Section outline
-
نظرية الالتزام
تعد نظرية الالتزام بمثابة العمود الفقري للقانون المدني ، وهو الأمر الذي أعطاها أهمية بالغة سواء في الفقه القانوني أو في الحياة العملية ، وذلك لعلاقتها الوطيدة بالجانب المالي للأفراد حيث نجدهم في تطبيق دائم لها وتعامل مستمر معها. فالفرد عندما يبيع ويشتري أو يؤجر أو يستأجر. أو يعوض الضرر الناجم عن فعله الضار لا يغدو إلا أن يدور في فلك هذه النظرية . ولكن قبل نبدأ في السباحة في هذا الفلك الواسع لابد أن نعود قليلا إلى الوراء وبالضبط إلى الحديث على أنواع الحقوق لأنها البوابة الرئيسية لدخول هذه النظرية .
حيث سبق وأن قسمنا الحقوق إلى نوعين رئيسيين:
1- حقوق غير مالية: وهي الحقوق اللصيقة بالشخصي (droit de la personnalite ) ، وحقوق الأسرة (droit de la famille ). ومثال الأولى الحقوق السياسية وهي التي تخول للشخص المساهمة في إدارة شؤون بلاده .وهي في الأصل حقوق قاصرة على الوطنيين دون الأجانب ، كحق الترشح والانتخاب .إضافة إلى ذلك حق الفرد في التعبير وحرية الرأي . أما الثانية فتتمثل في الحقوق التي تثبت للشخص باعتباره عضو في أسرة معينة بسبب الزواج أو النسب وهي تقترن بتكاليف معينة كقوامة الزوج على الزوجة وحق النفقة وولاية الأب عن أبنائه الصغار وحقهم في الإنفاق وحقهم في الإرث1....الخ وهذه الحقوق لا يمكن تقييمها بمال ولا تداولها ولا نقل ملكيتها بالبيع والشراء كما هو الأمر بالنسبة للحقوق المالية .
2- حقوق مالية : وهي التي يقوم موضوعها بالنقود ( droit patrimoniaux )
وتعد قوام المعاملات المالية وهي مقسمة بدورها إلى قسمين.
القسم الأول : حقوق مطلقة وتشمل الحقوق العينية1 أصلية2 و تبعية 3من جهة والحقوق الذهنية كحق المؤلف وبراءة الاختراع من جهة أخرى.
القسم الثاني: حقوق نسبية وتتمثل في الحقوق الشخصية أو ما يعرف بالالتزام أو الموجب أو حق الدائنية[1]. وهو موضوع دراستنا .
المطلب الأول:تعريف الالتزام
لقد أورد الفقه القانوني عدة تعاريف للالتزام ، نذكر منها مايلي:
1- عرفه الأستاذ محمد حسنين بما يلي :
ًهو علاقة قانونية بين شخصين بمقتضاها يحق لأحدهما أن يلزم الأخر بأن يؤدي له عملا أو أن يمتنع لصالحه عن أداء عمل5 ً.وما يؤخذ على هذا التعريف أن الالتزام ليس هو العلاقة بل هو السلطة التي يمنحها القانون بمقتضى هذه العلاقة لشخص يسمى الدائن قبل آخر يسمى المدين تمكنه من إلزامه بأداء عمل أو الامتناع عنه، تحقيقا لمصلحة مشروعة للدائن .
أما الأستاذ عبد الرزاق السنهوري فقد عرفه :بأنه حالة قانونية يرتبط بمقتضاها شخص معين بنقل حق عيني أو بالقيام بعمل أو بالامتناع عن عمل1 .
كما أن الأستاذ سليمان مرقس أيضا أخذ بوصف الحالة وعرف الالتزام كما يلي :
ً هو حالة قانونية يوجد فيها شخص معين توجب عليه أن ينقل حقا عينيا أو أن يقوم بعمل أو يمتنع عن عملً 2 .
وما يعاب على هذين التعريفين أن وصف الحالة هو وصف عام يطلق على جميع أوصاف القانون ، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليه في تحديد طبيعة الالتزام وفهم مضمونه .
أما الأستاذ علي فيلالي فقد عرفه بما يلي: هو علاقة قانونية ذات قيمة مالية إذا نظر إليها من جانب المدين أي في شقها السلبي تعد التزام و إذا نظرنا إليها في شقها الإيجابي أي من جانب الدائن في عبارة عن حق3 ً.
المطلب الثاني :مصادر الالتزام
يقصد بمصدر الالتزام تلك الأسباب القانونية التي تؤدي إلى نشوئه ، وبتعبير آخر مصدر الالتزام عبارة عن واقعة يرتب القانون عليها أثرا معينا هو نشوء الالتزام .
فعقد البيع مثلا يرتب في ذمة البائع و المشتري التزامات معينة تتمثل في تسليم الشيء المبيع وتسلم الثمن من قبل البائع وتسلم الشيء المبيع ودفع الثمن من قبل المشتري .
و إتلاف ملك الغير يرتب في جانب المتسبب التزام بتعويض الضرر الذي تسبب فيه للغير .
و تعتبر الواقعة المنشئة للالتزام من الوقائع القانونية بمعنى عام لأنها ترتب آثار قانونية خلافا للوقائع الأخرى التي لا يرتب عليها القانون أثارا بل هي مجرد وقائع مادية كالأكل و الشرب و السير و التنفس .... الخ . و عليه فإن الوقائع القانونية التي يرتب عليها القانون أثرا تحدث إما بفعل الطبيعة و إما بفعل الإنسان سواء كانت إرادته تتجه إلى إنشاء الالتزام أم لا .
المطلب الأول: الوقائع الطبيعية
وهي وقائع لا دخل للإنسان في حدوثها مثال ذلك، نضج الثمار يترتب عليه التزام المستأجر بجمعها و انتهاء عقد الإيجار . الوفاة يترتب عليها حق الإرث و الالتزام بدفع تعويض من قبل شركات التأمين لأهل المتوفى إذا كان مؤمنا على حياته . و جميع هذه الالتزامات مصدرها المباشر هو القانون .
المطلب الثاني : الوقائع الناتجة عن فعل الإنسان
وهي نوعان : أعمال مادية و تصرفات قانونية .
أولا : الأعمال الماديـــــــة
و تنقسم بدورها إلى قسمين :
القسم الأول : أعمال مادية لا تتجه فيها الإرادة إلى إحداث أثر قانوني . وهنا تنسب الآثار للفعل لا للإرادة . لأن الفاعل لا يرغب في إنشاء الالتزام . كأن يقوم شخص بضرب آخر فيكون قد أقدم على هذا الفعل بمحض إرادته إلا أنه لم يقصد و لا يرغب في الالتزام بتعويض الضرر الذي تسبب فيه وهنا نكون أما الفعل الضار كمصدر من مصادر الالتزام .
و قد يحدث العكس فيقوم الإنسان بفعل نافع لم يكن يرغب من خلاله إلى إنشاء التزام في ذمة الغير إلا أن الالتزام ينشأ بفعل العمل المادي الذي قام به وليس بما كانت تتجه إليه إرادته ، و هنا نكون أمام فضالة أو دفع غير مستحق أو إثراء بلا سبب .
القسم الثاني : أعمال مادية تتجه فيها الإدارة إلى إحداث أثرها القانوني . كالاستيلاء على الشيء و كالبناء على أرض الغير فإنه يترتب على الأول تملك الشيء المباح و الثانية تملك صاحب الأرض للبناء
ثانيا : التصرفات القانونية .
وهو اتجاه الإدارة نحو إحداث أثر قانوني يتم بمجرد اتجاهها إليه دون اقتران هذا الاتجاه بأي عمل مادي . و هنا يريد الشخص تحمل الالتزام بمحض إرادته نحو شخص كان . وتنقسم التصرفات القانونية إلى قسمين :
القسم الأول : العمل أو التصرف القانوني من جانب واحد أو الالتزام بإرادة منفردة و هو الالتزام الذي ينشأ بإرادة المدين فقط كالوصية و الوعد بجائزة .
القسم الثاني : العقد و هو تصرف قانوني ينشأ عن إرادتين أو أكثر لأشخاص لهم مصالح متضاربة .
ومن هذا المنطلق قام المشرع الجزائري في حصر مصادر الالتزام في خمس هي
1/ العقد
2/ شبه العقد
3/ الفعل الضار
4/ الإرادة المنفردة
5 / القانون
ملاحظة :
بمناسبة التعديل الاخير للقانون المدني الفرنسي الصادر في 10 فيفري 2016 ، غير المشرع الفرنسي تسمية الكتاب الثالث من القانون المدني وتحولت تسميته من " العقود أو الالتزامات الاتفاقية بصفة عامة " إلى مصادر الالتزامات. " وأضاف مصدرا جديدا ولأول مرة وهو الاراد المنفردة من خلال نص المادة 1101 مكرر 01 . كما كرس التعديل التمييز التقليدي المشار اليه سلفا والذي يميز بين التصرفات القانونية والوقائع القانونية. وذلك من خلال نص المادتين 1100 مكرر 01 و1100 مكرر02.
1 - د سليمان بوذياب ، مبادئ القانون المدني ، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع ، ص 46 .
1 – الحق العيني هو سلطة يخولها القانون لشخص معين على شيء معين كحق الملكية .
2 – الحق العيني الأصلي هو الحق الذي يقوم بذاته ولا يستند في وجوده إلى حق آخر .
3 – الحق العيني التبعي هو الذي يستند في وجوده على حق شخصي يكون تابعا له والغاية منه هي ضمان الوفاء به .
4- راجع محمد حسنين . نظرية الحق بوجه عام ، ص 37 .
- يمكن تقسيم الحقوق بشكل عام إلى حقوق سياسية وحقوق مدنية وتنقسم الحقوق المدنية إلى حقوق عامة وحقوق خاصة وتنقسم الحقوق الخاصة إلى حقوق أسرة وحقوق مالية .كما تنقسم الحقوق المالية إلى حقوق معنوية وحقوق شخصية وحقوق ذهنية .راجع في ذلك د سليمان بوذياب .مبادئ القانون المدني .دراسة نظري وتطبيقات عملية .المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع . ص 45 .
5 – راجع محمد حسنين المرجع السابق ، ص36 .
1 – راجع الأستاذ عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط ، الجزء الأول ، ص 125.
2 - راجع الأستاذ سليمان مرقس ، الوافي في شرح القانون المدني ، ص 21 .
3 – راجع الأستاذ علي فيلالي .الالتزامات النظرية العامة للعقد ،الطبعة الأولى ،سنة 1997، مطبعة الكاهنة، ص 07.
-
أحكام الالتزام :
تعد النظرية العامة للالتزام، النظرية الأهم على الإطلاق ضمن النظريات التي جاء بـها القانون المدني، حيث تجسدت هذه الأهمية في الكم الهائل من المواد التي خصتها بها القوانين المدنية عبر مختلف التشريعات.
ولم يحد المشرع الجزائري عن هذا التوجه، بتناوله لهذه النظرية بداية من المادة 53 وإلى غاية المادة 350 من القانون المدني، وذلك ضمن ستة أبواب كاملة من الكتاب الثاني المتعلق بالالتزامات والعقود، متطرقا بذلك إلى نشأة الالتزام والحديث عن مصادره، مرورا بتنفيذه، وتعديله، وانتقاله، وإلى غاية انتهائه وإثباته.
فإذا نشأ الالتزام صحيحا، فإنه يرتب آثارا قانونية معينة على عاتق المدين به تتعلق بتنفيذه وفي حالة الامتناع فإن القانون يتصدى للممتنع ويجبره على التنفيذ. والالتزام قد يكون بسيطا ، وقد تلحقه أوصافا خاصة تؤثر في أحكامه ، كما يمكن نقل الالتزام في جانبه السلبي أي من حيث المدين به ، وكذلك في جانبه الايجابي أي من حيث الدائن به ، وأخيرا فإن الالتزام ينقضي بعدة أسباب سواء كان بالوفاء به أو ما يقوم مقامه أو بغير الوفاء.
وسنتناول تناول أحكام الالتزام وفقا للتسلسل والترتيب الذي جاء به القانون المدني .
الفصل الأول : الأحكام العامة في آثار الالتزام
تمهيد :
مثلما سبق القول في الجزء الأول من النظرية العامة للالتزام وبمناسبة تقسيم الالتزامات ، أين تم تقسيم الالتزام من حيث التنفيذ الى التزام مدني والتزام طبيعي ، فالالتزام المدني هو الالتزام الذي توفر على عنصر المسؤولية وعنصر المديونية على حد سواء في حين أن الالتزام الطبيعي فقد عنصر المسؤولية ، وبقي فقط متمتعا بعنصر المديونية ، وأن فقدانه لعنصر المديونية جعل منه يفتقد لميزة الحماية التي يوفرها له القانون ، وتمكن الدائن من إجبار المدين على التنفيذ .
وعلى الرغم من كون الالتزام الطبيعي يميل أكثر لفكرة الواجب الأدبي إلا أنه ، لا يقطع صلته بالجانب القانوني لأن القانون يعترف به إلى حد معين ، وهو حد التنفيذ الاختياري، لأن المدين إذا قام بتنفيذ الالتزام الطبيعي تنفيذا اختياريا تم قبول هذا التنفيذ، ولا يمكن بعد ذلك الرجوع عن التنفيذ ، أو المطالبة باسترجاع ما تم تسليمه بمناسبته.
لهذه الأسباب اعتبر كثير من فقهاء القانون أن الالتزام الطبيعي التزام ناقص يقع في مرتبة وسطى ما بين الالتزام القانوني والوجب الأخلاقي أو الأدبي[1] وهو أعلى من مجرد الواجب الأخلاقي أو الأدبي وأدنى مرتبة من الواجب القانوني .
المبحث الأول : تعريف الالتزام الطبيعي وحالاته
سنحاول من خلال ما سيأتي إعطاء تعريف للالتزام وتبيان أهم حالاته.
المطلب الأول : تعريف الالتزام الطبيعي
المشرع الجزائري لم يعط تعريفا للالتزام الطبيعي واكتفى بتبيان أهم خاصية من خصائصه ضمن المادة 160 فقرة 02 وهي عدم القدرة على إجبار المدين على تنفيذه ،
حيث جاء ضمن الفقرة الثانية " ... غير أنه لا يجبر على التنفيذ إذا كان الالتزام طبيعيا ."
ومما سبق يمكن تعريف الالتزام الطبيعي أنه واجب قانوني منقوص ، لا تضمنه ذمة المدين . ولا يمكن جبر المدين على الوفاء به . غير أنه إذا تم الوفاء به اختياريا تم الوفاء فلا يعد ذلك تبرعا ولا يمنح الموفي امكانية استرداد ما تم الوفاء به ، مما يعني أن الوفاء بالالتزام الطبيعي متوقف على محض مشيئة المدين.
وفي الفقه القانوني يكتفي الفقهاء بتعريف الالتزام الطبيعي بأنه التزام يحتوى فقط على عنصر المديونية ويفتقر لعنصر المسؤولية[2]. سواء كانت هذه المسؤولية كانت متوفرة ثم زالت ، أو افتقدها منذ نشأته فنشأ معيبا منذ البداية كما هو الحال في دين فاق الحد الذي يتطلبه القانون للكتابة ولم تتم كتابته. مما يؤدي إلى عدم القدرة على اثباته بوسائل الإثبات الأخرى كما هو الشأن بالنسبة لماهو منصوص عليه في المادة 333 من القانون المدني.
المطلب الثاني : حالات الالتزام الطبيعي
تنص المادة 161من القانون المدني على ما يلي :" يقدر القاضي ، عند عدم النص ما إذا كان هناك التزام طبيعي وعلى أي حال فإنه لا يجوز أن يخالف الالتزام الطبيعي النظام العام ."وهي مادة تقابل نص المادة 200 من القانون المدني المصري.
حيث أنه ومن خلال هذا النص يتضح لنا أنه في حالة غياب النص الذي يبين إن كان هذا الالتزام التزام طبيعي أم مدني فإن الأمر موكول للقاضي الذي يفصل في ذلك من خلال إعمال سلطته التقديرية .
من بين الحالات التي ينص فيها القانون على وجود التزام طبيعي ما هو منصوص عليه من خلال نص المادة 320 من القانون المدني والتي تنص على ما يلي:
" يترتب على التقادم انقضاء الالتزام ، ولكن يتخلف في ذمة المدين التزام طبيعي ..." وهو أمر معروف بأن التقادم طريقة من طرق انقضاء الالتزام المدني ولكنها لا تمحي هذا الالتزام بصفة نهائية وتجعل منه وكأنه لم يكن بل تخلف بدلا منه التزاما طبيعيا قابل للوفاء به .
والقاضي في فصله في مسألة وجود اللتزام الطبيعي من عدمه إنما هو يفصل في مسألة واقع وقانون في نفس الوقت ، وهو لا يخضع بالنسبة للمسألة الأولى لرقابة المحكمة العليا ( محكمة النقض) ، في حين يخضع في الثانية لرقابتها. وأما عن مسألة الواقع ، فلا تخرج عن كونها تحصيل الوقائع الثابتة مما يقدم له من أوراق، وأدلة ومستندات ، وأما عن المسألة التي تدخل في إطار القانون ، فهي تتمثل في تحديد العناصر التي يتكون منها الالتزام الطبيعي، وتكييف هذه العناصر وإعطائها الوصف القانوني الصحيح ، وهنا نجد أن عمل القاضي يميل إلى التشريع إذ هو صاحب السلطة التقديرية في القول بوجود النص من عدمه [3].
الآثار المترتبة عن الالتزام الطبيعي
الالتزام الطبيعي شأنه شأن الالتزام المدني له اثار يرتبها ، وتقترب هذه الاثار بشكل واضح من اثار الالتزام المدني .
المطلب الأول : عدم القدرة على الاسترداد.
تنص المادة 162 من القانون المدني على ما يلي" لا يسترد المدين ما أداه باختياره ، بقصد تنفيذ التزام طبيعي ."
وعليه يمكن القول أن الوفاء بالالتزام الطبيعي يؤدي إلى الوفاء بالدين وعدم القدرة على الاسترداد لما تم تقديمه من قبل المدين لتبرئة ذمته تجاه الدائن ، ويصح هذا الوفاء بتحقق شرطين :
أولهما : أن يكون الكوفاء اختياريا أي بمحض مشيئة المدين ، ومن دون أي إكراه من الدائن ، مادي أو قانوني ، فإن تم الاكراه جاز الرجوع على التنفيذ واسترداد ما تم دفعه أو تقديمه.
وثانيهما : أن يكون الوفاء من المدين على دراية ووعي ، وأن يكون مدركا أنه ينفذ التزاما طبيعيا ليس مجبرا على تنفيذه ، وفي رأيي لو تم التنفيذ عن غير دراية وأن القائم بالتنفيذ كان يعتقد أن عليه تنفيذ هذا الالتزام في حين أن العكس صحيح ، فيمكن له التمسك بأحكام نظرية الغلط ، لاسترداد ما تم دفعه، أو نظرية التدليس اذا كان الدائن قد لجأ إلى حيل لإخفاء حقيقة معينة أو تغليط المدين ودفعه إلى الوفاء.
المطلب الثاني: يمكن أن يكون سببا لالتزام مدني.
ومعنى هذا الأثر أن الوعد بالوفاء بالتزام طبيعي ، هو وعد صحيح وملزم ، أي أن هذا الوعد أو الاقرار يقلب الالتزام الطبيعي إلى التزام مدني ويصح أن يكون سببا له ، وفي هذا الموضع ظهرت عدة نظريات فمنها من يقول بتجدد الالتزام وأن الالتزام قد تم احياؤه من جديد وبشروط انعقاده السابقة . ومنهم من يرى أن ما يقوم به المدين هو مجرد اعتراف بالالتزام السابق[4] .
ولكن ان الحديث عن تجدد الالتزام أو الاعترف به من دون معنى وأن الرأيين السابقين يمكن تجاوزهما ، خاصة إذا عدنا إلى نص المادة 163 والتي تنص على أنه يمكن أن يكون سببا وبالتالي الالتزام المعني بالتنفيذ ليس الالتزام الطبيعي ، ولكن الالتزام الجديد والذي يكون مصدره الارادة المنفردة كما هو الشأن في الاعتراف
أو العقد كما لو أن اتفق الدائن والمدين على تنفيذ الالتزام الطبيعي ، وهنا يمكن القول أن ما قام به المدين يعد عملا تبرعيا وأن اتفاقهما يدخل ضمن عقود التبرع.
ومن بين النتائج المترتبة عن ما سبق ما يلي:
أولا : عدم القدرة على اجبار المدين على الوفاء بالالتزام الطبيعي لعدم وجود دعوى تحميه .
ثانيا : عد القدرة على اجراء عملية المقاصة ما بين الالتزامين الطبيعي والمدني ، لأن المقاصة ليست إلا طريقا غير مباشر لإجبار المدين على الوفاء ، وهي لا تكون إلا بين التزامين متساويين في قوتهما .
ثالثا : كما لا يمكن كفالة الالتزام الطبيعي لأن الكفالة عقد تبعي فإذا تعذر اجبار المدين الأصلي على الوفاء فيه فإن الكفيل يكون من باب أولى غير ملزم به ، وهذا الرأي فيه خلاف بين مؤيد لجواز الكفالة وبين معارض لها [5].
[1] - ياسين محمد الجبوري ، الوجيز في شرح القانون المدني الأردني ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الأردن ، الطبعة الثانية 20011 ص 17.
[2] - في الالتزامات القانونية قد تجتمع المسؤولية والمديونية معا ، وقد غيب المسؤولية وتبقى المديونية كما هو الشأن في حالة الالتزام الطبيعي. وقد تحضر المسؤولية وتغيب المديونية كما هو الشأن في حالة ضمان دين غير شخصي .
[3] - محمد علي عمران ، الوجيز في اثار الالتزام ، جامعة عين شمس – مصر – طبعة سنة 1984، ص6 .
[4] - حسن على الدنون ومحمد سعيد الرحو – الوجيز في النظرية العامة للالتزام ، الجزء الثاني ، أحكام الالتزام ،الطبعة الأولى ، سنة 2004، ص 16.
[5] - حسن على الدنون ومحمد سعيد الرحو – المرجع نفسه ، ص16.
-
الفصل الثاني : تنفيذ الالتزام
تمهيد
أن الهدف الرئيس من نشأة الالتزام هو تنفيذ، ويكون ذلك إما طواعية وبرضي المدين ومن تلقاء نفسه، أو بإجباره عن طريق السلطة العامة في الحالة التي يتخلف فيها أو يرفض تنفيذ ما التزم به.
والأصل في تنفيذ الالتزام أن يكون عينا ، غير أنه إذا استحال التنفيذ العيني جاز التنفيذ بطريق التعويض، من خلال الاكتفاء بمقابل نقدي من شأنه أن يكون بديلا عن الالتزام الأصلي.
وسنتطرق ضمن هذا الجزء إلى أنواع التنفيذ التي تطرق لها القانون المدني ضمن نصوصه والمتمثلة في التنفيذ العيني والتنفيذ بمقابل (التنفيذ بطريق التعويض):
المبحث الأول : التنفيذ العيني
تناول القانون المدني الجزائري فكرة التنفيذ العيني من خلال نص المادة 164 منه ، والتي تنص على مايلي: " يجبر المدين وبعد إعذاره طبقا للمادتين 180، 181 على تنفيذ التزاماته تنفيذا عينيا متى كان ذلك مممكنا "
ومن خلال نص هذه المادة يتبين لنا أن التنفيذ العيني للالتزام هو الأصل طالما كان هذا الأخير ممكنا، والتنفيذ العيني يقصد به أن يوفي المدين بعين ما التزم به ، وبالشروط المتفق عليها أثناء نشأة الالتزام[1] فإن لم يفعل كان للدائن حق إجبار المدين عليه طالما كان في إمكان المدين القدرة على القيام به[2].أما في حالة الاستحالة ( مطلقة أو نسبية بأن يصبح مرهقا ) لا يكون للدائن إلا الحق في المطالبة بالتعويض كما سنأتي إلى ذكره لاحقا من خلال المبحث الثاني .
المطلب الأول : شروط التنفيذ العيني .
لقد حددت المادة 164 من القانون المدني الشروط الواجب توفرها من أجل التمسك بالتنفيذ العيني ، وهذه الشروط تتمثل فيما يلي:
الفرع الأول: شرط أن يكون التنفيذ العيني ممكنا
شرط امكانية التنفيذ أول الشروط التي يقتضيها التنفيذ العيني لأنه في الحالة التي يصبح فيها التنفيذ العيني للالتزام مستحيلا، فإنه لا بديل عن التوجه نحوالتنفيذ بطريق التعويض.
وأن أسباب استحالة التنفيذ متعددة ، فقد ترجع إلى فعل المدين ذاته، أو إلى سبب أجنبي لا يد له فيه، فإذا استحال التنفيذ بخطأ من المدين لم يكن هناك مفر من الحكم بالتنفيذ عن طريق التعويض، ومثال عن استحالة التنفيذ العيني بخطأ المدين ، الحالة التي يتعهد فيها محام باستئناف حكم معين، ثم بعد ذلك يتهاون ويتراخى عن كتابة عريضة الاستئناف ، الأمر يترتب عنه انقضاء الميعاد القانوني للاستئناف.
أما إذا اثبت المدين أن الاستحالة ترجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه، فإن الالتزام ينقضي، دون أن يكون المدين ملتزما بالتعويض كما في حالة هلاك الشيء المبيع بقوة قاهرة قبل تسليمه للمشتري. حيث تنص المادة 369 من القانون المدني على ما يلي :
" إذا هلك المبيع قبل تسليمه بسبب لا يد للبائع فيه سقط البيع واسترد المشتري الثمن إلا إذا وقع الهلاك بعد إعذار المشتري بتسليم الشيء المبيع ".
وعليه فإن انقضاء التزام البائع بتسليم الشيء المبيع سيؤدي حتما إلى انقضاء الالتزام المقابل والمتمثل في دفع المشتري للثمن.
والتنفيذ العيني يكون ممكنا بصفة دائمة في الحالة التي يكون فيها محل الالتزام عبارة عن مبلغ من النقود حتى ولو تبين أن المدين غير قادر على دفع المبلغ وقت المطالبة به، أما إذا كان محل الالتزام نقل ملكية شيء أو إنشاء حق عيني ، فإن هلاك الشيء أو انتقال ملكيته إلى شخص آخر يجعل من تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا مستحيلا.
أما إذا كان التنفيذ العيني متعلق بالتزام محله القيام بعمل فإن فوات وقت التنفيذ يدخلنا في دائرة الاستحالة أو في حكمها كما هو الشأن في امتناع فنان على إحياء حفل معين. وفيما يخص الالتزام الذي محله الامتناع عن عمل فإن التنفيذ العيني يصبح مستحيلا إذا قام الملتزم بالإقدام على القيام بالعمل الممنوع القيام به.
الفرع الثاني :شرط مطالبة الدائن به أو أن يتقدم به المدين ( عرض وفاء )
عملا بالقاعدة العامة التي تقول أن الدين مطلوب وليس محمول، فإنه على الدائن أن يسعى لتحصيل دينه من خلال مطالبة المدين بتنفيذ ما التزم به، وعلى المدين أن يوفي بذلك طالما أن التنفيذ ممكنا، وليس للمدين أن يتهرب بدفع التعويض . وللدائن في هذه الحالة الحق في إجبار المدين على الوفاء بالتزامه بكل الطرق التي يسمح بها القانون.
وإذا ما تقدم المدين بالتنفيذ العيني فليس للدائن أن يرفض ذلك، ويطالب بالتعويض بدلا عنه، ويترتب على ذلك أن المدين تبرأ ذمته إذا قام به سواء قبله الدائن أو لم يقبله.
أما الحالة التي لم يطالب فيها الدائن بالتنفيذ العيني ومر مباشرة لطلب التعويض، فإنه في هذه الحالة إذا لم يعارض المدين ولم يقدم التنفيذ العيني، كبديل عن التعويض، فإن القاضي يحكم به ويعد ذلك بمثابة تنازل ضمني من المدين عن التمسك بحقه في التنفيذ العيني.
الفرع الثالث: شرط الإعذار
هذا الشرط يحمل في طياته حسن نية الدائن وعدم تعسفه، وتقديم فرصة للمدين للتنفيذ الاختياري للالتزام.
أولا: معنى الاعذار وأسباب اللجوء إليه .
لقد تم تناول هذا الشرط صراحة ضمن نص المادة 164 من القانون المدني، ويقصد بالاعذار تسجيل تأخر المدين وإعلامه بذلك أو بتعبير آخر وضع المدين موضع المتأخر في تنفيذ الالتزام ، وهو أيضا دعوة المدين رسميا إلى الوفاء بالتزامه اختيارا ، ويكون ذلك بطريق الانذار أو بما يقوم مقامه[3]، والانذار ورقة رسمية من أوراق المحضرين تعلن إلى المدين على يد محضر وفقا للقواعد التي تضمنتها القانونين التي تنظم مهمنة المحضر القضائي وقانون الإجراءات المدنية والإدارية .
والحكمة من وضع شرط الإعذار في التنفيذ العيني، تعود بالدرجة الأولى
إلى إعمال الجانب الأخلاقي في المعاملات التي تتم مابين الأفراد ، وتذكير المدين بالتزامه وتجنيبه ما قد ينجر عن التنفيذ الجبري وما يتضمنه من وسائل قهرية، تجبره على التنفيذ.زيادة على ما سبق فاللجوء إلى الإعذار يتضمن سببا قانونيا، حيث يستفاد من عدم إعذار المدين ، بأن الدائن قد رضي أن يمتد أجل الوفاء بالالتزام، ومن ثم يكون الدائن في حاجة إلى نفي هذا الافتراض ولا يكون أمامه إلا الإعذار .
وإعذار المدين يكون بإنذاره ، والإنذار يكون عن طريق البريد وفقا لنص المادة 180 من القانون المدني ، وان كانت المادة لم تحدد نوع البريد إن كان عادي أو مضمون الوصول فإنه في الغالب يتم الاعذار عن طريق البريد مضمون الوصول. وقد يختار الدائن طريقا آخر بتبليغه عن طريق محضر قضائي بواسطة ورقة رسمية، يبدي فيها الدائن لمدينه رغبته في استيفاء حقه.
والمشرع في نص المادة 180 من القانون المدني تحدث عن الاعذار أو ما يقوم مقامه ، وما يقوم مقام الاعذار هي المطالبة القضائية وهو أمر تناولته المحكمة العليا وجاء ذلك في الملف رقم 426202 المؤرخ في 18/06/2008 ، بخصوص تطبيق نص المادة 180 من القانون المدني حيث جاء فيه مايلي:" المبدأ: يتحدد تاريخ بداية قيام مسؤولية الطاعن عن رد الثمار أو مسؤوليته عن الاستغلال غير المشروع بثبوت سوء النية عن طريق الاعذار أو المطالبة القضائية"
وتجدر الاشارة إلى أن هناك حالات لا يحتاج فيها الدائن لإعذار مدينه .
فيمكن أن يعفى الدائن من توجيه الإعذار إذا اتفق الطرفان على أن مجرد حلول الأجل يحول دون الحاجة إلى القيام بأي إجراء آخر ، وقد نص القانون المدني على هذه الحالة ضمن نص المادة 180 منه .
وإن لم يكن هناك اتفاق مسبق فإنه لا مفر من تجنب الإعذار، وذلك باللجوء إلى مانصت عليه المادة 181 والتي حددت هذه الحالات فيما يلي:
1- إذا تعذر تنفيذ الالتزام أو أصبح غير مجد بفعل المدين.
وهنا نجد أن القصد الذي ابتغاه المشرع من الاعذار والذي هو التنفيذ أصبح مستحيلا ، وبالتالي اللجوء إلى الاعذار أصبح من قبيل التضييع للوقت.
2- إذا كان محل الالتزام تعويضا ترتب عنه عمل مضر.
وهذه الحالة المقصود بها الالتزام بالتعويض الناجم عن المسؤولية المدنية أو الفعل الضار، وهو التزام غير تعاقدي وبالتالي من غير المتصور أن نتحدث فيه عن الاعذار، على اعتبار أن هذا النوع من الالتزامات يسأل فيه المدين مباشرة بعد نشوئه .
3- إذا كان محل الالتزام رد شيء يعلم المدين أنه مسروق، أو شيء تسلمه دون حق وهو عالم بذلك.
والملاحظ أن هذه الحالة لها نفس حكم الحالة الثانية باعتبار الالتزام فيها مصدره غير تعاقدي.
4- إذا صرح المدين كتابة أنه لا ينوي تنفيذ التزامه.
والكتابة إذا كانت صحيحة تعتبر بمثابة دليل كاف على سوء نية المدين وإصراره على عدم التنفيذ ، وبالتالي لا فائدة من الاعذار .
الفرع الرابع : شرط ألا يكون التنفيذ العيني تنفيذا مرهقا للمدين.
وهذا شرط لم يتناوله المشرع الجزائري، واكتفى بالقول أن يكون ممكنا حسب نص المادة 164 من القانون المدني، والالتزام الممكن قد يتم تنفيذه بسهولة وقد يكون تنفيذه مرهقا.
وإعفاء المدين من تنفيذ الالتزام المرهق أمر تقتضيه قواعد العدالة ( الفرق بين العدل والعدالة) ، وكذا أحكام نظرية التعسف في استعمال الحق . وهما بطبيعة الحال أمران لا يتعارضان على الإطلاق مع أحكام التشريع الجزائري .
فبخصوص التعسف في استعمال الحق والمنصوص عليه في المادة 124 مكرر ، يمكن إدراج المطالبة بتنفيذ الالتزام المرهق ضمن الفقرة المتعلقة بالحصول على فائدة قليلة بالنسبة إلى الضرر الناشئ للغير .
وعليه من العادلة أن يكون هناك توازن بين مصلحة الدائن ومصلحة المدين، وعدم تغليب أحدهما على الأخرى. وبالتالي من المستحسن أن نجعل من التعويض النقدي في هذه الحالة بديلا.
والقول بأن الالتزام مرهق أمر نسبي ، يختلف بحسب الأشخاص وبحسب الظروف ، وللقاضي واسع النظر وكامل السلطة التقديرية في القول به ، وإحلال التعويض النقدي بدل التعويض العيني . ومثال عن ذلك شخص تجاوز في عملية البناء المسموح به ودخل في ملكية جاره ، أو مس حقا من حقوق الارتفاق التي تخص جاره ضيق في الممر أو أثر على المطل بالزيادة في عدد الطوابق إلى حد يجاوز المسموح به، وبالتالي فإن هدم البناء وجعله مطابقا للحالة المسموح بها سيترتب عنه ضررا كبير للدائن ، وبالتالي فهو أمر مرهق ويجوز للقاضي في هذه الحالة إعمال التعويض النقدي بدل عن التعويض العيني، حسب نص المادة 870 من القانون المدني في فقرتها الثانية.
[1] - أحمد شرف الدين ، الوجيز في أحكام الالتزام ، محاضرات مطبوعة ، ملقاة على طلبة الحقوق بجامعة عين شمس، من دون ذكر سنة الطبع ، ص 09 .
[2] - مع العلم أن الوفاء الجبري يقابله الوفاء الاختياري، وكل واحد منهما له أحكام مستقلة خاصة به، فالتنفيذ الجبري تناوله المشرع في الباب المتعلق باثار الالتزام أما التنفيذ الاختياري (الوفاء ) فتناوله المشرع في باب انقضاء الالتزام.
[3] - أحمد شرف الدين المرجع السابق ، ص 13
-
كيفية التنفيذ العيني ووسائل إجبار المدين على القيام به
التنفيذ العيني يكون وفقا لما تم الاتفاق عليه من قبل أطراف علاقة المديونية أي الدائن والمدين ، وفي حالة الاخلال بما تم الاتفاق عليه يتم اللجوء إلى إجبار المدين وفقا للطرق التي يقررها القانون.
الفرع الأول: كيفية التنفيذ العيني.
تتوقف كيفية القيام بالتنفيذ العيني للالتزام على طبيعة المحل في الالتزام الأمر الذي يؤدي إلى اختلاف طريقة التنفيذ الجبري باختلاف المحل.
وحيث أن محل الالتزام وفقا لما تمّ التعارف عليه في النظرية العامة للعقد هو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو الالتزام بنقل ملكية حق عيني ( الالتزام بإعطاء شيء ).
وحيث أن انتقال الملكية في العقود الرضائية يتم بمجرد توافر أركانها من تراضي، محل وسبب، إذا كان المحل منقولا معينا بالذات ، وبعد الفرز إذا كان المنقول معينا بالنوع.
أما في العقود الشكلية فإن الملكية تنتقل بعد استيفاء الشكلية المباشرة وغير المباشرة، فمثلا في العقارات لا تنتقل الملكية إلا بعد القيام بالكتابة الرسمية والشهر في المحافظة العقارية.
الفرع الثاني : وسائل إجبار المدين على التنفيذ العيني (الغرامة التهديدية )
في الحالة التي لا نحتاج فيها إلى تدخل شخص المدين في تنفيذ الالتزام تكون الأمور متيسرة في التنفيذ وذلك بتسخير القوة العمومية واللجوء إلى ما يعرف بالتنفيذ العيني مباشرة . ولكن في الحالة العكسية عندما تكون شخصية المدين محل اعتبار في عملية التنفيذ ، فإنه لا بد من اللجوء إلى إعمال الغرامة التهديدية أو ما يعرف بالتهديد المالي .
أولا/ تعريف الغرامة التهديدية
هي وسيلة معتمدة لإجبار المدين على التنفيذ العيني للالتزام ، في الحالة التي يتطلب فيها الوضع تدخل المدين في عملية التنفيذ سواء بالسلب أو بالإيجاب ، وهي آلية ابتدعها القضاء الفرنسي وقد تم الأخذ بها من قبل القوانين المعاصرة ومنها القانون الجزائري .
ثانيا/ الغرامة التهديدية من خلال نصوص التشريع الجزائري:
أخذ المشرع الجزائري بالغرامة التهديدية ضمن العديد من المواد القانونية والتي تنتمي إلة نصوص مختلفة كالقانون المدني م 174 و قانون الأجراءات المدنية والادارية 625 وبعض النصوص القانونية الخاصةكنصوص قانون العمل 90/04 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية للعمل وبالأخص المواد 34- 35- 39 منه.
ثالثا/ شروط إعمال الغرامة التهديدية :
حتى يتم إعمال الغرامة التهديدية والحكم بـها من قبل القاضي لابد من توفر عدة شروط وهي :
1- إمكانية تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا : إن الغرض الرئيس من إعمال الغرامة التهديدية أن يكون تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا ممكنا بمعنى أنه لا يزال باستطاعته المدين القيام به ، أما إذا استحال القيام بالتنفيذ العيني بسبب لا يد للمدين فيه ، أو بسبب يرجع للمدين ، فإنه لا يجوز الحكم بالغرامة التهديدية ، ويستوي في ذلك أن يكون المدين شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا.
2- أن يتطلب تنفيذ الالتزام الوجود الشخصي للملتزم : وفي هذه النقطة يجب الإشارة إلى أن الوجود الشخصي يكون مطلوبا سواء في تنفيذ الالتزام سواء بشكل كلي ، أو أن يتم تنفيذه بشكل غير ملائم ، وهذا الشرط هو الذي يمكن من خلال تحديد الحالات التي يمكن فيها للقاضي اللجوء إلى الغرامة التهديدية. وعليه فإن الحالات المتعلقة بنقل ملكية شيء معين بذاته أو التي يكون محلها الالتزام بإعطاء مبلغ من النقود لا يكون فيها القاضي بحاجة إلى إعمال الغرامة التهديدية ، لوجود بدائل أخرى يمكن اللجوء إليها في عملية التنفيذ.
رابعا/ سلطة القاضي في إعمال الغرامة التهديدية وتصفيتها : في حالة توفر الشروط سالفة الذكر فإن القاضي بإمكانه الحكم بالغرامة التهديدية بناء على طلب الدائن بالتنفيذ ، وحيث أن الحكم بالغرامة التهديدية هو أمر جوازي - م 174 قانون مدني - ، بحيث يمكن للمحكمة أن تحكم بها، كما يمكن لها أن لا تحكم بها ، مما يستتبع عدم ارتباطها بالنظام العام ، ولا يحكم بها القاضي من تلقاء نفسه ، ولا يكون الحكم بها إلا بناء على طلب الخصم المقررة في صالحه أو لمصلحته ، ولهذه الأسباب هناك من يرى أن هذا الأمر يعد كشرط ثالث للحكم بها.
ويكون للدائن الحق في طلب الغرامة التهديدية في أية حالة تكون عليها الدعوى ، ويكون له في المطالبة بالغرامة التهديدية حتى أمام المجلس القضائي ولو لأول مرة على اعتبار أن المطالبة بالغرامة التهديدية لا تعتبر من قبل الطلبات الجديدة ، وإنما تعتبر من ملحقات الطلب الأصلي[1].
وفي حالة عدم تحقق الغرض من الغرامة التهديدية، فعلى القاضي أن يقوم بتقدير الضرر الذي أصاب الدائن واللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض أو التنفيذ بمقابل.
وهنا نكون بصدد ما يعرف بتصفية الغرامة التهديدية
رابعا : تصفية الغرامة التهديدية
يشكل طلب تصفية الغرامة التهديدية امتداد للطلب الأصلي المتعلق بطلب الحكم بها
وعليه فإن كل الشروط التي يجب أن تتوفر في طلب الحكم بها يجب أن تتوفر في طلب تصفيتها أ ويختلف الأمر فقط في عدم وجوب المطالبة بالتصفية باعتبار القاضي يمكن أن يلجأ إلى إجراء التصفية من تلقاء نفسه[2].
حيث أنه وبعد مرور مدة العشرون يومنا و بعد امتناع المنفذ عليه عن التنفيذ للحكم القضائي المتضمن الغرامة التهديدية يحرر محضر عدم امتثال أو يمكن أن يغني التصريح والرد الكتابي للمدين بعدم التنفيذ عن هذا المحضر و اذا مانص الحكم على وجود غرامة تهديدية يحيل طالب التنفيذ الى القضاء من اجل القيام بتصفية الغرامة التهديدية التي يصدر في شأنها حكم يحدد قيمتها و يتم حينئذ تنفيذها متى كان الحكم حائزا لقوة الشيء المقضي فيه . وهنا القاضي الذي حكم بها هو الذي يقوم بتصفيتها.
خامسا/ الطبيعة القانونية للغرامة التهديدية :
أورد الدكتور ياسين محمد الجبوري من خلال مؤلفه الوجيز في شرح القانون المدني الأردني وضمن الجزء المتعلق بأحكام الالتزامات جملة من الفوارق التي تحدد طبيعة الغرامة التهديدية وتميزها عن التعويض من جهة وعن العقوبة من جهة ثانية.
5-1 / لا تعتبر الغرامة التهديدية تعويضا : فهي لا تعد تعويضا بأي شكل من الأشكال ، يحكم به لصالح المضرور نتيجة لتخلف المدين عن تنفيذ التزامه أو التأخر فيه ، وذلك لأن الحكم بها يختلف عن الحكم بالتعويض في ثلاث أمور هي كما يأتي :
- الاختلاف من حيث الغرض باعتبار أن الغرض من التعويض هو إصلاح الضرر في حين أن الغرض من الغرامة التهديدية يكمن في إجبار المدين على الوفاء بتنفيذ التزامه تنفيذا عينيا .
- الاختلاف من حيث تقدير المبلغ المحكوم به حيث يهدف التعويض إلى تغطية الخسارة التي لحقت بالدائن والكسب الذي فاته لذلك عادة ما نجد تناسب وتعادل بين حجم الضرر ومقدار التعويض ، أما الغرامة التهديدية فإنها لا تناسب بينها وبين حجم الضرر الذي أصاب الدائن من جراء إمتناع المدين عن القيام بتنفيذ الالتزام الذي هو على عاتقه، وفي كثير من الحالات يفوق مبلغ الغرامة مقدار الضرر الذي تعرض له الدائن والأكثر من ذلك أن القاضي بإمكانه أن يحكم بها حتى في الحالة التي ينعدم فيها الضرر ، باعتبار أن المشرع لم يشترط عنصر الضرر للحكم بالغرامة التهديدية.
- الاختلاف من حيث تسبيب الحكم بها، ينبغي على القاضي حين الحكم بالتعويض أن يسبب قراره ويؤسسه ويسنده أما أثناء الحكم بالغرامة التهديدية فلا داعي لتسبيب القاضي حكمه أو قراره القاضي بها[3] .
5-2 / الغرامة التهديدية ليست عقوبة خاصة : الغرامة التهديدية ليست عقوبة خاصة توقع على المدين المتعنت ، لأن العقوبة حين النطق بها من قبل المحكمة تنفذ كما هي وكما تم النطق بها ، وهذا ما لانراه وما لا نلمسه في الغرامة التهديدية ، فهي حكم وقتي لا يجوز تنفيذه ، وما ينفذ في نطاق الدعوى بها ، هو الحكم النهائي بالتعويض بعد تبين موقف المدين النهائي ، ويجب أن لا يتم تفسير زيادة مبلغ التعويض نتيجة لتعنت المدين وفرض غرامة تهديدية عليه أنها عقوبة خاصة ، إنما يجب ردها إلى اعتبار تعنت المدين وإصراره على عدم تنفيذ الالتزام من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الضرر وازدياده بالنسبة للدائن[4].
التنفيذ بطريق التعويض
جميع الالتزامات ومهما كان مصدرها فإنها تعد قابلة للتنفيذ عن طريق التعويض أو ما يعرف بالتنفيذ بمقابل ، فالتنفيذ العقدي مثلا يمكن تنفيذه بطريق التعويض وخاصة في الحالة التي يصبح فيها التنفيذ العيني مستحيلا بخطأ المدين ، ونفس الشيء عن الالتزامات المتولدة عن الفعل الضار ، حيث يتعذر إصلاح الضرر وإعادة الأوضاع إلى الحالة التي كانت عليها ، مما يؤدي إلى اللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض إل غير ذلك من الحالات .
المبحث الأول : حالات اللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض .
وعليه يمكن حصر الحالات التي يتم اللجوء فيها إلى التنفيذ بمقابل ، أو التنفيذ عن طريق التعويض فيما يلي:
المطلب الأول : إذا استحال على المدين تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا بسبب استحالة ترجع إلى فعله الشخصي .
وهنا لابد من الاشارة إلى أن الاستحالة في هذه الحالة ممكنة التحقق بالنسبة لجميع أنواع الالتزام ما عدا الالتزام بدفع مبلغ من النقود ، الذي يظل ممكنا في جميع الأحوال والظروف [5].
المطلب الثــانـي: إذا كان التنفيذ العيني ممكنا ولكن يؤدي إلى ارهاق المدين
المطلب الثالث : إذا طالب به الدائن ولم يعترض المدين عليه
المطلب الرابع : إذا كان التنفيذ العيني يقتضي تدخل شخص المدين غير أن هذا الأخير رفض ، حتى بعد الحكم عليه بغرامة تهديدية.
المبحث الثاني : أنواع التنفيذ بمقابل (التعويض عن عدم تنفيذ الالتزام )
يتضح لنا من خلال نص المادة 176 من القانون المدني ، أن للتعويض نوعيين وهما :
المطلب الأول : التعويض عن عدم تنفيذ الالتزام
يحل التنفيذ بطريق التعويض محل التنفيذ العيني ولكنه لا يجتمع معه ، وهذا أمر منطقي لأن التنفيذ العين يقطع الطريق أمام اللجوء إلى التنفيذ بمقابل .
المطلب الثاني : التعويض عن التأخر في تنفيذ الالتزام
على عكس ما سبق قوله في المطلب الأول فإن التعويض عن التأخر في تنفيذ الالتزام يمكن أن يجتمع مع التنفيذ العيني ويقصد به تعويض الدائن عن الضرر الذي لحق به بسبب تأخر المدين في التنفيذ ، كما يجتمع نوعا التعويض معا إذا انتهت حالة التأخر في التنفيذ بعدم التنفيذ نـهائيا ، وعندها يشمل التعويض الحق في التنفيذ بطريق التعويض والتعويض عن التأخر في الوفاء[6] .
مع ملاحظة أن الالتزام بالتعويض لا يعد التزاما جديدا يحل محل الالتزام الأصلي الذي يلتزم به المدين ، بحيث أن الضمانات المقررة للالتزام تبقى قائمة لضمان الوفاء بالتعويض .
المبحث الثالث : وسائل التنفيذ بطريق التعويض.
يشترك التنفيذ العيني والتنفيذ بمقابل في الوسائل التي يتم بـها أو في الطريقة التي يتم بـها فقد يقوم به المدين طواعية واختيارا وقد يتم اللجوء الى وسائل الاجبار لحمل المدين على القيام بالتنفيذ بطريق التعويض وتمكين الدائن منه .
وعليه إذا حكم على على المدين بدفع مبلغ من المال كتعويض للدائن ، وتخلف هذا المدين عن القيام بدفع التعويض اختيارا من خلال ما يعرف بالوفاء ، جاز للدائن إجباره على الدفع بطريق التنفيذ الجبري[7] ، من خلال اللجوء الى طرق التنفيذ المنصوص عليها في قانون الاجراءات المدنية والادارية ، وذلك من خلال الحجز على اموال المدين وهذا بطبيعة الحال في الحالات التي يحكم فيها بتعويض مالي من خلال تقرير مبلغ من النقود.
ولكن يمكن أيضا أن يكون التعويض عينا في بعض الحالات ومن الأمثلة على ذلك في بعض الحالات عندما يتم الاعتداء على قطعة أرضية في مكان معينا وتخصيصها لبناء مشروع عام ، فيحكم إما بتعويض مالي أو بتعويض المتضرر بقطعة أخرى في مكان آخر ، وهذا الأمر معمول به في الحياة العملية ونجده أكثر تقبلا من قبل الدائنين لأن الكثير منهم يرفض التعويض المالي ، وهنا يمكن اللجوء التي نفس الوسائل التي كان يتم اللجوء اليها في التنفيذ العيني من خلال عمال الغرامة التهديدية .
المبحث الرابع : كيفية تقدير التعويض.
حسب نص المادة 182 من القانون المدني يتم تقدير التعويض بثلاثة طرق وهي :
1- التقدير القضائي .
2- التقدير القانوني ، كما هو الشأن في التعويض عن حوادث المرور عن طريق سلم يتم من خلاله تقدير التعويض.
التقدير الاتفاقي ، ويعرف أيضا بالتعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي ، حيث نجد أن الشرط الجزائي عبارة عن اتفاق سابق على تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن في حالة عدم تنفيذ الالتزام أو التأخر في تنفيذه . وفيه تحديد مسبق لمسؤولية المدين ، وكذا إعمال هذا الشرط كبديل عن الغرامة التهديدية
[1] - حسن قدادة ، المرجع السابق ، ص 31 .
[2] - مزياني سهيلة- الغرامة التهديدية في المادة الادارية - مذكرة مقدمة للحصول على درجة الماجيستير ، كلية الحقوق جامعة الحاج لخضر باتنة ، الموسم الجامعي 2011-2012 ، ص64.
[3] - ياسين محمد الجبوري ، المرجع السابق ، ص 203.
[4] - ياسين محمد الجبوري ، نفس الصفحة ونفس المرجع ص 204.
[5] - السيد محمد السيد عمران – أحكام الالتزام – صادر عن دار الفتح للطباعة والنشر ، طبعة 2007 ، ص 101
[6] - أحمد شرف الدين – الوجيز في أحكام الالتزام – ملخص في شكل محاضرات ألقاها الدكتور عزت عبد المحسن سلامة، مدرس القانون ، بكلة الحقوق جامعة عين شمس . دون ذكر الناشر أو الطبعة .
[7] - السنهوري الجزء المتعلق باحكام الالتزام – ص825.