرب و الدراهم التي اخرجوهامن تحت الردم. "
" و لما أخذهذا الحصن ، قوي ضرر أهل البلاد ، و أخذه أخذ البلد. ولما رأي الأمير ذلك ،بعث للطاغية و طلب الأمان لنفسه و اهله و ماله .فأجابوه لذلك. و طلب الأمان لأهل البلد في أنفسهم و أموالهم. و يسلمونه البلد دون قتال .فكتب لهم الجنرال دي بورمون كتاب الأمان في نفوسهم و أموالهم و مساكنهم و أمور دينهم ، و أن لا يتصرف في شيئ من أمورهم، إلا في الأمور المخزنية. و انه قبل الزوال يدخل بعسكره الي البلد ."
الحصار الفرنسي للجزائر:
أبعاده:
كانت قلة أدب القنصل الفرنسي مع الداي و لطمه بالمروحة كفيلة بضرب فرنسا حصارا ذو تأييد شبه عالمي علي الجزائر و منه يتحقق أبعادا أوروبية عامة و فرنسية خاصة يمكن تلخيصها كما يلي :
_ الإنتقام الأوروبي من الدولة العثمانية بعدما أصابها من الوهن ما أصابها و تقسيم ميراثها.
_ العمق الإستراتيجي الذي تتموقع عليه الجزائر و أهميته الطبيعية.
_ القضاء علي دار الجهاد و فتح باب جديد للكنيسة في إفريقيا عن طريق الجزائر.
الحصار البحري 1827م-1830م:
كان الحصار بعد شهر و نصف من رفض الداي حسين تقديم اعتذار رسمي للأسطول الفرنسي الراسي بساحل مدينة الجزائر وذلك بتاريخ 16جوان 1827م.بدورها قامت فرنسا بوضع شروط لقبول الاعتذار عبر مطالب تمس مكانة الداي حسين من بينها و ليس للحصر:
أولا- أن يذهب الداي حسين بنفسه إلى مقر القنصلية الفرنسية و يقدم اعتذارا رسميا للقنصل الفرنسي.
ثانيا- أن يرفرف على كل حصون مدينة الجزائر العلم الفرنسي و تطلق مائة طلقة مدفعية لتحيته.
ثالثا أن لا يتجاوز أجل قبول هذه المطالب أربعة و عشرين ساعة فقط، حتى يتمكن قادة الأسطول الفرنسي من إرغام حكومة الداي على قبول تلك الشروط القاسية و المذلة، و يحولون دون أي استعداد حربي معاد لفرنسا.
الإنزال البحري وبداية الحملة:
لم تكن الحملة الفرنسية بقيادة "بورمون " لحمل الداي علي الاعتذار بل الاستسلام ، رغم أن الداي حسين كان في اعتقاده أنه إذا ارسل طلبا للصلح و الاعتذار في شكل امتيازات مالية و مسحا للديون سينتهي بورمون قائد الحملة و يعود أدراجه إلي وطنه ، لكن الأمر كان محسوما بالنسبة للفرنسيين في تجهزهم للحملة فقد احتوي الأسطول علي 103سفينة حربية و سفن أخري ، تمكن الفرنسيون خلالها في 14جوان 1830م من الإنزال و الاستلاء على سيدي فرج متتبعين في ذلك نصائح المهندس بوتان .
سقطت الجزائر العاصمة دون أدني مقاومة في يدي الغزو الاستعماري و وقّع الداي وثيقة الاستسلام التي تضمنت الشروط التالية:
1- تسليم القلاع و حصون العاصمة و أبوابها و الميناء صبيحة الخامس يوليو.
2- يتعهد بحفظ حياة الدّاي و ممتلكاته الشخصية.
3- يخير الداي بعد ذلك بأن يسافر صحبة أمواله إلى المكان الذي يختاره و بين أن يبقى في المدينة مع أسرته في حماية القائد العام أو أن يرحل و بمن معه.
4- كل الجنود الأتراك يتمتعون بنفس الحقوق و الحماية.
5- إقامة الشعائر المحمدية تكون حرة و لا يقع أي مساس بالحقوق و بحربة السكان من مختلف الطبقات ولا بدينهم و لا بأملاكهم و لا بتجارتهم و صناعتهم و تحترم نساؤهم ، و القائد العام يتعهد بذلك عهد الشرف.
6- يقع تبادل هذه الوثيقة ممضاة يوم 5 يوليو قبل الساعة العاشرة صباحا و في الحال يتسلم الجنود الفرنسيون القصبة و قلاع المدينة الأخرى.
" وفي غضون أيام تحولت الحملة إلى احتلال. وتحولت تأديب الداي حسين باشا، إلى تأديب شعب وأرض، وأطلقوا منذئذ على العمليات إسما جديدا هو التهدئة (Pacification)، وتحول الانتقام من "الترك المستبدين الغرباء" إلى انتقام من صاحب الدار نفسه لأنه عربي ولأنه مسلم ولأنه رفع سلاح المقاومة في وجه الاحتلال، وأخيرا تحول المحررون إلى غزاة نقلوا حربهم من مدينة الجزائر إلى مختلف أنحاء القطر شرقا وغربا وجنوبا. وقد شمل هذا الغزو الإنسان والأرض والثقافة والدين .
لقد تهافت الجيش الفرنسي بكل شراسة لنهب ثروات البلاد و الأموال التي كانت بالخزينة ،حيث قدّر الفرنسيون قيمة هذه الموال كالتالي(1):
- ذهب و فضة و جواهر: 48.684.527 فرنكا.
- صوف و بضائع أخرى: 3.000.000 فرنكا
- قيمة مدافع أرسلت إلى فرنسا: 4.000.000 فرنكا
"لقد امتلكت الحكومة التركية في الجزائر عددًا كبيرًا من المنازل ، وكذا العديد من المجالات لكن بقت عناوين للملكية اسمية فقط لتختفي مع النظام العالمي القديم. ولأن الإدارة الفرنسية لم تكن لها أي ملكية قط وليس لديها الحق في الحيازة الشرعية للمهزومين ،قد افتقرت إلى كل شيء أو فكرت نفسها مقللة في الاستيلاء العشوائي على ما تحتاجه ، في تحد للقانون و الحقوق" .
إن المحاولات الاستعمارية الفرنسية لغزو الجزائر لم تكن وليدة اليوم أو الأمس بل كانت منذ القرن السادس عشر ولم تكن لتحقق احتلالها لولا استسلام الداي حسين الذي اذعن لأعيان العاصمة و شيوخها لما استشارهم في أمره و قبلوه. ليبدأ الاحتلال الفرنسي تنفيذ مشروعه الاستعماري الممنهج في هذا العمق الإستراتيجي الذي لطالما كانت الكنيسة تحلم به لنشر كفرها و الحادها في أرض الإسلام ويضرب باتفاق الداى عرض الحائط في حفظ الأرواح والأعراف والأملاك.
- Enseignant: YASSER FERKOUS