المحاضرة الثالثة

المقاومة الشعبية وظهور الزعامات


     

قبل كل شئ يطلب من الطالب الرجوع الي المصادر و المراجع التالية: 

1. شارل هنري تشرشل : حياة الأمير عبد القادر ،ترجمة ابو القاسم سعد الله ،د.م.ج،الجزائر2004.

2. يحي بو عزيز: الموجز في تاريخ الجزائر، الأجزاء الثلاثة ، د.م.ج،الجزائر. 1992.

3. يحي بو عزيز : الأمير عبد القادر رائد الكفاح الجزائري ،دار الكتاب الجزائري 1964.

4. أديب حرب:التاريخ العسكري و الإداري للأميرعبد القادر الجزائري ، ج1وج2، دار الكتاب، الجزائر 2004.

5. صالح فركوس :تاريخ جهاد الأمة الجزائرية للاحتلال الفرنسي (1830-1962)،د.م.ج،الجزائر 2007

6. صالح فركوس :الحاج أحمد باي قسنطينة، د.م.ج،الجزائر 2007.


بداية المقاومة :

 المقاومة الشعبية الأولي :


 لما سقطت العاصمة في يد العدو،تشكلت قوات ريفية عفوية  وأخذت موقعها حول العاصمة، مصممة على أن لا تترك العدو يخرج من المدينة نحو اليابسة. في حصار مميت  داخل  المدينة. وهكذا نظمت المقاومة الريفية التلقائية محاصرة العدو من كل الجهات إلا من جهة البحر. فأخذ الجوع ينهشه وارتفعت أسعار المواد الغدائية إلى درجة مخيفة، وراح أعيان المدينة يهربون منها إلى مزارعهم بالريف، نفد زاد الفرنسيين ولكن خضر وألبان ولحوم متيجة لم تدخل المدينة واشتاقوا قطعة اللحم فلم يجدوها إلا في القطط الهائمة من حولهم. وأخذ المرض واليأس يقضيان مضاجعهم.


المقاومة الشعبية الثانية :

ماكان للمحتل أن يظل مكتوف الأيدي  لذا عمل علي توسيع نطاق عملياته العسكرية محاولا في ذلك بسط سلطانه على كامل التراب الجزائري بدءا بمدن الساحل ثم المناطق الداخلية، بالمقابل كان الجزائريون آخذين الأمر علي محمل الجد من خلال شيوخهم و زعماء قبائلهم في التصدي لهذا الزحف الصليبي الغاشم مشكلين في ذلك مجموعات لمقاومة هذا الخطر و من أولئك الشيوخ و الزعماء نذكر منهم كلا من : الحاج محمد بن زعموم ، الحسين بن زعموم ، الشيخ محي الدين والد الأمير عبد القادر ،.. وغيرهم .

مقاومة الحاج محمد بن زعموم 

يعد ابن زعموم من هؤلاء القادة البارزين الذين تزعموا المقاومة من بداية الاحتلال  1830 م. وكان ابن زعموم  قائدا لقبيلة فليسة بالرغم من عمره المتقدم  (حوالي 70 سنة) عندما غزا الفرنسيون الجزائر، وكان له ابنان، الحسين وحمدان، لعبا أيضا دورا في الأحداث التي نذكرها. وكان يمتاز بالأناة واستشارة غيره فيما يزعم عليه. ويبدو أنه كانت له يد طولي على غيره من قواد الأوطان الأخرى، و من ثمة سوء التفاهم مع بعضهم أحيانا في حالة السلم أمثال بلقاسم أوقاسي قائد سيباو. كما أننا لا ندري ولاء أو تبعية الحاج ابن زعموم لبايات التيطري، خصوصا بعد سقوط العاصمة ومناداة الباي مصطفى بومزراق بالحرب ضد الفرنسيين. وعلى كل حال فقد كن موقف ابن زعموم في أول الأمر واضحا، وهو بقاء الفرنسيين في المدينة وترك أهل الريف في أوطانهم دون تدخل في شؤونهم. ويلتزم الطرفان بذلك في معاهدة رسمية قبل قك الحصار، ولكن الفرنسيين استكثروا هذا واعتمدوا على قواتهم في فك الحصار بدل المعاهدة أو الإتفاق .

عملت قيادات الريف بخروج بورمون نحو البليدة. فاجتمعوا في مؤتمر واحد في البرج البحري يوم 23 يوليو 1830 ( وهو نفس اليوم الذي خرج فيه بورمون)، وهو الاجتماع الذي حصره قواد الأوطان والقبائل العديدة في المنطقة. وبعد القاء الكلمات وابداء الآراء تقرر اعلان الحرب على العدو وعدم تركه يخترق أرضهم ويهين كرامة وطنهم، وكان الحاج ابن زعموم حاضرا للإجتماع، ونتج عن ذلك الإجتماع أيضا ارتفاع الروح المعنوية وعودة الأمل بالتحرير حتى وصلت الأخبار بذلك إلى العاصمة المحتلة، فاعتزت وسادها الذعر لدى الفرنسيين والأمل والترقب لدى الجزائريين، وتنفيذا لمقررات الآجتماع المذكور هاجمت القوات الريفية جيش بورمون أثناء عودته الفاشلة من البليدة واستمرت في مقاتلتها إلى أن جن الليل وحتى مشارف العاصمة، وكان ذلك درسا للفرنسيين الذين لم يعاودا الخروج من العاصمة إلا في عهد كلوزيل .

مقاومة الحسين بن زعموم :

حاول كلوزيل القيام بشبه حملة على بليدة والمدية، خلال نوفمبر 1830، ولكن عاقبتها كانت وخيمة، كما عرفنا.فقد كانت القوات الشعبية في حوالي سبعة آلف محارب من جميع الأوطان (فليسة، الخنشة، بني موسى، بني مسرة، بني خليل، إلخ.) تحت قيادة الحسين بن زعموم وكانت مدفوعة بروح الجهاد التي بثها فيها الحاج السعدي، فهاجمت ( قرب بوفاريك) الخمسين مدفعيا الذين أرسلهم كلوزيل لجلب الذخيرة من العاصمة وقضت عليهم، ثم هاجم الثوار حامية البليدة الفرنسية.


وتكررت المعارك بين القوات الشعبية والفرنسيين بين العاصمة وجبال الأطلس. وتوجدت جهود القيادات الواقعة في الجبهة الشرقية من متيجة على الخصوص، وقطعوا الطريق على الامتدادات الفرنسية للحماية التي تركوها في المدية مع الباي الجديد مصطفى بن الحاج عمر. وعادت البليدة إلى أحضان المقاومين، وانحشرت خليفة كلوزيل (وهوبيتزين) وجنده من جديد داخل اسوار العاصمة، إذ ضيقت عليه المقاومة الخناق عندما هاجمت المشروع الزراعي حتى قتلت المزارعين (هم جنود) وجعلت الباقين منهم يفرون كالأرانب من المزرعة النموذجية (فيرم موديل) التي أنشأها كلوزيل بالقرب من وادي الحراش لتجربة الاستعمار. وانتشر الرعب والأمل من جديد في العاصمة، ودعم ذلك قوات إذافية جاء بها أحمد بن مصطفى بومرزاق الذي قام يدافع عن حقه في تركة والده، الباي السابق للتيطري. وقد نزل بها قرب بوفاريك، ثم تقدم بها نحو الفحص (ضواحي العاصمة). وفي منتصف يوليو 1831 عبرت القوات الشعبية بقيادة ابن زعموم (الإبن) وادي الحراش وهاجمت المزرعة النموذجية من جديد وأحرقت المحصول الذي طالما حلم كلوزيل بجنيه وأكله فإذا هو هباء تذروه الرياح، وهددت الحاميات الأمامية التي كان الفرنسيين قد نصبوها دفاعا عن المدنية المحتلة. وقد خرج إليهم بيرتزين بنفسه على رأس قوة من ثلاثة آلاف جندي. فتراجعوا قليلا، لكن في اليوم الموالي هاجمت الفرق المتجمعة في بوفاريك والتي كان يدعمها الحاج السعدي، هاجمت المزرعة النموذجية من جديد، إلى أن خرج بيرتزين لمحاربتها مرة أخرى. 

وأمام هذا الوضع الذي أصبح لا يطاق لبرتزين، استجاب للرأي الذي يقول: " ابقوا حيث انتم  ونبقى حيث نحن "، وإلا فالحرب بيننا لن تنقطع، إلى أن تعودوا من حيث جئتم. قبل الجنرال الفرنسي بذلك المبدأ وجرت مفاوضات بينه وبين أعيان المدينة فنصحوه بأن الشخص الذي يقدر على أن يكون وسيطا بين أهل الريف المجاور وقوات الاحتال هو الحاج محي الدين بن مبارك، الذي كان يتمتع لدى أهل الريف بسمعة مؤثرة ويثقون فيه لكمانته الدينية إذ هو من صنف المرابطين وشيخ زاوية عريقة في القليعة، وقد قبل الشيخ محي الدين يهذه الوظيفة التي رأى فيها حفظا لمصالح قومه وابعاد العدو عن الداخل، وكان ذلك في شهر يوليو 1831، وتلقب بلقب (آغا العرب)، الذي كان في عهد العثماني تخضع إليه القيادات الريفيةكما عرفنا. وبذلك توقفت الحرب إلى حين .

وطالما بقي بيرتزين الذي يتهمه قومه بالضفع والخور لقبوله بذلك الاتفاق، كان سهل متيجة في عافية حذرة. فقد كان على الفرنسيين أن لا  يغادروا العاصمة، ولكن أسواقها ونجارتها من الداخل مضمونة، والأمن العام محفوظ، ولكن مجيء روفيقو بخططه البوليسية وغطرسته قلب الأوضاع وعل المقاومة الريفية تعود إلى الدفاع عن المبادئ التي قررتها في اجتماع البرج البحري ، وهو قطع طرق الداخل أمام العدو ومحاصرته في المدينة وتجويعه إلى أن يعود إلى بلاده أو يموت حتف ظلفه، وكان الشيخ محي الدين (آغا العرب) من أول الضحايا لهذا العهد، فقد كان روفيقو يريده عميلا يشي بقومه ويسهل مهمة الجيش الغازي لعبور  سهل متيجة إلى البليدة والمدية وما وراءها. ولكن الشيخ أبى ألا التمسك بالاتفاق من بيرتزين، ودافع عن ذلك على أساس أن فيه مصلحة الطرفين، وعندما لم تجد التوضيحات، اتهمه روفيقو بالتواطؤ مع القوات الشعبية التي عاودت اعتراض طريق جيش العدو الذي كان يحاول فك الحصار. 

مقاومة الحاج علي السعدي ومحمد بن زعموم والحاج محي الدين:

الحاج علي السعدي هو حفيد سيدي السعدي دفين مدينة الجزائر سنة 1710، وكانت زاويتهم في جهة ضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي اليوم. وهي الزاوية التي هدمها الفرنسيون وكانت للحاج السعدي علاقات برجال الدين في الجزائر، مثل سيدي علي بن موسى، مرابط المعاتقة، الذي كان يكن له احتراما كبيرا وقام الحاج السعدي بأداء فريضة الحج سنة 1827، وعرف عن الحصار الفرنسي للجزائر، وهو في الطريق، فبقي في الاسكندرية برهة من الوقت واغتنم الفرصة فتجول في المشرق الاسلامي حوالي سنتين، وعرج على ليفورنيا (ايطاليا) والتقى فيها بالداي حسين باشا فبل أن يعود إلى الجزائر عن طريق البحر .

منذ رجوعه إلى الجزائر تزعم الحاج السعدي جبهة المقاومة. فقد وجد أعيان الجزائر قد ركنوا إلى الصلح منتظرين احترام المواثيق وجلاء الفرنسيين بعد أن يسلموا إليهم مفاتيح البلاد من أيدي الترك ! فأخذ الحاج السعدي أولا يتصل بكل من له استعداد للمقاومة، وحرضهم على جمع الشمل، ثم خرج إلى الريف فوجد الاستعدادات أكثر، والطاعة أقرب، إذ هو من رجال الدين وهم يثقون في هؤلاء، خصوصا وقد كان رجلا متعلما ويمتاز بالذكاء الحاد وحب الجهاد، وكانت له سمعته كبيرة في الورع والتقوى، وقد زاده الحج صيتا وسمعة اشترى الحاج السعدي حصانا وأخذ يطوف به سهل متيجة ويتصل بأصدقائه رجال الزوايا  .

أذ يتصل بأهل النواحي الشرقية (الرغاية، بودواو، سباو، يسر) بالإضافة إلى بني خلفون والمعاتقة وفليسة. اجتمع شخصيا بزعيم هذه القبيلة، الحاج محمد بن زعموم المشار إليه، وتواعدا على الجهاد وتنسيق الجهود، وذلك في العاشر من يوليو 1831. وبفضل هذا التنسيق تمكن المجاهدون المنطلقون من سيدي الرزين عن يمين وادي الحراش من الهجوم المذكور على النموذجية وطرد وقتل معمريها وإحراق محصولها في نفس الشهر، وتهديد العاصمة، وبفضل ذلك التنسيق انطلقت الموجة الثانية من الهجوم من بوفاريك في النصف الثاني من شهر المذكور. فالحاج السعدي إذن كان عندئذ هو الضمير المحرك خلال هذه الهجومات، وكان أيضا وراء الهجومات الناجحة على فرقة بورمون التي تجرأت على التوجه إلى البليدة (يوليو 1830) وحملة كلوزيل (نوفمبر 1830) على المدية والبليدة التي انتهت بالفشل الذريع .

وبعد مذبحة العوفية (أبريل 1832) إستئنف القتال ضد العدو، فكان الحاج السعدي على رأس المجاهدين روحيا والحاج محمد بن زعوم قتاليا (بواسطة ابنه الحسين، كما ذكرنا، لكبره هو ومرضه). وكان الاثنان على صلة وطيدة مع الحاج محي الدين آغا العرب. وهكذا استطاع الحاج السعدي بالخصوص أن يجلب الحاج محي الدين إلى صف المجاهدين وأن يجعله يرمي بأوسمة الفرنسيين وقفطانهم ويتقلد سيف الجهاد ضدهم. وأول معركة خاضها المجاهدون هي معركة زاوية محمد التوري (قرب العوفية في مفترق الطرق بين الفندق والعلمة – بودواو ؟ )، وهي المعركة التي قتل فيها 57 جنديا مرتزقا (من اللفيف الآجنبي) ولم ينج من الفرقة كلها سوى ألماني اعتنق الإسلام وسماه الناس أحمد المشهد. وعندما أراد الفرنسيين الانتقام أرسلوا قطعة بحرية نحو يّسر ولكنهم عادوا منهزمين بعد أن أمطرهم الأهالي هناك بالرصاص. 

ثم كان اجتماع القيادة الجديد في شهر سبتمبر 1832. وهو الاجتماع التاريخي الذي وقع في (سوق علي) بالقرب من بوفاريك ،الذي أدى إلى جمع الكلمة وتكوين قوة كبيرة من المجاهدين انطلقت ضد العدو وبقيادة ابن زعموم أيضا. وخرجت القوات الفرنسية لتفريق هذا التجمع الوطني، ولكن المجاهدين نصبوا لها كمينا في المكان المسمى (المرابط سيدي عيد) حيث فاجأوها وقتلوا منها وأصابها الذعر والخوف والفوضى لولا نجدة أعادت إليها أنفسها، وذلك يوم الثاني من أكتوبر 1832. وفي اليوم التالي عاود المجاهدون الكرة على العدو وأجبروه على التقهقر، ودخول العاصمة والانحشار فيها. وكانت الهزائم العسكرية هي السبب في جعل روفيقو يتوقف عن حملات القتال ويلجأ إلى حملات الإرهاب في المدينة حيث وجه انتقامه ضد أعيانها .

مقاومة الشيخ محي الدين والد الأمير عبد القادر: 


عمت الفوضى  كامل الساحل  الجزائري محاولة في ذلك فرنسا أن تحكم قبضتها بدءا بالمدن الساحلية إلي المناطق الهضابية الاخري، ففي شهر افريل عبد اجتماع في ضواحي معسكر حضره زعماء قبائل بني هاشم ،بني عامر و البرجية تقرر بموجبه إسناد القيادة إلي محي الدين لمحاربة الفرنسيين و إخراجهم من مدن البايلك الغربي . عاجز في نفس الشهر محي الدين سرية استطلاع فرنسية ليحق بها خسائر. ثم أخذ الشيخ بالتعبئة بين الجزائر و وهران ليصل عدد المجاهدين إلي حوالي 3آلاف مجاهد.