Section outline
-
جامعة 8 ماي 1945 قالمة
كلية الحقوق والعلوم السياسية
قسم العلوم السياسية
السنة الثانية ليسانس السداسي الرابع
مادة : الجغرافيا السياسية
المحاضرة الأولى: التعريف بالجغرافيا
الجغرافيا علم الموقع ومظاهر سطح الأرض (التضاريس) وتوزيع الكائنات الحية (الإنسان والنباتات والحيوان) على اليابسة وفي أعماق المياه. ويدرس الجغرافيون الأماكن التي يوجد فيها كل من الإنسان والحيوانات والنباتات وعلاقاتها بالأنهار والصحاري والجبال وغيرها من مظاهر السطح، كما يدرس الجغرافيون أيضًا أماكن وجود الجبال والأنهار والصحاري وغيرها من مظاهر السطح، وكيف وجدت هناك، ومدى أهمية موقعها. كلمة جغرافيا مشتقة من الأصل اليوناني جيوغرافيا. وتعني وصف الأرض.
يبحث الجغرافيون عن الأسباب الكامنة وراء حدوث الظواهر الجغرافية على سطح الأرض. فهم على سبيل المثال قد يقومون بدراسة الزوابع الرّمليه وأسباب حدوثها، أو قد يحاولون اكتشاف الأسباب التي تؤدي إلى فيضان بعض الأنهار أكثر من غيرها. كما يبحث الجغرافيون أيضًا في أنماط النشاط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للإنسان؛ ويحاولون استنباط الأسباب التي من أجلها وجدت هذه الأنماط. مثال ذلك ما يقوم به الجغرافيون من تحليل لمواقع المدن في كافة أنحاء العالم. كما أنهم يحددون الصلة بين هذه المواقع وبين المناخ والتضاريس وغيرها من العوامل الأخرى.
يهدف الجغرافيون إلى معرفة الأسباب التي أدت الى تكوّن مظاهر سطح الأرض وتغيرها. ولهذا السبب فهم يدرسون المناخ والتغيرات التي تسببها بعض العوامل الطبيعية مثل: الرياح والماء، كما أنهم يهتمون بمعرفة التغييرات التي يحدثها الإنسان في سطح الأرض وكيف يتم ذلك. فَهُم على سبيل المثال، قد يحللون مدى تأثير التوسع الذي يطرأ على مدينة ما، على نهر مجاور. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الجغرافيين يفحصون الطرق التي بها يتغير سطح الأرض بمرور الزمن. فقد يدرسون كيفية نمو مدينة ما، أو كيف كان يبدو وادي نهر ما، قبل مئات السنين.
يستخدم الجغرافيون البيانات التي يستقونها من أهل العلم في شتى حقول المعرفة الأخرى التي تشمل: الجيولوجيا، وعلم الأحياء، وعلم الإنسان، وعلم الاقتصاد، والفيزياء، وعلم الاجتماع. فهم يمزجون هذه المادة بالبيانات التي يتوصلون إليها في أبحاثهم الخاصة للرد على التساؤلات التي تُثار حول سطح الأرض. وغالبًا ما يدوِّنون نتائج أبحاثهم على الخرائط التي يستخدمونها أداة أساسية لهم. ويعتمد الجغرافيون أيضًا على وسائل أخرى لجمع معلوماتهم مثل الرحلات وإجراء المقابلات واستخدام الإحصاءات.
ماذا يدرس الجغرافيون ؟:
تطرح الجغرافيا أربعة تساؤلات رئيسية تتعلق بما يلي:
1-الموقع: 2-العلاقات المكانية 3-الخصائص الإقليمية 4-العوامل التي تغيِّر سطح الأرض.
الموقع. تتمثل إحدى المهام الرئيسية للجغرافيين في تحديد وتسجيل موقع الأماكن، والمظاهر الأرضية، والسكان، والأنشطة البشرية، ولتحقيق ذلك، فقد قسم الجغرافيون سطح الأرض إلى خطوط وهمية أطلقوا عليها اسم خطوط الطول (الزوال) وخطوط أو دوائر العرض. وتتقاطع هذه الخطوط في زوايا قائمة تشكل شبكة، ويحدد الجغرافيون مواقع هذه المظاهر بوساطة عملية قياسية رياضية تعرف باسم المساحة، وتنقل هذه البيانات إلى الخريطة التي ترسم عليها هذه الشبكة. وبهذا يتمكن الجغرافيون من التحقق من أي موقع على سطح الأرض أو التعرف عليه.
العلاقات المكانية: هي العلاقات التي تنشأ بين الأماكن والمظاهر الأرضية والمجموعات البشرية نتيجة لموقعها. وقد تكتسب العلاقات المكانية أهمية في تطور مكان ما، والأنشطة التي يزاولها سكانه. ومثال ذلك نمو الكثير من المدن الصناعية على طول طرق المواصلات المهمة أكثر من نموها بالقرب من مناطق الترسبات المعدنية الغنية.
يكتفي القليل من الناس بمعرفة موقع ما فحسب. بينما يبغي الكثيرون التعرف على خصائصه، كما أن الغالبية منهم تؤثر معرفة صنوف الناس الذين عاشوا فيه، وكيف يبنون مدنهم، وكيف يستغلون أرضهم. وهم يبغون أيضًا معرفة مظاهر سطح الأرض والمناخ، وأنواع الحيوانات والنباتات التي توجد هناك.
تتغير القشرة الأرضية باستمرار. كما تحدث الأنشطة البشرية بعض التغيرات. ومثال ذلك انتقال الناس من مكان إلى آخر وبناء أماكن جديدة للسكنى على الأرض التي كانت يومًا ما أرضًا زراعية. وهناك بعض تغيرات ناتجة من قوى الطبيعة مثال التعرية المائية التي تؤدي إلى نشأة الأودية، أو تيارات المحيطات التي تغير خط الساحل. وأحياناً تتحد الأنشطة البشرية مع العمليات الطبيعية لتحدث تغيرات في القشرة الأرضية، وعلى سبيل المثال فقد توسعت الصحراء الكبرى في شمالي إفريقيا جزئيًا، بسبب جنوح المزارعين إلى رعي مواشيهم بشكل مكثف في مناطق الأعشاب المجاورة لإقليم الساحل. كما يرجع هذا التوسع أيضاً إلى سنوات الجفاف الحاد الذي تعرضت له الصحراء في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين. فالجغرافيون يدرسون مثل هذه العمليات، لكي يكتشفوا كيف تطور الشكل الظاهري للأرض في الماضي، وللوقوف على كيفية التغيير الذي قد يطرأ مستقبلاً.
أقسام الجغرافيا
ينظم الجغرافيون دراستهم للأرض وفق طرق أو مناهج شتى، حيث يقسمون علمهم هذا إلى الجغرافيا الإقليمية، والجغرافيا الموضوعية. وقد يصنفون فروع الجغرافية حسب ما تتناوله هذه الفروع من موضوعات ذات صلة بالبيئة الطبيعية أو النشاط البشري.
الجغرافيا الإقليمية والجغرافيا الموضوعية: تتناول الجغرافيا الإقليمية بالدراسة كل أو معظم العناصر الجغرافية لمنطقة، أو إقليم، مجتمعة، من حيث تأثيرها على بعضها بعضًا، بغرض إبراز خصائص ذلك الإقليم أو شخصيته. ومثال ذلك ما يقوم به الجغرافيون الذين يدرسون طبيعة إقليم الخليج العربي من حيث مناخه وتكوين أرضه وموارده الطبيعية. كما أنهم أيضًا يدرسون سكانه وشؤونهم الدينية واللغوية وتقسيماته السياسية.
أما الجغرافيا الموضوعية فتركز على دراسة مظهر واحد من مظاهر الأرض أو نشاط بشري وتوزيعه على سطح الأرض كله. فأنماط نوعية التربة وأنماط النقل بالطرق الحديدية على نطاق العالم تُعَدُّ مثالاً للمنهج الموضوعي في الدراسات الجغرافية.
هي التي تهتم بمواقع المظاهر الأرضية مثل: اليابسة، والماء، والمناخ وعلاقة كل منها بالآخر وبالأنشطة البشرية، وبتلك القوى التي تؤدي إلى إيجادها وتغييرها.
تشمل الجغرافيا الطبيعية الجيومورفولوجيا (دراسة أشكال سطح الأرض)، وعلم المناخ، والجغرافيا الحيوية، وعلم المحيطات، وجغرافيا التربة.
الجيومورفولوجيا: هي دراسة أشكال سطح الأرض، بما في ذلك توزيعها وأصولها (أي نشأتها)، والقوى التي تحدث تغييرات فيها. فالباحثون في هذه الظواهر يدرسون أين تحدث الانهيارات الجليدية والزلازل وكيف يتحرك الركام الجليدي. ويدرسون العلاقة بين أشكال سطح الأرض والأنشطة البشرية.
علم المناخ: يركز هذا العلم على دراسة أنماط المناخ. ويدرس الباحثون في المناخ بعض العوامل المناخية مثل درجة الحرارة والأمطار والرطوبة، كما يدرسون أيضاً كيفية التغيرات المناخية ومدى تأثرها بالنشاط البشري.
الجغرافيا الحيوية: ويتكون هذا العلم من الجغرافيا النباتية والجغرافيا الحيوانية:
يدرس الباحثون في الجغرافيا النباتية أنماط نمو النباتات، وكيف تؤثر التغييرات في كل من المناخ والتربة والنشاط البشري في هذه الأنماط، ويطلق على الجغرافيا النباتية أيضًا اسم فيتوغرافيا.
يدرس الباحثون في الجغرافيا الحيوانية الأسباب التي أدت إلى توسع حياة حيوانات معينة في إقليم ما دون غيره، كما يدققون البحث في هجرات الحيوانات والعوامل التي تؤثر في تحركاتها.
علم المحيطات. ويشمل دراسة تيارات المحيطات المائية والأمواج وحركة المد والجزر. والمتخصصون في هذا العلم يبحثون أيضًا في جغرافيا قيعان المحيطات.
جغرافيا التربة: تتناول توزيع الأنواع المختلفة من التربة في جميع أنحاء العالم، ويدرس الباحثون في جغرافيا التربة كيف يؤثر اختلاف أنواع التربة، على نوع وكمية المحاصيل التي تنتج في منطقة ما، وكيف تتأثر التربة الزراعية بطرق الزراعة المستخدمة في كل منطقة.
يركز هذا العلم على دراسة أنماط النشاط البشري وأوجه صلتها بالبيئة. وتشمل الميادين المتخصصة في الجغرافيا البشرية كُلاً من الجغرافيا الحضارية، وجغرافيا السكان، والجغرافيا الاجتماعية وجغرافيا المدن، والجغرافيا الاقتصادية، والجغرافيا السياسية، والجغرافيا التاريخية.
01- الجغرافيا الحضارية: تدرس موقع وانتشار المعتقدات والعادات وغيرها من الخصائص الحضارية، فقد يدرس الباحثون في الجغرافيا الحضارية على سبيل المثال انتشار مجموعة من المعتقدات الدينية. أو قد يفحصون كيفية تغير جزء من الرقعة الأرضية نتيجة ممارسات حضارية من قبل السكان الذين يعيشون فيها.
02- جغرافيا السكان: وهي التي تهتم بدراسة أنماط السكان والأسباب التي أدت إلى تغير هذه الأنماط. ويتطرق الباحثون في جغر افيا السكان إلى معرفة معدل المواليد والوفيات والتحركات السكانية وحجم الأسر وغيرها من البيانات الإحصائية ذات الصلة.
03- الجغرافيا الاجتماعية: هي التي تبحث في العلاقات بين المجموعات البشرية. ويحاول الباحثون في الجغرافيا الاجتماعية تحليل كيفية تأثير هذه العلاقات الاجتماعية في الأماكن التي يعيشون ويعملون ويتنزهون فيها.
04- جغرافيا المدن: تهتم بدراسة المدن وغيرها من المناطق الحضرية. ويفحص الباحثون في الجغرافيا المدنية كيف أن الموقع قد يكون ذا أهمية في تطور المدن. كما قد يبحثون في الأماكن التي تعيش فيها الجماعات المختلفة في مدينة ما، أو الأسباب التي أدت إلى نمو الأحياء الفقيرة إلى ما آلت إليه.
05- الجغرافيا الاقتصادية: تهتم بدراسة الموقع وتوزيع الأنشطة الاقتصادية مثل: التعدين والصناعة والزراعة. ويدرس الباحثون في الجغرافيا الاقتصادية العلاقات المكانية والبيئية والعوامل البشرية التي تؤثر في تطور ونمو مثل هذه الأنشطة. وتشمل هذه العوامل: المواصلات والقوى العاملة والمناخ وموارد الثروة.
06-الجغرافيا السياسية: وهي تبحث في الطرق التي يسلكها الناس في الأماكن المختلفة، فيما يقررون أو يكسبون أو يستخدمون السُلطة داخل نظام سياسي. ويدرس الباحثون في الجغرافيا السياسية موضوعات مختلفة مثل التغيرات في الحدود السياسية، ومشكلات التقلبات السياسية، وطرق الاقتراع.
07-الجغرافيا التاريخية: تدرس كيف كانت الأماكن في الماضي، ويتطرق الباحثون إلى ما طرأ على الأماكن وأنماط النشاط البشري من تغير على مدى الزمن، والعوامل الجغرافيّة التي سببت هذه التغيرات.
كيف يعمل الجغرافيون؟
يستخدم علماء الجغرافيا طرقاً أو مفاهيم بحث متخصصة في دراسة المظاهر الأرضية والأنشطة البشرية. وتتضمن هذه الطرق: 1-الدراسة الميدانية 2-رسم الخرائط 3-إجراء المقابلات 4-الطرق الكمية 5-استخدام الأجهزة العلمية.
اعتمد الناس منذ أزمنة بعيدة على الملاحظة المباشرة وسيلة للتعرف على سطح الأرض، والأنماط الناتجة عن النشاط البشري. وقد ظلت الملاحظة المباشرة طريقة مهمة للبحث عند الجغرافيين حتى يومنا هذا، فهم غالبا ما يسافرون إلى منطقة ما للإجابة عن أسئلة خاصة بهذه المنطقة، أو لمعرفة العلاقات الجغرافيّة غير المألوفة. ولنضرب لذلك مثلاً، فقد يدرس الجغرافيون مظهر منطقة ما، إذ أن ذلك يساعدهم على تصميم المباني الجديدة أو المتنزهات، أو قد يلاحظون رقعة زراعية تعاني من التآكل.
هو أحد الأنشطة الأساسية للجغرافي. إذ يمكن إظهار الكثير من جوانب البحث الجغرافي على الخرائط، وقد يختار الجغرافيون بعض المعلومات المعقدة عن رقعة ما، ويقدمونها لنا بشكل مبسط على الخريطة، وبهذه الطريقة يتمكنون بسهولة من وصف الموقع والخصائص وأنماط العناصر الجغرافيا. ويطلق على الجغرافيين الذين يتخصصون في تصميم هذه الخرائط اسم كارتوجرافيين، أي فنانين في رسم الخرائط الجغرافيا.
إن بعض الأسئلة التي يطرحها الجغرافيون، لا يمكن الإجابة عنها بوساطة الملاحظة وحدها. وأحيانًا يريد الجغرافيون دراسة مواقف الناس ووجهة نظرهم تجاه أماكن معينة، أو مدى تأثر الأماكن المجاورة لهم بمعتقداتهم وأنشطتهم، وهم يحصلون على هذه المعلومات من استبانة مجموعات من الناس. وقد جرت العادة على أن الباحثين لا يجرون المقابلة مع المجموعة برمتها، بل يجرون مقابلاتهم مع جزء من المجموعة ينتقى علميًا، ليمثل المجموعة بأكملها. ويطلق على هذه العملية عملية انتقاء الأفراد من رقعة ما تُعرف باسم العينة المكانية.
غالبًا ما يفحص الجغرافيون نتائج أبحاثهم بالحاسوب، وذلك باستعمال الطرق الرياضية والإحصائية الكمية. وتمكنهم هذه الطرق من تبسيط المعلومات المعقدة، وذلك لتقديمها في شكل يسهل فهمه. وتساعد هذه الطرق الكمية الجغرافيين على إيجاد أنماط في العناصر الجغرافية، كما أنها تحدد أي العوامل تؤثر في عنصر بعينه وبطريقة مباشرة. ويمكن رسم الخرائط أيضًا بوساطة الحاسوب.
هو إجراء ضروري في الكثير من الأبحاث الجغرافية، ويستخدم الجغرافيون أجهزة الاستشعار عن بعد، وذلك لتبيان أو لدراسة المظاهر الطبيعية الكبيرة جدًا التي يصعب الوصول إليها. وهذه الأجهزة ماهي إلا أدوات تستخدم في ملاحظة البيانات وتسجيلها من مدى بعيد. وتشمل هذه الأجهزة. آلات التصوير الجوي، وآلات تصوير الأقمار الصناعية، والأفلام ذات الأشعة تحت الحمراء التي لها حساسية حرارية، والرادار. وتسجل هذه الآلات التصويرية بيانات عن نظم الطقس وأنماط النمو النباتي ووجود التلوث، كما يبين التصوير بالأشعة تحت الحمراء بيانات خافية عن العين المجردة، مثال ذلك: التصوير بهذه الأشعة يبين الأشجار المصابة والصحيحة بألوان مختلفة، مع أن هذه الأشجار تبدو متشابهة للعين البشرية المجردة، كما يلتقط الرادار المحمول جوًا صورًا مشابهة للصور الجوية بغض النظر عن الطقس والوقت سواء بالليل أو بالنهار.
يستعمل الجغرافيون بعض الأدوات العلمية لقياس الخصائص البيئية، مثال ذلك ما تقيسه وما تسجله مقاييس الطقس من درجات الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح واتجاهاتها والضغط الجوي. كما يستخدم الجغرافيون أدوات مسح للتحقق من ضبط مواقع المظاهر السطحية، وقياس أبعادها بالنسبة للمظاهر الأخرى. فبعض المظاهر الأرضية تبدو كبيرة للغاية وبعضها يتغير تغيرًا بطيئًا، مما يمكن الجغرافيين من دراستها دراسة جيدة، وذلك بعمل نموذج مصغر لإحدى هذه الظاهرات. ويستخدم الجغرافيون النماذج لدراسة بعض العمليات الجغرافية مثل انسياب الأنهار، وما تحدثه الرياح من تعرية، وتحركات الركامات الجليدية، وآثار الأعاصير المدارية.
اكتشف الإنسان العالم الذي يحيط به منذ الأزمنة السحيقة. أي منذ فجر التاريخ. فرحل الكثير من الناس القدامى مثل المصريين والفينيقيين عبر الجزء الأكبر من أوروبا وإفريقيا. وكان ترحال هؤلاء المكتشفين القدامى أولاً بسبب التجارة والغزو. وكان في رحيلهم إلى بقاع غير مألوفة إضافة لما هو معروف عن هذه الأماكن. كما أنهم اكتسبوا حذقًا ومهارة في رسم الخرائط. إلا أن الخرائط المبكرة ما هي إلا رسومات غير متقنة تبين المسافة والاتجاه. ولما أصبح التنقل أمرًا عاديًا صارت الخرائط أكثر دقة وتفصيلاً.
يرجع الفضل للإغريق الذين سبقوا العالم الغربي إلى دراسة الجغرافيا بطريقة منظمة. فقد حاولوا أن يتبينوا كيف أن الظواهر الجغرافية لإقليم ما تؤثر في أنشطة السكان، وابتداءً من القرن السادس قبل الميلاد، وما بعده بقليل، رسم الإغريق خرائط لشواطئ البحر بإقليمهم، كما أنهم أبحروا في البحر المتوسط. وفي القرن الثاني قبل الميلاد تقريبًا حسب العالم الرياضي اليوناني إيراتوسثينيز محيط الكرة الأرضية، إلا أن حسابه كان خاطئاً بنحو 80كم. وبعد مضي مائتي سنة تقريباً كتب العالم اليوناني سترابو سبعة عشر مجلداً عن جغرافيا العالم المعروف حينذاك.
أسهم الرومان أيضًا في دراسة الجغرافيا أثناء حملاتهم العسكرية الواسعة النطاق. وفي سنة 100م وما بعدها بقليل نال بطليموس شهرة واسعة لمهارته في رسم الخرائط، ودراساته الفلكية، وبالرغم من أنه ثبت فيما بعد خطأ الكثير من نظرياته إلا أن الكثير من الناس كانوا يعتقدون بصحتها لعدة قرون، وفي الحقيقة أن خطأه في تقدير المسافة بين اسبانيا والصين، هو الذي شجع كريستوفر كولمبوس على القيام برحلته الشهيرة في سنة 1492م، وقد أبحر كولمبوس ـ وهو قبطان بحري إيطالي ـ من أسبانيا باحثًا عن الطريق البحري الغربي الذي يؤدي إلى آسيا وبدلاً من ذلك رست سفنه في أمريكا.
في مستهل العصور الوسطى في أوروبا فُقدَت غالبية المعلومات الجغرافية التي دوّنها الإغريق والرومان، وبالرغم من ذلك فلقد استمر المسلمون في العصور الوسطى في شمالي إفريقيا في دراسة الجغرافيا، وفي القيام باكتشافات خاصة بهم.
بدأ الأوروبيون خلال العصور الوسطى المتأخرة، التي استمرت من القرن الحادي عشر الميلادي إلى القرن السادس عشر الميلادي، في الترحال خارج حدودهم. فلقد رحل رجال الجيش إلى الشرق الأوسط إبان الحروب الصليبية، وقاموا بسلسلة من الحملات هناك. وفي القرن الثالث عشر الميلادي رحل التاجر الإيطالي ماركو بولو إلى الصين وسجل مغامراته في كتاب اشتمل على بيانات جغرافية عن الأراضي التي زارها وعن سكانها أيضًا. وبالرغم من ذلك لم يكن معظم الأوروبيين في القرن الخامس عشر الميلادي يعرفون إلا النزر اليسير عن جغرافيا العالم. وتبين غالبية الخرائط في هذه الفترة مناطق شاسعة غير معروفة وقد زينتها رسوم الأفعوان والثعابين المائية وغيرها من المخلوقات الخيالية، وأثناء القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين وما بعدهما بقليل بدأ الأسبان والبرتغاليون القيام برحلات استكشافية طويلة. ففي سنة 1492م رست سفن كولمبوس في أمريكا، وأبحر فاسكو دا جاما وهو بحار برتغالي، حول إفريقيا الجنوبية سنة 1497م، ووصل إلى الهند سنة 1498م، وفي سنة 1519م قام رحالة برتغالي آخر يدعى فرديناند ماجلان برحلة حول العالم. إلا أن ماجلان قتل أثناء رحلته، لكن أحد المراكب أكمل الرحلة. وفي هذا الوقت بدأ الهولنديون والإنجليز والفرنسيون كذلك في اكتشاف بعض الأراضي غير المعروفة. ونتج عن هذه الرحلات ثورة في المعرفة الجديدة عن الجغرافيا.
بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر الميلاديين رسم الرحالة الأوروبيون خرائط كثيرة لشمالي أمريكا وجنوبيها، وكذلكً دخل الأوروبيون الجزء الداخلي لإفريقيا. إبان السنوات القليلة من بداية القرن العشرين بينت الحملات الاكتشافية الكثير من المعلومات عن الشرق الأوسط والقطبين الشمالي والجنوبي. كما أنها فحصت قيعان المحيطات ورسمت خرائط لمظاهرها الأساسية. للاستزادة من المعلومات الخاصة بهذه الحملات.
كان الاعتقاد أن الجغرافيا والجيولوجيا يشكلان حقلاً واحداً للدراسة، وظل هذا الاعتقاد سائدًا إلى العشرينيات من القرن التاسع عشر الميلادي. وبعدئذ أصبح لكل واحد منهما ميدانه المستقل. وحازت الجغرافيا هذه المكانة بفضل أعمال الجغرافيْين الألمانيْين البارون ألكسندر فون همبولت وكارل ريتر، ولقد كان معظم الجغرافيين حتى سنة 1920م تقريباً يتخصصون في مجال الجغرافية الطبيعية. وبدأ الجغرافيون يركزون تدريجيًا على الصلات بين مظاهر الأرض والنشاط البشري، وقد قامت الجغرافيّة الأمريكية إلين تشرشل سمبل بتعريف الجغرافيا بأنها دراسة أثر البيئة على التاريخ البشري، كما درس كارل أورتوين ساور وهو من الولايات المتحدة أيضًا، الطرق المختلفة التي يرتب بها الناس ذوو الخلفيات الحضارية المختلفة محيطهم الطبيعي، وفي الثلاثينيات من القرن العشرين فحص الجغرافي الألماني والتر كريستالر الأسباب التي تؤدي إلى نمو وتوزيع الاستيطان البشري، وفي الخمسينيات من القرن العشرين تقدم تورستن هاغرستراند وهو سويدي الأصل، بنظريات عن إمكانية التنبؤ بانتشار العادات الإنسانية.
لقد تغيرت دراسة الجغرافيا تغيرًا كبيراً منذ عام 1950م، فاختارت الغالبية من الجغرافيين دراسة الجغرافيا البشرية وبخاصة جغرافيا المدن والجغرافيا الاقتصادية بدلاً من الجغرافيا الطبيعة، وهذا التخصص يؤكد أهمية تخطيط نمو المناطق الحضرية والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية. ويضاف إلى ذلك أن الجغرافيين قد حاولوا، محاولات شتى، التنبؤ بكيفية تأثير العمليات الطبيعية والبشرية على الأرض في المستقبل. ويعتمد الكثيرون لإجراء ذلك على الوسائل الرياضية والإحصائية. وعلى استخدام أجهزة الحاسوب بينما استمر غيرهم في الاعتماد أساساً على الدراسة الميدانية.
فَضْل العرب في التقدم الجغرافي
إن التقصير في دراسة فضل العرب في تقدم الاكتشافات الجغرافيّة واضح كل الوضوح في الموسوعات والمراجع الجغرافيّة. ولعل هذا مرده إلى اعتناق الكثير من الباحثين النزعة التي تقول، إن هذا التقدم قد أحرزه اليونان والرومان أولاً، ثم تلتهما أمم أوروبية أخرى من إنجليز وفرنسيين وألمان وأسبان وغيرهم على مر السنين. وهذا قد أدى بدوره إلى إهمال الدور الحيوي الذي قام به العرب في هذا المجال.
قبل أن يتعرف العرب على أهل أوروبا وقبل أن تنتقل العلوم والمعارف العربية إلى الأوروبيين وتترجم إلى اللغة اللاتينية، اهتم العرب بوصف جزيرتهم وبمشاهدة أماكنها فيما يعرف باسم الجغرافيا الوصفية. وكان البدو في ترحالهم من مكان إلى آخر يهتدون بما في السماء الزرقاء من النجوم المتلألئة في صفحتها الصافية، فكان لجو الجزيرة العربية ومناخها أثر فعال في تقدم الجغرافيا الفلكية عند العرب الذين أطلقوا عليها أحياناً اسم علم الأنواء، وهذا النهوض قد ساعدهم على كشف الكثير من الكواكب والأجرام السماوية التي مازالت تحمل أسماء عربية خالصة مثل زحل وعطارد والمريخ والزهرة والمشتري وغيرها.
تلا ذلك تقدمهم فيما يعرف باسم الجغرافيا الرياضية، وهي مبنية على حسابات رياضية لتحركات الأجرام السماوية في فلكها، وفي تعاقب الليل والنهار، والفصول السنوية الأربعة. ولا غرو فهم الذين أبدعوا علم الجبر وحساب المثلثات واللوغاريتمات، واستخدموا هذا التقدم في الرياضيات في معرفة الكثير من حسابات الجغرافيا الفلكية، ولقد حظي هذا العلم بتقدم ملحوظ في عهد الخلفاء الأمويين والعباسيين.
كان لاتساع الفتوحات الإسلامية التي امتدت شرقًا وغربًا، أثر واضح في التعرف الجغرافي على البيئات الجديدة التي خضعت للمسلمين، والتي زوَّدتهم بدورها بالكثير من الخرائط والبيانات عن عادات هذه الشعوب وطبائعها وتقاليدها فيما يعرف باسم الجغرافيا البشرية. ولنذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر كتاب الخراج لكاتبه قدامة بن جعفر (ت 337هـ، 948م)، وكتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم لكاتبه شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد المعروف بالمقدسي (ت 380هـ، 990م) وموسوعة جمال الدين أبي يحيى زكريا القزويني (ت 682هـ، 1283م) المعروفة باسم عجائب المخلوقات، وكتاب نخبة الدهر في عجائب البر والبحر لشمس الدين أبي عبد الله الدمشقي (ت 727هـ، 1326م).
ركّز علماء الجغرافيا العرب في كتاباتهم منذ منتصف القرن الخامس الهجري على وصف الطبيعة وعجائبها وخصائص الشعوب وسكان البلدان الذين اتصلوا بهم وتعرفوا عليهم، مما أدى إلى ازدهار الجغرافيا البشرية والاقتصادية معاً، ونضيف إلى ذلك المعالم الوصفية للمدن والأقاليم التي زاروها عن طريق الترحال بالبر أو البحر، مما أدى إلى حدوث تقدم ملحوظ في الجغرافيا الإقليمية. وخير مثال على ذلك رحلات ابن بطوطة (ت779هـ- 1377م) في ربوع القارة الآسيوية، ما دفعهم إلى التعرف أكثر وأكثر على جغرافيا بعض البلدان النائية، سواء في إفريقيا أو آسيا أو في جزر المحيطات، وقد ساعد على ذلك دقة المشاهدة وعمق الملاحظة.ولذا يمكننا القول بأن الجغرافيين العرب قد سبقوا الإغريق والرومان في هذا الشأن، إذ إن معلوماتهم الجغرافيّة قد نالت قصب السبق، وذلك لاتساع ميدانهم الجغرافي باتساع رقعة أراضيهم. ومن الجدير بالذكر هنا ما أفصح به العالم المرموق عبدالرحمن بن خلدون(ت 808هـ - 1405م) في مقدمته الشهيرة عن طبائع البشر وسيرهم وعاداتهم وتفاعلهم مع بيئاتهم المختلفة. ونظراً لأهمية هذه المقدمة فقد ترجمت إلى معظم اللغات الأوروبية.
في العصور الوسيطة وما تلاها من عصور النهضة العلمية في أوروبا كان للترجمة من العربية إلى اللاتينية شأن عظيم، فحظيت كتب العرب الجغرافية ـ سواء الوصفية أو الطبيعية أو الفلكية أو الرياضية ـ بنصيب كبير، مما أيقظ الفكر الأوروبي من سباته، فأنار ظلماته بعد أن تخبط في دياجيرها ردحاً من الزمن، إذ تمت ترجمة بعض الكتب الجغرافية العربية إلى اللغة اللاتينية في القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي. وأعقب هذا الازدهار حركةُ الكشوف الجغرافية التي استمرت حتى العصور الوسطى المتأخرة.
اقتصر الجغرافيون العرب على إصدار بعض المعاجم الجغرافية مثل: معجم ما استعجم لعبدالله بن عمرو البكري (ت 487هـ - 1094م)، و معجم البلدان لياقوت بن عبدالله الحموي (ت 627هـ - 1229م)، أو القيام بالرحلات التي جمعت بين الحقيقة والخيال، وبذلك تكون قد خرجت عن المفهوم الجغرافي العلمي، وخير مثال لذلك كتاب العمدة المهرية لكاتبه سليمان المهري.
لقد أسدى الجغرافيون العرب في فترة ازدهار بحوثهم واكتشافاتهم خدمة جليلة لتقدم العلوم الجغرافية، فأرسوا معالمها أولاً على أسس علمية صحيحة قبل أن ينقلها علماء ونساخ أوروبا في العصور الوسطى المبكرة والمتأخرة، وقبل أن يتمثلوها في أبحاثهم ومذكراتهم، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من معلوماتهم الجغرافية، ومن حياتهم الفكرية بوجه عام كذلك، وهي التي ظهرت جلية واضحة في عصر النهضة والعصور التالية حتى عصرنا الحاضر.
توضيح مصطلحات أساسية في الجغرافيا:
خط الزَّوال: Meridian
خطٌ يُرسم من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي على الكرة الأرضية. ويمتد كل خط إلى منتصف الطريق حول الكرة ليلتقي مع خط آخر عند كلا القطبين. تُسمى هذه الخطوط خطوط الزوال. وكل خطي زوال يلتقيان عند القطبين يشكلان دائرة زوال. تُستخدم خطوط الزوال لقياس خطوط الطول، وهي المسافة شرق خط يمر في جرينيتْش، إنجلترا، أو غربه.
يتصور الجغرافيون العالم بكامله على أنه مغطى بخطوط الزوال. فأينما تكون، هناك خط يسمى خط زوال يمر في المكان الذي تقف فيه. وعندما تتعامد الشمس على ذلك الخط، يكون الوقت ظهرًا (على طول خط الزوال).
وقد قرر الجغرافيون الذين التقوا في واشنطن عام 1884م أن خطاً يمر من المرصد الفلكي في جرينيتْش، إنجلترا سيسمى خط الزوال الأول. تقاس المسافات على الخريطة شرقي هذا الخط أو غربه. وخط الطول لأي مكان هو بُعده عن شرق خط الزوال الأول أو غربه. ويستطيع الطيارون والملاحون أن يعرفوا أماكنهم في الجو أو البحر إذا عرفوا درجات خط الطول وخط العرض. كما نستطيع قياس التغيرات في التوقيت بوساطة درجات خطوط الطول، وتقاس خطوط الطول بالدرجات والدقائق والثواني. الدرجة الواحدة عند خط الاستواء حوالي 111,4كم عرضًا، أما المسافات شمال خط الاستواء وجنوبه فتقاس حسب خطوط العرض.
خط الطُّول : Longitude
البعد الزاوي لموقع ما على سطح الأرض، شرقًا أو غربًا، مقيسًا من خط زوال معين هو عادة خط زوال جرينيتش. إذا قام شخص ما عند خط الاستواء مسافراً مباشرة إلى الشمال، بينما قام شخص آخر على بعد 111كم غرباً مسافراً أيضا إلى الشمال مباشرة، فإنهما سيتقابلان فى القطب الشمالي مع ملاحظة أن كلاً منهما يكون قد سافر في نفس الاتجاه ولكنه استخدم خطوط طول مختلفة. وتجري خطوط الطول شمالاً وجنوبًا عبر سطح الكرة الأرضية. ويتخيل صانعو الخرائط الأرض كرة ضخمة مقسمة إلى 360 شريحة متساوية. وتسمى الخطوط التي تفصل بين شريحة وأخرى على سطح الكرة الخارجي دوائر خط الطول، وهي الخطوط الطولية الرئيسية في الخرائط.
تتفق معظم الدول على أن حساب خطوط الطول شرقاً وغرباً يبدأ من خط وهمي يمر عبر منطقة جرينيتش بلندن، بحيث تكون درجة الطول عنده صفرًا. تنقسم الكرة الأرضية إلى قسمين شرقي خط جرينيتش وغربيه؛ وبذلك يكون لكل جزء 180°، وتُستخدم درجات الطول لقياس بُعد المسافات شرقًا وغرباً فوق الخرائط كما تستخدم مع نقاط العرض لتحديد مواقع معينة. وعلى سبيل، المثال تقع مدينة نيويورك على خط طول 74° ويعني هذا أنه إذا قام شخص مسافر غرب جرينيتش إلى نيويورك وعد دوائر خطوط الطول، لوجد أن نيويورك تقع على خط طول 74°غرب جرينيتش، ويستخدم البحارة والطيارون خطوط الطول لتساعدهم في تحديد مواقع سفنهم وطائراتهم.
وتكون المسافة بين خطَّي طول في أوسع حالاتها عند خط الاستواء نحو 111كم. ويضيق الحيز بين خطوط الطول باقترابنا من القطبين: الشمالي والجنوبي. وعلى سبيل المثال، فدرجة خط الطول عند مدريد بأسبانيا تقدر بحوالي 61كم عرضًا، بينما، في لندن التي هي أقرب من القطب الشمالي، تقدر درجة خط الطول عندها بحوالي 48كم عرضًا. أما منطقة فيربانكس بألاسكا فهي أقرب للقطب، وبالتالي، تكون درجة خط طولها أقل عرضًا.
خط الطول والزمن (الوقت). تدور كل نقطة على سطح الكرة الأرضية وتشكل دائرة كاملة 360° كل 24 ساعة. ويحدث ذلك لأن الأرض تدور مرة حول محورها كل 24 ساعة، بحيث تمر جميع الـ360° المكونة أمام الشمس مرة كل 24 ساعة. ففى ساعة واحدة، تمر 1/24 من مجموعة خطوط الطول 360° أو 15° من أمام الشمس. ويسبب شعور الناس بأن الشمس هي التي تتحرك بدلاً من الأرض، فإننا نجدهم يقولون إن كل ساعة من الزمن تساوي 15° في الطول.
تنقسم كل درجة من درجات خط الطول إلى 60 جزءًا، تسمى دقائق وتنقسم كل دقيقة إلى 60 ثانية من خط الطول. وتكتب الدقيقة هكذا (1َ) بينما تكتب الثانية بشرطتين هكذا (َ1) وهذه الدقائق والثواني الطويلة تقيس المسافة وليس الزمن.، ويتضمن الجدول الآتي المسافات التي تساويها كل وحدة من وحدات الزمن الخمس التي تتراوح بين يوم كامل (24ساعة ) وثانية واحدة.
24 ساعة
= 360°
طولية
الساعة
= 15°
طولية
4 دقائق
= 1°
طولية
الدقيقة
= 1َ5
طولية
ثانية
= 1ً5
طولية
خَط العَرْض : Latitude
خط وهمي يُستخدم لتحديد موقع نقطة على سطح الأرض بالنسبة لخط الاستواء. وخط العرض هو أحد اثنين من إحداثيات الشبكات التي يمكن استخدامها لتحديد أي نقطة على سطح الأرض. والإحداثي الآخر هو خط الطول.
يتم قياس خط العرض في نقطة بحساب بُعدها عن خط الاستواء باتجاه قطبي الأرض الشمالي والجنوبي. ويكون قياسها بالدرجات. فخط العرض لأية نقطة تقع على خط الاستواء هو درجة صفر (وتكتب صفر درجة). أما القطب الشمالي فخطُّ عرضه 90° شمالاً، وأما القطب الجنوبي فخط عرضه 90° جنوبًا. وهذه الأبعاد تُكتب أحيانًا +90° و-90°. وتنقسم درجات خط العرض إلى 60 دقيقة، وتنقسم الدقيقة إلى 60 ثانية.
وجميع النقاط على سطح الأرض التي لها خط العرض نفسه توجد على دائرة وهمية تسمى دائرة العرض. يفصل بينهما 1° نحو 60 ميلاً جغرافيًا، بحريًا أو جويًا، أو 69 ميلاً إنجليزيًا (بريًا)، أو 111كم. ويتراوح طول خط العرض هذا 1° بين 59,7 ميلاً ملاحيًا قرب خط الاستواء وبين 60,3 ميلاً ملاحيًا قرب القطبين. ويحدث هذا الفرق لأن الأرض ليست كرة كاملة. ويعادل فرق دقيقة واحدة في خط العرض نحو ميل بحري.
الخريطة Map إحدى المطبوعات التي تمثِّل الأرض أو أي جرم سماوي، ويعبِّر معظم الخرائط عن سطح الأرض كله أو بعضه. وهناك بعض الخرائط تمثل الكواكب الأخرى كالقمر أو مواقع النجوم في الفضاء الواسع. وغالبيتها مستوية، وبعضها له سطح بارز، ونموذج الكرة الأرضية خريطة لسطح الأرض على شكل كرة.
تُمثَّل المعلومات على الخرائط إما بخطوط وإما بألوان أو أشكال أو غير ذلك من الرموز. وتحل هذه الرموز محل بعض الظواهر كالأنهار والمدن والطرق للتقليل من حجمها. فعلى سبيل المثال، يمثل سنتيمتر واحد على الخريطة مسافة تعادل 500م على سطح الأرض.
للخريطة عدة فوائد منها: تحديد الأماكن وقياس المسافات وتخطيط الرحلات وتحديد الطرق ويستعملها ملاحو السفن والطائرات في رحلاتهم المختلفة. كما تزودنا بمعلومات عن المناخ والسكان وطرق المواصلات. كما يمكن التعرف بوساطتها على أنماط توزيع السكان واستخدام الأرض. تُستعمل أيضًا في إجراء مقارنات والخروج باستنتاجات مهمة. مثال ذلك، يقوم الجيولوجيون بدراسة الخرائط البنيوية لسطح الأرض للكشف عن مصادر الموارد الطبيعية.
من المحتمل أن يكون الإنسان قد رسم خرائط بدائية حتى قبل أن يعرف اللغة المكتوبة قبل حوالي 5,500 سنة. وعلى مر العصور، قام الإنسان بمزيد من الاكتشافات مضيفاً إلى الخرائط معلومات حديثة. وقد جعلت الاختراعات العلمية الخرائط أكثر دقة. أما اليوم، فإن معظم الخرائط تعتمد في رسمها على الصور الجوية الملتقطة من الجو. وعلم الخرائط هو العلم الذي يهتم بعمل الخرائط وقراءتها، ويسمى صانع الخرائط ومدرسها الخرائطي.
أنواع الخرائط
توجد عدة أنواع من الخرائط. وأكثرها شيوعاً هي: 1- الخرائط المرجعية العامة 2- خرائط الحركة 3- الخرائط الموضوعية 4- الخرائط التقييمية.
الخرائط المرجعية العامة. وهي تُعرِّف الظاهرات الجغرافية المختلفة وتحدد مواقعها. تحتوي هذه الخرائط على التضاريس والمسطحات المائية والحدود السياسية والمدن والبلدان والقرى والطرق وغير ذلك. وتُستخدم الخرائط العامة في تحديد مواقع الأمكنة وملاحظة علاقتها مع غيرها من الأماكن. فخرائط الدول والقارات في الأطالس هي أمثلة على هذا النوع. تسمى الخرائط التي توضح حدود الولايات والدول والتجمعات السياسية وغيرها من الوحدات السياسية الخرائط السياسية. أما الخرائط التي تمثل تضاريس سطح الأرض كالجبال والأنهار والبحيرات فتسمى الخرائط الطبيعية أو الخرائط الأرضية.
خرائط الحركة. صممت لمساعدة السكان في التعرف على طرقهم عندما يتنقلون من مكان الى آخر، سواء أكانت هذه الطرق برية أم بحرية أم جوية. وتُسمى الخرائط التي تختص بتمثيل طرق الملاحة البحرية والجوية لوحات.
خرائط الطرق مألوفة أكثر من غيرها. وتعبر هذه الخرائط عن عدة مستويات من الطرق، مثل طرق السيارات والطرق ذات الأربع مسارات ومسارات المتنزهين، كما توضح مواقع المدن والبلدان والمتنزهات العامة، وغيرها من المواقع التي تُربط بوساطة هذه الطرق. يستخدم المسافرون خرائط الطرق لرسم مسار رحلاتهم على الطرق الموضحة عليها.
خرائط المرور تبين خطوط الحافلات، وخطوط سكة الأنفاق وغيرها من خطوط النقل العام في المدن. تساعد هذه الخرائط الناس في الوصول إلى أماكنهم بوساطة النقل العام.
لوحات الملاحة الجوية. هي خرائط تُستخدم لأغراض الملاحة الجوية، حيث يحلق الطيارون في الطائرات الصغيرة، على ارتفاع منخفض وفق مسارات موضحة على لوحات خاصة تُسمى لوحات الطيران المرئي. يبين على هذه اللوحات بعض المعالم الأرضية مثل الجسور والطرق والسكك الحديدية والأنهار والبلدان. كما يوضَّح عليها مواقع المطارات ومناسيب الجبال وبعض العوائق. ويستعمل بعض ملاحي الطائرات التي تطير على ارتفاع منخفض وجميع أطقم الطائرات التي تطير على ارتفاع كبير لوحات الطيران الآلي التي صُمِّمت للملاحة بالراديو. تٌستعمل هذه الخرائط في تحديد مواقع محطات أرضية على طول خطوط الطيران مزودة بمرسلات تبث إشارات مميزة ذات تردد عال يهتدي بها أطقم الطائرات على مواقعهم ومسار رحلاتهم.
لوحات الملاحة البحرية تُستخدم في ملاحة السفن والقوارب. وتبين هذه الخرائط عمق المياه، والمنارات، والطافيات، والجُزُر، وغير ذلك من العوائق الخطرة، كالشعاب المرجانية، والجبال المغمورة في الماء، والقريبة من سطح البحر، كما تحدد هذه الخرائط مصادر بث إشارات الراديو المميزة التي يستعملها الملاحون في تحديد مسار رحلاتهم ومواقعهم.
الخرائط الموضوعية. وهي توضح ظواهر جغرافية محددة كالسكان والأمطار أو أحد المصادر الطبيعية. وبشكل عام، فهي تُستخدم لدراسة الأنماط. فقد تبين إحدى الخرائط الموضوعية الأماكن التي ينتج فيها البترول بقارة آسيا، أو قد تمثل تباين سقوط الأمطار في أستراليا من مكان إلى آخر.
تعبِّر العديد من الخرائط الموضوعية عن كمية الظاهرة أو قيمتها إما بالرموز أو بالألوان. مثال ذلك بعض خرائط السكان في هذه الموسوعة، حيث استُخدمت النقط الصغيرة لتمثل كل واحدة منها عددًا محددًا من البشر. ويبين عدد النقط في منطقة ما حجم الثقل السكاني فيها، في حين تم استخدام تدرج الألوان في بعض الخرائط السكانية الأخرى في الموسوعة نفسها. فإن تدرج لون معين يدل على عدد من المستويات للكثافة السكانية.
تمثل بعض الخرائط الموضوعية القيم بوساطة خطوط تصل بين النقاط المتساوية القيمة. ولهذه الخطوط عدة تسميات مثل: أيزولاين وأيزوجرام وأيزاريثم ولكل نوع محدد من هذه الخطوط اسم خاص به. فعلى سبيل المثال، تصل خطوط الضغط المتساوي بين النقاط التي تتساوى في قيم الضغط الجوي، كما يمكن التعبير بهذه الخطوط على الخرائط المناخية، عن توزع درجات الحرارة والأمطار وغيرها من عناصر الطقس. وتسمى الخطوط التي تصل بين النقاط المتساوية المناسيب على الخرائط الطبوغرافية التي توضح سطح الأرض خطوط الكنتور، وتُستعمل لتوضيح المناطق المتساوية الارتفاع.
تستعمل بعض الخرائط الموضوعية أحياناً التباين الحجمي في التعبير عن الكميات. فقد تعبِّر إحدى خرائط التجارة العالمية للبترول عن حركة البترول العالمية الكثيرة بخطوط انسياب سميكة بينما تمثل الخطوط الدقيقة حركات انسياب أقل.
الخرائط التقييمية. وهي تشبه الخرائط الموضوعية، ولكنها تركز على ظاهرة محددة. إذ إن هذا النوع من الخرائط يبين ثمن أو قيمة ظاهرة معينة. مثال ذلك الخرائط التي توضح بالتفصيل الأحياء السكنية، وكل عمارة على حدة.
قراءة الخريطة
تتطلب قراءة الخريطة قدراً من الخبرة، فينبغي فهم مفاتيح الخريطة (الكشاف) ومقـياس الرسم وشبكة الإحداثيات الجغرافية (خطوط الطول والعرض) وفهارس الخريطة.
مفاتيح الخريطة. وهي قائمة برموز الخريطة وألوانها وشرح ذلك كله، فبعض الرموز تشبه الظاهرة التي تمثلها، مثلاً، شكل شجرة على الخريطة يدل على الغابات أو الحدائق، ولكن هناك رموز كثيرة أخرى لا تدل مباشرة على الظاهرة، كرسم دائرة لتمثل مدينة ما. وقد يمثل الرمز الواحد عدة ظواهر على خرائط مختلفة. فعلى سبيل المثال، يمكن لدائرة واحدة أن تعبر عن عشرين بيتاً متنقلاً، وفي خريطة أخرى قد تعبر عن مكامن بترولية. فمن الضروري أن نقرأ مفتاح الخريطة لنستخلص ما تعنيه رموزها بدقة.
وقد طُبعت معظم الخرائط بطريقة يدل أعلاها على اتجاه الشمال. كما أن العديد من الخرائط تحتوي على سهم يشير الى الشمال.
مقياس الرسم. وهو يوضح العلاقة بين الأبعاد على الخريطة وما يناظرها من مسافات حقيقية على سطح الأرض. تكون مقاييس العديد من الخرائط على شكل خط مستقيم مجزأ إلى عدة أقسام، يدل كل قسم منها على عدد محدد من الأميال، أو الكيلومترات.
وتعبِّر بعض الخرائط عن مقياس الرسم بالكلمات، أو الأرقام، كأن يُذكر على سبيل المثال 1: 10 أو أن السنتيمتر الواحد يمثل 10كم.
وهناك طريقة أخرى للتعبير عن مقياس الرسم هي التعـبير النسبـي أو الكسـري مثـل: 1: 100,000 أو 1/100,000. وهذا يعني بأن وحدة مسافية واحدة على الخريطة يقابلها 100,000 وحدة على سطح الأرض، أي أن سنتيمترًا واحدًا على الخريطة يمثل 100,000سم (كيلو متر واحد) على سطح الأرض.
يعتمد مقدار التفاصيل التي يمكن الحصول عليها من الخريطة على مقياس الرسم المختار. فيجب اختيار مقياس رسم كبير لتمثيل منطقة بتفاصيل كبيرة. تتميز هذه الخرائط بكبر حجمها بالنسبة للمنطقة التي تمثلها. فقد يكون مقياس رسمها يمثل السنتيمتر الواحد فيه 0,1كم. وفي المقابل، فإن الخرائط ذات المقياس الصغير تكون صغيرة بالنسبة للمنطقة التي تمثلها، متخلية عن الكثير من التفاصيل. وقد يمثل السنتيمتر الواحد فيها 100كم.
شبكة الإحداثيات الجغرافية. وتعرف أيضًا بالشبكة المتسامتة وهي شبكة من المربعات موجودة على الخريطة تسهل معرفة ووصف المواقع. وأكثر الإحداثيات شيوعاً خطوط العرض (الزوال) التي تمتد من الشرق إلى الغرب، وخطوط الطول التي تمتد من الشمال إلى الجنوب.
خطوط العرض دوائر متوازية تحيط بالكرة الأرضية من الغرب إلى الشرق، وتوازي هذه الخطوط خط الاستواء الذي يقع في منتصف المسافة بين القطبين. وتدل خطوط العرض على درجة عرض المكان، بالنسبة لخط الاستواء مقدرة بزوايا الدائرة، فأي نقطة تقع على خط الاستواء، يقال بأنها تقع على درجة عرض صفر وتكتب 0° وبذلك، فإن درجة عرض القطب الشمالي 90° شمالاً ودرجة عرض القطب الجنوبي 90° جنوباً. لذا، فإن أي مكان على سطح الأرض له درجة عرض تقع ما بين صفر و90°.
خطوط الطول أنصاف دوائر تصل بين القطبين. ومن المتعارف عليه دوليًا أن خطوط الطول تبدأ من خط يمر عند جرينتش قرب لندن، ويعرف هذا الخط بـخط الزوال الأول. وتُستعمل هذه الخطوط في التعرف على درجة طول المكان بالنسبة لشرق أو غرب جرينتش. وكما هو الحال بالنسبة لدرجة العرض، فإن درجة الطول تقدر بالنسبة لزوايا الدائرة. وتتراوح درجات الطول ما بين 0- 180°. ويقع خط الطول 180° إلى الشرق من جرينتش، أو إلى الغرب منه يمكن استخدام خطوط الطول والعرض لتحديد أي مكان على سطح الأرض بدقة. فعلى سبيل المثال، تقع مدينة نيوأورليانز في ولاية لويزيانا في الولايات المتحدة عند تقاطع خط العرض 30 شمالاً وخط الطول 90 غربًا.
فهارس الخريطة. وهي تساعد في تحديد الأماكن على الخريطة. ويوضع الفهرس على شكل قائمة تضم الظواهر الممثلة على الخريطة بحروف أبجدية. وفي العديد من الأطالس، يوجد إزاء كل ظاهرة درجة عرضها، ودرجة طولها، مما يُسهل تحديد موقعها على الخريطة.
تقسَّم العديد من الخرائط إلى صفوف وأعمدة بوساطة شبكة إحداثيات، وعادة ما توضع الحروف على جوانب الخريطة لتدل على الصفوف، وتُثبت أرقام أعلى وأسفل الخريطة لتدل على الأعمدة. وبذلك يسهل تحديد مكان أية ظاهرة ترد في الفهرس بوساطة تقاطع صف الظاهرة المعنية وعمودها.
مساقط الخرائط
يسمَّى أي نظام لترتيب خطوط الطول وخطوط العرض مرسومة على كرة ما أو لوحة مستوية مسقط الخريطة. ينشئ صانعو الخرائط المساقط وفقًا لمعادلات رياضية، وغالباً ما يتم ذلك بوساطة الحواسيب.
ومن المستحيل إسقاط كرة كسطح الأرض على لوحة مستوية بدون أخطاء؛ إذ إِن مقاييس جميع الخرائط المستوية لا تصل إلى الدقة التامة نظراً لتمدد الأرض في مكان ما على الخريطة وتقلصها في مكان آخر على نفس الخريطة بعد جعلها مستوية.
فبعض الخرائط يحدث فيها تشوُّه في الأبعاد وذلك عندما يُعبَّر عن بعض المناطق بمساحات لا تساوي مساحاتها الحقيقية. وبعضها الآخر تشوَّه فيه الزوايا، فتشوه أشكال البحار والقارات. ولكن، في جميع الخرائط، هناك نقطة أو نقطتين أو خطوطًا لا يحدث عندها أي تشوَّه يذكر. وتسمى هذه النقاط أو الخطوط النقاط المعيارية أو الخطوط المعيارية حيث يأخذ التشوه بالازدياد كلما ابتعدنا عنها.
ويمكن تصنيف مسقط الخريطة على أساس أقل التشوهات التي تظهر على خصائص الرقعة التي تمثلها. فمساقط المساحات المتساوية تمثل مساحات المناطق بصورة دقيقة ولكنها تشوه الشكل. أما المساقط التوافقية فتمثل الزوايا والاتجاهات عند أية نقطة بصورة دقيقة ولكن المساحات تتغير، ولا يمكن لأية خريطة أن تجمع بين الاثنين. قد لا تستعمل بعض الخرائط أي واحد منهما. وليس لهذا النوع اسم بموجب التشوه في المساحات أو الأشكال.
الطريقة الثانية لتصنيف مساقط الخرائط تقوم على أساس الشكل الهندسي للسطح الذي تم رسم المسقط عليه. فنظرياً، تُرسم العديد من الخرائط بمساقط أسطوانية أو مخروطية أو مستوية.
المسقط الأسطواني. هو إسقاط الكرة على أسطوانة. ولذلك، فإن تنفيذه يتم بوساطة معادلات رياضية. ويمكن مشاهدة هذا الإسقاط عندما نتصور ورقة أسطوانية الشكل، ملفوفة حول كرة مضاءة، حيث تنعكس خطوط الكرة على الأسطوانة بشكل مستقيم بدون انحناء. وتحتوي الخريطة الناتجة عن ذلك على خط أو خطين لا يظهر عليهما أي تشوه عند منطقة تلامس الكرة مع الأسطوانة. وتبدو جميع الخطوط على خرائط الإسقاط الأسطواني متوازية فلا تتلاقى خطوط الطول عند القطبين فتظهر جزيرة جرينلاند، على سبيل المثال، أعرض من أمريكا الجنوبية، ولكنها في الحقيقة أضيق بكثير.
ويعد مسقط مركاتور أشهر المساقط الأسطوانية، وهو مسقط توافقي يفيد الملاحين كثيراً، لكون خطوطه تصل بين النقاط على الخريطة بخطوط مستقيمة، فيتِّبعها الملاحون دون تغيير اتجاه البوصلة.
المسقط المخروطي. هو إسقاط الكرة على مخروط. ويمكن مشاهدة الإسقاط المخروطي حين نتصور ورقة على شكل مخروط مفتوح من قاعدته مستقر فوق كرة مضاءة. فتظهر خطوط الكرة على المخروط ممتدة بدون التواء. وتبدو خطوط الطول على المخروط وكأنها تشعّ بخطوط مستقيمة من النقطة التي تقع فوق أحد القطبين مباشرة. بينما تظهر خطوط العرض على شكل أقواس.
ولا يظهر أي تشوه على خط أو خطين عند تماس المخروط مع سطح الكرة. فإذا كان رأس المخروط فوق أحد القطبين، فإن المخروط يلامس الكرة عند العروض الوسطى. ولذلك فإن المسقط المخروطي يُستخدم في رسم مناطق العروض الوسطى التي تتميز بامتداد كبير من الشرق إلى الغرب، مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقاً. وتلجأ عدة خرائط إلى دمج عدد من القطاعات من مساقط مخروطية مختلفة في لوحة واحدة للحد من تشوهات سطح الكرة عند تمثيلها على لوحات مستوية.
المسقط السَّمْتي (المستوي). هو إسقاط الكرة على سطح مستوٍ. ولرؤية إسقاط مستوٍ، يمكن تصور قطعة من الورق تلامس كرة مضاءة عند نقطة واحدة. فتظهر خطوط الكرة على قطعة الورق، وفي هذه الحالة، تكون نقطة تماس قطعة الورق على الكرة خالية من أي تشوه. وبهذا يستطيع الخرائطي رسم المساقط المستوية لتلك القطاعات المستوية نظرياً من خلال الكرة. كما أن الخطوط والدوائر الموجودة عند تقاطع الورقة المستوية مع الكرة خالية من أي تشوه.
وغالباً ما تُستخدم المساقط السمتية (المستوية) لرسم المناطق المندمجة من سطح الأرض كما هو الحال في المناطق القطبية. ويوجد من المساقط المستوية نوع يدعى بالمسقط المزولي. ويعبِّر هذا المسقط عن أقصر مسافة بين أية نقطتين على الأرض وكأنها خط مستقيم. وتُعرف هذه المسافة بمسار الدائرة العظمى. وللمساقط المركزية أهمية خاصة في الملاحة الجوية.
المساقط الأخرى. هناك العديد من المساقط المهمة لا تقوم على أسس المساقط السابقة: المخروطي والأسطواني والسمتي، مثال ذلك المساقط البيضية، وهذه المساقط المسماة بالمساقط البيضية للمساحات المتساوية تتميز بقلة التشوهات على طول خط الاستواء، وعلى طول مناطق العروض الوسطى، وعلى طول خطوط الطول، التي تمر من خلالها. ويمكن للخرائطي أن ينجز عمله بأقل التشوهات عندما يقوم بتقسيم الشكل البيضي إلى عدة شرائح قوسية الشكل.
كيفية عمل الخرائط
يقوم المتخصصون من مختلف التخصصات بجمع المعلومات الخاصة التي يحتاجها الخرائطي. ويقوم الخرائطي بتحويل هذه المعلومات إلى شكل مقروء ومفهوم. وبشكل عام، يتبع الخرائطي الخطوات التالية: 1- الملاحظة والقياس 2- التخطيط والتصميم 3- الرسم وإعادة الإنتاج 4- المراجعة.
الملاحظة والقياس. يحصل معظم المتخصصين على معلوماتهم من ملاحظاتهم للخرائط فخبير الجيوديسيا (المساحة التطبيقية) يقدم القياسات الدقيقة عن شكل الأرض وأبعادها. والمسَّاح ينحصر عمله في تعيين مواقع الأمكنة وحدودها بوساطة قياس المسافات والزوايا والمناسيب. ويستنبط خبير الصور الجوية القياسات من الصور الجوية. ويشارك بعض المتخصصين أيضاً كعدادي الأنفس والجغرافيين والجيولوجيين وراصدي الجو في تقديم المعلومات والبيانات اللازمة.
يعتمد إنتاج خريطة جديدة على الصور الجوية وغيرها من المسوحات الأساسية. وتسمى هذه العملية تأسيس الخريطة. ومعظم الخرائط التي تُرْسم في مرحلة التأسيس هي خرائط طبوغرافية ذات مقياس كبير، وتحتوي على تفصيلات كثيرة. إذ تعتبر هذه الخرائط أساساً لغيرها من الخرائط وفق عملية الرسم التوفيقي. ويشمل الرسم التوفيقي اختيار المعلومات من الخرائط ذات المقياس الكبير ووضعها على الخريطة ذات المقياس الصغير. ويمكن للخرائطي أن يجمع بين معلومات إحصائية وبين معلومات أخرى ممثلة على خريطة جاهزة.
التخطيط والتصميم. يراعي الخرائطي عند التخطيط لأية خريطة عدة اعتبارات، كالغرض منها، ومن الذي سيستخدمها. إذ تساعد هذه الاعتبارات الخرائطي عندما يقرر أي المساقط والمقاييس يجب أن يستخدمها وأي المعلومات التي سيستغني عنها. ويساعد تصميم الخريطة في التأثير على إيصال المعلومات حيث يقوم الخرائطي عند تصميم الخريطة باختيار الرموز والعناوين والرقع والأحرف المناسبة. وفي معظم الحالات، فإن فناني الرسم يمكنهم تقديم المساعدة للخرائطي في هذه المرحلة.
رسم الخريطة وإعادة إنتاجها. يمكن رسم الخرائط بطرق مختلفة، فقد يرسم الخرائطي الخريطة على الورقة أو على فيلم بلاستيكي بصورة مباشرة. وبشكل عام، فإن أكثر الطرق شيوعاً في رسم الخرائط هي التقنية المسماة الحفر، وفي هذه العملية، تُستخدم أدوات خاصة لإزالة الغلاف الملون الذي يغطي قطعة بلاستيكية شفافة. وبعد عملية الإزالة هذه، سوف تظهر الخطوط والمناطق التي تحررت من الغطاء الملون، وهي تناظر الخطوط والمناطق التي ستُطبع بالحبر على الخريطة. فإذا تمت عملية نسخ الخريطة بحذق كاف، فإن الخطوط ستبدو دقيقة ناعمة يصعب الحصول على شبيه لها إذا ما تم رسمها بالطريقة المباشرة.
يتزايد مع مرور الوقت استعمال الخرائطيين للحواسيب. حيث يقوم جهاز يدعى الراسم الآلي موصول بأحد الحواسيب برسم الخريطة، إما بالطريقة المباشرة وإما عن طريق الحفر. ويمكن للحواسيب رسم الخرائط بوساطة أشعة الليزر، وذلك بتعريض الأفلام المصورة لأشعتها. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحواسيب تستطيع أن تقوم بعملية مسح شامل لخريطة الأساس والصور الجوية، أو الملامح الطبيعية لسطح الارض، ومن ثم تستخدم البيانات التي حصلت عليها في طبع الخريطة.
غالباً ما يشرف الخرائطي على إعادة إنتاج الخرائط. ولذلك فإن الألوان المناسبة والرموز ستظهر في الأماكن المناسبة على الخريطة النهائية. وتُطبع غالبية الخرائط بوساطة هذه الصفائح البلاستيكية.
هناك بعض الخطوات الإضافية يجب القيام بها عند إنتاج الخرائط ذات الوجه البارز مثل خرائط التضاريس البارزة التي يبرز سطحها لتمثل التلال والجبال. والخرائط الحسية التي تشمل رموزًا حقيقية يستطيع الكفيف قراءتها عن طريق اللمس. وينبغي على الخرائطي، عند إنجاز هذه الخرائط، إنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد، إما باستخدام الجبس وإما باستخدام غيره من المواد المماثلة. بعد ذلك، تُطبع رموز الخريطة وأحرفها على قطعة من البلاستيك المستوية. ثم ُتليَّن بالتسخين، وتثبَّت في الحال على النموذج الثلاثي الأبعاد، وتُترك بعد ذلك لتجف.
المراجعة. يجب على الخرائطي مراجعة معلومات الخريطة لإبقائها حديثة. فقد تطرأ تغيُّرات على عدد سكان المدن وشكل الطرق المائية والغابات. وبذلك تحتاج الخرائط إلى إعادة النظر بين الحين والآخر. وتُعدُّ الصور الجوية أهم مصدر لرصد التغيُّرات التي تكون قد طرأت منذ آخر مرة أنشئت فيها الخريطة.
نبذة تاريخية
الخرائط القديمة. تعود أقدم خريطة موجودة الآن إلى بلاد بابل (العراق الآن)، في بلاد ما بين النهرين، منذ عام 2500 قبل الميلاد. وهي مرسومة على قرص طيني، ويُظَنُّ أنها تمثل إحدى المستوطنات الكائنة فوق جبل يشرف على النهر. وللبابليين فضل كبير في رسم الخرائط، فقد طوروا نظاماً لتقسيم الدائرة إلى 360° متساوية. ويُستخدم هذا النظام حالياً في معرفة درجات الطول ودرجات العرض.
وقام المصريون بإنتاج خرائط تعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد حيث طوروا تقنية في المساحة الأرضية تمكنهم من إعادة رسم حدود الملكيات الزراعية على ضفاف نهر النيل عقب كل فيضان.
أما الإغريق، فقد حققوا تقدماً هائلاً في مجال الجيوديسيا والمساحة الأرضية، كما طوروا أنظمة تتعلق بمسقط الخريطة. كما شكوا في شكل الأرض وحجمها؛ فاعتقد بعضهم بأنها كروية، وحَسَب أحد علماء الرياضيات، ويدعى إيراتوسثينيز، محيط الأرض بدقة شديدة، وذلك في منتصف القرن الثالث قبل الميلاد تقريباً.
ويُعدّ الفلكي والجغرافي اليوناني كلوديوس بطليموس الخرائطي الأكثر شهرة في العصور القديمة. وقد عمل في الإسكندرية منتصف القرن الثاني الميلادي على وجه التقريب، وأورد في كتابه الجغرافيا كل ما هو معروف آنذاك عن العالم. ويتكون الكتاب من ثمانية أجزاء وخرائط وقائمة تضم قرابة 8,000 مكان، ووضع إزاء كل اسم خط عرضه وخط طوله، كما أورد فيه إرشادات لرسم مختلف المساقط.
الخرائط في العصور الوسطى. حدث تطور علمي ضئيل في صنع الخرائط خلال العصور الوسطى في أوروبا، وتمتد هذه الفترة من القرن الخامس الميلادي إلى أواخر القرن الخامس عشر الميلادي. فقد بدأ الأوروبيون رسم خرائط تدعى خرائط البورتلان، وتتميز هذه الخرائط بدقة متميزة؛ حيث تبين سواحل البحر المتوسط والأقاليم المحاذية بتفصيل كبير. وتساعد الخطوط المستقيمة الموجودة على تلك اللوحات ملاحي السفن في تحديد الاتجاهات.
أما التطور الفعلي لإنتاج الخرائط خلال العصور الوسطى، فقد ظهر في العالم العربي والصين. فقد طور العلماء العرب طرقاً لقياس درجات الطول، ودرجات العرض، بعد قيامهم بترجمة كتاب بطليموس الجغرافيا، إلى اللغة العربية، وذلك في القرن التاسع الميلادي.
علم الخرائط عند العرب. اعتمدت كل كتب الجغرافية العربية أساسًا على خرائط، وكان الكثير من الجغرافيين يبدأون برسم الخريطة، ثم يؤلفون كتابًا في شرحها وتوضيح المعالم عليها. وأوضح دليل على ذلك أن ابن حوقل (القرن الرابع الهجري) سمى كتابه صورة الأرض، أي أن الخريطة هي الأساس، والكتاب شرح وتعليق. وقد وصف سهراب أبو الحسن (ت نحو 330هـ، 946م) كذلك في أول كتابه صورة الأرض كيفية رسم الخرائط، بادئًا بشرح طريقة رسم خطوط الطول والعرض على طريقة بطليموس. وكان الجغرافيون العرب والمسلمون يكتبون الأرقام في خرائطهم ونصوصهم بالحروف لأن أشكال الأرقام العربية لم تكن قد تحددت بعد.
وقد عرف العرب والمسلمون أنواعًا من الخرائط منها الخرائط المسماة بصور الأرض، وهي أصح الخرائط الجغرافية وأعظمها قيمة من الناحية العلمية والعملية. ومنها نوع آخر متأثر بمذاهب اليونان في الربط بين الفلك والجغرافيا ورسم خطوط الطول والعرض بحسب المعلومات الفلكية الوهمية، ومثال ذلك خرائط الخوارزمي وسهراب والبتاني والبيروني. ونوع ثالث تمثله خريطة الإدريسي.
وكانت أهم مدرسة جغرافية خرائطية إسلامية أصيلة هي مدرسة البلدانيين والمسالكيين، وهي ابتكار عربي خالص بدأ على أيدي أوائل الموسوعيين العرب كابن الكلبي (ت204هـ، 820م) في كتاب البلدان الكبير، وكتاب البلدان الصغير، واليعقوبي (ت 266هـ، 879م) صاحب كتاب البلدان، والبلاذري (ت 279هـ، 892م) صاحب كتاب فتوح البلدان والإصطخري (ت نحو سنة 300هـ، 912م) وهو أول من رسم خريطة للعالم الإسلامي على مذهب أهل الرحلة والمشاهدة الشخصية. كما أنه أول خرائطي مسلم رسم خرائط الأقاليم التي تكلّم عنها دون أن يتأثر باليونانيين في مذاهبهم الفلكية، والربط بين خطوط الطول والعرض والمواقع والمواضع. وقد تبع كل المسالكيين العرب الإصطخري في مذهبه هذا، ولهذا سميت خرائطهم وكتبهم بأطلس الإسلام.
وعاصر الإصطخري جغرافي آخر هو البلخي أبو زيد ابن سهل الذي وضع كتابًا سُمي صور الأقاليم حيث رسم خرائط الأقاليم الإسلامية بالألوان. أما الجيهاني، أبو عبد الله بن أحمد بن نصر وهو وزير للسامانيين (302هـ، 914م)، فهو واضع أول خريطة للأرض لم تتأثر بآراء اليونانيين، وإنما قامت على أساس البلدان والمسالك. وتُعد خريطة المسعودي (ت 346هـ، 957م) من أدق الخرائط العربية. كما أن خريطة المقدسي (ت 390هـ، 1000م) تتضمن الحقيقة الكبرى التي اطلع عليها كولمبوس، وكانت أساسًا للكشف الكولومبي الذي غير وجه التاريخ. أما خرائط البيروني (ت 440هـ، 1048م) فتمثل الخرائط التي تجمع بين مذاهب اليونانيين الفلكيين النجوميين ومذاهب العرب المسالكيين البلدانيين.كما أن البتَّاني (ت 317هـ، 929م) صاحب الزيج الصابي صنع خريطة تُعد أول خريطة جامعة مفصلة للعالم بعد خريطة بطليموس. وهي أصح من خريطة بطليموس، لأنه اتّبع في رسمها طريقة التسطيح البسيط، وخطوط الطول والعرض فيها مستقيمة، أما خريطة بطليموس فعُملت على أساس التسطيح المخروطي. وتُعد خريطة الإدريسي (493 - 560هـ، 1100 - 1165م) التي صنعها للأرض بناء على طلب روجر الثاني النورمندي ملك صقلية، عملاً مبتكرًا في فن الخرائط من بدايته إلى يومنا هذا، فهي خريطة للأرض مجسمة رسمها في أول الأمر على الورق، ثم جسمها في صورة كرة من الفضة رسم عليها اليابس بالذهب، وبعد ذلك، سطّحها تسطيحًا بسيطًا يشبه ما جرى عليه مركاتور في عمل مسقط لخريطة الأرض المبسوطة، وعمل كل الحسابات الرياضية التي يتطلبها التحويل من الاستدارة إلى التسطيح. وقد أوضح الإدريسي طريقته في رسم خريطته في مقدمة كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق.
أما في الصين، فإن أقدم خريطة مطبوعة موجودة في الموسوعة العلمية الصينية كانت سنة 1155م تقريباً، أي أنها طبعت قبل أن تطبع أول خريطة في أوروبا بثلاثمائة سنة.
تطوُّر علم الخرائط في أوروبا. تبع تطور علم الخرائط في أوروبا عدة تطورات مهمة في القرن الخامس عشر الميلادي. أولاً: ترجمة أعمال بطليموس إلى اللغة اللاتينية، مما ساعد في الكشف عن طرق رسم المساقط، وتعيينه المنظم لمواقع الأمكنة. ثانياً: اختراع الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، حيث أصبح إنتاج الخرائط أكثر يسراً. فقد أمكن طباعة عدة نسخ متشابهة، رغم أن هذه العملية تتم يدوياً. ثالثاً: بدأ عهد الكشوفات الجغرافية عند نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، وعملت على زيادة المعرفة بالعالم، وازدياد الشغف برسم الخرائط.
وفي نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، اقتنع العلماء الأوروبيون بفكرة كروية الأرض. وفي عام 1492م، اكتشف كريستوفر كولمبوس العالم الجديد. وقام تاجر ملاح من ألمانيا يدعى مارتن بهايم بعمل كرة أرضية مدوَّن عليها العالم كما يعرفه الأوروبيون، وذلك قبل رحلة كولمبوس. وبالطبع، فإن الأمريكتين لم تظهرا على هذه الكرة التي مثَّلت المحيط الأطلسي أصغر مما هو عليه فعليًا. وبحلول أوائل القرن الخامس عشر الميلادي، بدأ صانعو الخرائط يضمِّنون خرائطهم العالم الجديد. وقد ظهر اسم أمريكا أول ما ظهر على خريطة صنعها عام 1507م الخرائطي الألماني مارتن فالدسيمولر.
وفي عام 1569م، وضع الجغرافي الفلكي الفلمنكي مركاتور جراردوس أول خريطة بناء على مسقط يحمل اسمه. وكان لهذا المسقط فضل كبير على الملاحة البحرية. وفي عام 1570م، قام الخرائطي الفلمنكي أبراهام أورتيليوس بإنتاج أول أطلس في العالم. وبدأ جين دومنيك كاسيني، وهو فلكي يعمل في مرصد باريس، بتمثيل طبوغرافية فرنسا بتفصيل ودقة في أواخر القرن السابع عشر الميلادي. واستمر هذا العمل لأكثر من مائة عام. وفي إنجلترا، نشر الفلكي إدموند هالي، خريطة للرياح التجارية عام 1686م، وعُدَّت هذه الخريطة أول خريطة في الأرصاد الجوية. وتُعد خريطة هالي عن المجالات المغنطيسية للأرض عام 1700م أول خريطة منشورة استخدمت خطوط التساوي لربط النقاط متساوية القيمة.
انحصر نشاط العلماء في القرون: السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر الميلادية في إنتاج الآلات والأدوات الحديثة لتجعل تقنية قياس الأمكنة، ومعرفة مناسيبها أكثر دقة.
صناعة الخرائط في العالم. اكتشف الأوروبيون بلادًا جديدة واستعمروها ما بين القرنين السادس عشر والعشرين، فاحتاجوا بذلك المزيد من الخرائط الحديثة. فقد نشط المسَّاحون الأسبان في مسح أمريكا اللاتينية. وفي عام 1612م، نشر المغامر الإنجليزي الكابتن جون سميث خريطة لساحل فرجينيا في أمريكا الشمالية، وهي أول مستعمرة إنجليزية. كما عمل خريطة لنيوإنجلاند. وفي بداية القرن السابع عشر الميلادي، رسم المكتشف الفرنسي، صمويل دي شامبلين، منطقة واسعة في شمال شرقي أمريكا.
أُنشئت إدارة المساحة عام 1791م، وهي منظمة بريطانية لرسم الخرائط، بإشراف مجلس إدارة المساحة التابع للجيش البريطاني. وقد تحوّلت هذه المنظمة فيما بعد إلى مؤسسة مدنية. لذلك فإن العديد من العاملين فيها قد تدربوا في دوائر الهندسة الملكية التابعة للجيش البريطاني، وقد أرسلت هذه الدائرة حتى الستينيات من القرن العشرين المساحين والمتدربين إلى عدة مستعمرات بريطانية حيث قاموا بإنشاء أقسام الخرائط في مواقع مختلفة، وأدَّوا دوراً كبيراً وحيوياً في فتح وتطوير مناطق جديدة للسكن والزراعة، مثال ذلك ما قام به المساح البريطاني جون أوكسلي، فقد قام بمسح مساحات واسعة من ولاية نيوساوث ويلز في أستراليا وذلك في العقدين: الثاني والثالث من القرن التاسع عشر. أما في الولايات المتحدة، فقد أُنشئت عام 1807م دائرة مساحة الساحل وتعرف الآن بدائرة مساحة المحيط الوطنية، كما تم إنشاء دائرة المساحة الجيولوجية الأمريكية في عام 1879م.
تطور الخرائط الموضوعية. أصبح جمع البيانات المنظَّم شائعاً منذ القرن التاسع عشر الميلادي. فقد قام الخرائطيون بتمثيل هذه البيانات الجديدة، ودراسة مدى صحتها. إذ طوّر الخرائطي البريطاني هنري هارنيس، الخرائط الموضوعية بنشره مجموعة من الخرائط الموضوعية لأيرلندا عام 1837م، وقد استخدمت هذه الخرائط درجة اللون للتعبير عن الكثافة السكانية، والدوائر السوداء المتباينة الحجم في التعبير عن عدد سكان المدن، والخطوط المتباينة السماكة لتمثيل حركة المرور.
وفي عام 1855م، أعد الطبيب الإنجليزي جون سنو، وبصورة دراماتيكية، خريطة موضوعية قيمة لبحث علمي، فقد استخدم في خريطة لضواحي مدينة لندن النقطة لتمثل كل شخص توفي بوباء الكوليرا في تلك السنة. فتجمع عدد كبير من النقط حول مضخة للماء في شارع برود، فساعد ذلك على كشف مصدر هذا الوباء.
التقنية الحديثة وإنتاج الخرائط. ساعد التقدم في الطباعة والتصوير الجوي خلال القرن العشرين، على جعل إنتاج الخرائط، أكثر يسرًا وأقل تكلفة، فأصبحت الخرائط أوسع انتشاراً. ففي بداية القرن العشرين، تطلب التطور في صناعة الطيران إعداد خرائط ملاحية. كما سهلت الطائرات تصوير مناطق واسعة من الجو.
ومنذ منتصف القرن نفسه، تزايد استخدام الحاسوب في رسم الخرائط تزايداً كبيراً، حيث أُعدت المساقط، وضُبطت أجهزة الرسم الآلي التي ترسم أو تطبع الخرائط، كما أنها قد ترسم الخرائط مباشرة، فتبدو في الحال على الشاشات.
وقدم اكتشاف الفضاء مساهمة كبيرة في صنع الخرائط الممثلة لسطح الأرض والقمر وبعض الكواكب وللكون الشاسع. فقد حملت الأقمار الصناعية أجهزة الاستشعار عن بُعْد التي ترسل بدورها الموجات المرتدة من سطح الأرض. ويمكن استعمال هذه الموجات لرسم سطح الأرض، وتحديد مناطق الرواسب المعدنية وأنماط انتشار النباتات الطبيعية، وتحديد أماكن انتشار التلوث البيئي، وغير ذلك من المواضيع.