1.1. البيبليولوجيا أو علم الكتاب:
. البيبليولوجيا أو علم الكتاب:
كلمة ببيولوجيا (BIBBLIOLOGIA) أو (Bibliology) جاءت من اللغة اليونانية وهي مركبة من شقين ؛ الأول (Biblion) ويعني كتيب، وهي صورة التصغير المأخوذة من مصطلح (Biblos) والذي يعني كتاب، والشق الثاني هو (Logia) معنى علم وعند تركيبهما معا تتشكل لدينا كلمة بيبليولوجيا، وقد أخدتها اللغة اللاتينية دون تغيير، في حين أنها دخلت إلى اللغة العربية في العصر الحديث كما هي بترجمتها الحرفية، وقد ترجمت لدى البعض بعلم الكتاب، وهناك من يصطلح عليها كذلك صناعة الكتاب للدلالة على نفس المعنى (Estivals, 1993).
وفي ذات السياق هناك من يدرج البيبليولوجيا مع البيبليوغرافيا إلا أن الفرق يتضح من الكلمتين اللاحقتين بكلمة بيبليو (Biblio) أي ان الفرق بين (Logia) و (Graphia)، فالأولى تعني العلم؛ وهي أشمل من الثانية "غرافيا" والتي تعني صورة، وكما هو شائع فالبيبليوغرافيا تعني الكتابة عن الكتب، أو وصف الكتب، وهي جزء من علم الكتاب. وعند البحث في تاريخ البيبليوغرافيا، نجد ان البيبليوغرافيا التاريخية هي نفسها علم الكتاب أو البيبليولوجيا، خاصة وان هذه الأخيرة لم يكن لها نفس درجة شيوع البيبليوغرافيا.
وقد تأسف الكثير من الباحثين والمهتمين بهذا المجال، على عدم انتشار ورواج مصطلح البيبليولوجيا بنفس درجة انتشار البيبليوغرافيا، لاسيما وأن البيبليولوجيا هي الأشمل، وهي العلم القائم بذاته والذي تدخل ضمنه البيبليوغرافيا، لأنها تهتم بدراسات الكتب كموضوعات مادية بعيدة عن محتواها الفكري، أي دراسة الجوانب المادية للكتب، وكل ما يتعلق بوصف الشكل المادي، اما البيبليولوجيا فتهتم أساسا بتاريخ الكتاب، تطوره على مر العصور، وكذلك دراسة الكتابة وموادها وأدواتها بما في ذلك المعرفة الانسانية المدونة والقائمة على النص المكتوب. بالرغم من المحاولات الكثيرة من العلماء والباحثين للفصل بين البيبليولوجيا والبيبليوغرافيا، إلا أن هذه الفصل لم يكن كاملا، وكان هناك مفهوما سائدا بأنهما وجهان لعملة واحدة، الأول نظري علومي، والثاني تطبيقي تقني (Stanescu, 2010).
2.1. التطور التاريخي للبيبليولوجيا:
يقدم Estivals ثلاث محطات رئيسة لنشأة البيبليولوجيا (ESTIVALS, 2002).
أ. ظهور تقنيات الكتابة والانتاج المكتوب:
وتمثل هذه المرحلة فترة ظهور الكتابة، والتي جاءت لتلبية الحاجات الاجتماعية الجديدة والخروج من المجتمع البدائي، وهذا ليس فقك لخدمة الأهداف الدينية والاجتماعية والاقتصادية، بل من أجل اتاحتها للأجيال اللاحقة، ما حتم اكتشاف وسيلة لذلك، والتي تجسدت في اكتشاف تقنية الكتابة وبدورها عرفت الكثير من المراحل والعقبات التقنية والعملية، لوضع الافكار البشرية في قالب لغوي سليم.
لذا فالكتابة لم تكن وليدة عصر واحد بل كانت، او حتى حضارة مستقلة، بل كانت نتيجة للممارسات والخبرات المتراكمة للعديد من الحضارات واخدت صورا متعددة قبل ان تتشكل بصورتها النهائية المتعارف عليها في عصرنا الحديث. فمرت الكتابة بمراحل تجريبية، استخدمت فيها انواع الكتابات التصويرية في لمجتمعات البدائية، والكتابات الرمزية في الحضارات القديمة (الفرعونية، الصينية، السومرية)، ثم التطور التدريجي للغات والكتابات الصوتية في الحضارة الفينيقية واليونانية، والتي أسفرت في نهاية المطاف عن ظهور الأبجديات والتي تعد اساس اللغة الصوتية الحديثة. وكانت الكتابة سبب واضحا في ظهور الوثيقة المكتوبة بشتى انواعها واشكالها أي النص المكتوب، والذي عرف بعلم الاتصال المكتوب.
ب. وصف وتصنيف الكتابة أو مرحلة البيبليوغرافيا:
تتصف هذه المرحلة بنوعين من الانشطة، الاول هو نشاط تقني عملي ، اما الثاني فهو نشاط فكري فلسفي، ويرتبط الاول بظهور المؤسسات الاجتماعية المعنية بتقديم خدمات المعلومات ، وتشمل كل المرافق التي تهتم بأنشطة تنظيم وحفظ الانتاج الفكري المكتوب، من مكتبات ومراكز المعلومات، اما الثاني وهو ظهور الاعمال البيبليوغرافية من خلال نشأة تقنيات الكتابة وتطورها، ما أدى الى الزيادة المطردة والسريعة للإنتاج الفكري المكتوب ما حتم ضرورة قيام مؤسسات العناية به خاصة مع وجود مناخ فكري مناسب مع تزايد نسبة المتعلمين، ووهنا كانت المطالبة بتنظيم هذه المعارف وتصنيفها وتقنينها بغية الحفاظ عليها والاستفادة منها، فمان استحداث البيبليوغرافيات من أجل تحقيق هذه الاهداف، و كانت الاعمال البيبليوغرافية تهدف في بداية نشأتها كنشاط تقني إلى حصر الانتاج الفكري المكتوب وتسجيله في قوائم وصفية معتمدة، الا ان هذا الهدف طرأت عليه تطورات اخرى ليشمل اغراض اخرى ، وتعدت كونها نشاط او عملية الى علم قائم بداته مثلما عبر عنه ويندهام Wyndham، بأن البيبليوغرافيا هي علم تنظيم المعارف المسجلة، وهو اعتراف واضح بان البيبليوغرافية علم من خلال التعريف بالأنظمة البيبليوغرافية وتحديد اهداف البحوث والدراسات ، وابتكار مناهج البحث الوصفية والتحليلية للأعمال البيبليوغرافية. وهو ما مهد الى نشأة البيبليولوجيا كعلم.
جـ. نشأة البيبليولوجيا:
يعد المستوى المعرفي التفسيري للظواهر الذي يتعذر برؤيته مرحلة التسجيل والتحليل والتصنيف، أحد هذه المستويات وهذه الرؤية العلمية بذاتها وهي التي قادت الى نشأة البيبليولوجيا، والبيبليوغرافيا كعلم تقوم بتسجيل وتحليل وتصنيف ظاهرة تداول الانتاج الفكري المكتوب ، أي انها اكتسبت صفة العلوم من هذه المفاهيم، إلا أن الباحثين والعلماء بطموحاتهم بحثوا عن صيغ ومفاهيم جديدة ومناهج تساعد على فهم واقع الظاهرة ونتائجها وتفسيرها علميا، والتحكم في مفرداتها ومكوناتها، فكانت نشأة هذا العلم البيبليولوجي الذي يستند على المنظور التفسيري لظاهرة تداول المعلومات المكتوبة على ضوء العلاقات المتداخلة بين النظم الاتصالية المكتوبة والنظم الاجتماعية للمجتمع المنتج والمستفيد.
3.1. البيبليولوجيا كعلم:
وكما أشرنا سابقا أن البيبليولوجيا تعني علم الكتاب، إلا أن المعنى الأكثر دقة يدل على علم المكتوب (Science de l'écrit)، لأن مفهوم الكتاب لا يمكن تأسيسه على المعيار الوحيد للوعاء أو الدعامة، او الحامل، ولا بحسب معيار إنتاج النصوص فقط، من خلال حصر مصطلح كتاب للأوعية المطبوعة، وإقصاء الكتب المخطوطة، ولا حسب دورية الإصدار والتي تختص بها الدوريات عن باقي المطبوعات، إذن فالمعيار الأساسي والوحيد في الفصل في الكتاب يكون من خلال كافة المعايير الواجب توفرها، والتي لها علاقة بتشكيل العناصر البيبليوغرافية، من المفاهيم المرتبطة بالكتابة، وكل ما يتعلق بصيغ التعبير، وبالتالي تقديم تصورا بيبليولوجيا للنصوص الثابتة والمتحركة، المخطوطة، والمطبوعة، إصدار واحد أو دوري.
ويقدم بول أوتليه تعريفا كاملا للبيبليولوجيا:
'' هو ذلك العلم الشامل الذي يحيط بمجموعات البيانات المصنفة والمرتبة، المتعلقة بإنتاج وحفظ وتوزيع، واستخدام الكتابة، والوثائق المكتوبة بشتى أشكالها، ويهتم هذا العلم بدراسة مختلف الموضوعات التي تختص بالكتاب'' (Otlet, Traité de documentation. Le livre sur le livre. Théorie et pratique., 1934).
ومن وجهة نظر أوتليه لا يعد الكتاب الهدف الوحيد، والمحور المنفرد الذي تختص به البيبليولوجيا، فقد تناول في كتابه Traité de la documentation، كل الوسائط الأخرى البديلة للكتاب والتي كانت معروفة في ذلك الوقت، كالصور والشرائح الميكرو فلمية والأشرطة القلمية... إلخ، والتي تعتبر كقرين للكتاب، باعتبارها أوعية معلومات تتوازى مع الكتاب من حيث أهميتها كأوعية حاملة للمعرفة. ومن هذا المنطلق اتضحت رؤية بول أوتليه فيما يخص توسعه في المفاهيم المتعلقة البيبليولوجيا، ليشمل كافة أنواع الوثائق المكتوبة، إلى جانب وضعه للأسس التنظيرية العلمية لهذا العلم، وإبرازه كعلم له أساسه النظري، ومناهجه البحثية وتطبيقاته العلمية.
4.1. البيبليولوجيا وعلم النص المكتوب:
تتداخل البيبليولوجيا وعلم النص المكتوب بشكل كبير، حيث يركز كلاهما على دراسة النصوص المكتوبة، ولكن من زوايا مختلفة؛ فإذا كانت البيبليولوجيا تهتم بدراسة الكتاب ككائن مادي وثقافي وتشمل تاريخ الكتاب، طرق إنتاجه، توزيعه، وحفظه، علاوة على أنها تتناول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المرتبطة بالكتب والوثائق، مثل صناعة الكتاب وسوسيولوجيا القراءة، فإن علم النصّ المكتوب يركز على تحليل النصوص من حيث محتواها، بنيتها، وسياقها، فهذا العلم يدرس كيفية إنتاج النصوص، تفسيرها، واستخدامها في مختلف الثقافات والسياقات. يتداخل علم النص المكتوب مع مجالات مثل اللغويات، السيميائيات، والدراسات الثقافية، وبما أن النص المكتوب هو جوهر الكتاب، فإن العلاقة بينهما علاقة وثيقة ومتشابكة (Estivals, 1993).
وتتضح العلاقة بين علم الكتاب وعلم النص المكتوب في النقاط الآتية:
- النّص هو روح الكتاب: الكتاب هو الحامل المادي للنص، لكن النص هو الذي يمنح الكتاب قيمته ومعناه. علم الكتاب يهتم بدراسة هذا النص من حيث محتواه من الأفكار والمعاني التي يحملها النص.، شكله والطريقة التي تم بها تنظيم النص وتقديمه للقارئ، بالإضافة إلى اللغة التي كتب بها النص والأسلوب الأدبي المستخدم.
- دراسة العناصر المادية للكتاب: علم الكتاب يكشف أسرار النص: من خلال البحث في نوع الورق والحبر والخط، يمكن لعلم الكتاب أن يستنتج الكثير عن النص نفسه، مثل تاريخ كتابته، والمكان الذي كتب فيه، والظروف التي كتب فيها.
- النص يشكل علم الكتاب: النصوص هي المصادر الأساسية التي يستند إليها الباحثين في مجال الكتب من خلال تحليل النصوص، ويمكنهم التعرف على تاريخ الكتاب، وتطوره، وأنواع الكتب المختلفة (Otlet، le visionnaire de la bibliologie texte extrait du Traité de documentation - Le livre sur le livre، 1988).
باختصار فإن العلاقة بين البيبليولوجيا وعلم النص المكتوب تكمن في أن كلاهما يسعى لفهم النصوص المكتوبة، حيث تركز البيبليولوجيا أكثر على الجوانب المادية والثقافية للكتب، بينما يركز علم النص المكتوب على تحليل النصوص نفسها وفهمها في سياقاتها المختلفة.
5.1. البيبليولوجيا وعلوم الإعلام والاتصال:
يرتبط علم البيبليولوجيا ارتباطًا وثيقًا بعلوم الاتصال، حيث يشتركان في إنتاج المعلومات ونشرها وتلقيها. وعلى الرغم من أنهما يتناولان هذه المسألة من زوايا مختلفة، إلا أنهما يساهمان في فهم أفضل لعمليات الاتصال وتطور وسائل الإعلام.
ومن بين أهم النقاط المشتركة بين علم البيبليولوجيا وعلم الاتصال ما يلي (Bobutaka Bateko, 2015):
§ دراسة النص: يهتم كلا التخصصين بالنص كموضوع للدراسة. يركز علم البيبليولوجيا على الجانب المادي للنص (الدعم، التنسيق، وما إلى ذلك)، بينما يقوم علم الاتصال بتحليل محتوى الرسالة ورموزها وتأثيراتها.
§ عمليات الاتصال: يدرس كلا المجالين عمليات الاتصال، من الإنتاج إلى الاستقبال إلى النشر.
§ الإعـلام: يهتم علم البيبليولوجيا بوسائل الإعلام (الكتب وغيرها من الوثائق)، بينما يدرس علم الاتصال جميع وسائل الإعلام (الصحافة والإذاعة والتلفزيون والإنترنت).
§ الجمهـــور: يهتم كلا التخصصين بالجمهور واستخداماتهم لوسائل الإعلام.
أما الاختلافات بين علم البيبليولوجيا وعلم الاتصال فتشمل في العناصر الآتية:
· موضوع الدراسة: يركز علم المراجع بشكل رئيسي على المواد المكتوبة والمطبوعة، في حين أن علوم الاتصالات لديها نطاق أوسع من الدراسة، بما في ذلك جميع أنواع وسائل الإعلام.
· المنهج: غالبًا ما يتخذ علم البيبليولوجيا منهجًا تاريخيًا ووصفيًا، بينما يستخدم علم الاتصال أساليب كمية وتجريبية أكثر.
وتتجلى العلاقة بين علم الكتاب وعلوم الاعلام والاتصال في المساهمات التي يضيفها علم الكتاب في هذا التخصص وتشمل ما يلي:
- تاريخ وسائل الإعلام: يوفر علم المراجع معرفة متعمقة لتاريخ وسائل الإعلام، مما يسمح بفهم أفضل لتطور ممارسات الاتصال.
- تحليل الوسائط: يتيح علم البيبليولوجيا إمكانية تحليل الوسائط المختلفة للمعلومات وتأثيرها على استقبال الرسائل.
- حفظ الوثائق: يلعب علم البيبليولوجيا دورًا أساسيًا في حفظ الوثائق والمحفوظات، وهو أمر ضروري للبحث في علوم الاتصال.
في المقابل تتمثل المساهمات التي تقدمها علوم الاعلام والاتصال في تخصص علم البيبليولوجيا في العناصر الآتية:
- تحليل المحتوى: يتيح علم الاتصال إمكانية تحليل محتوى الوثائق وفهم القضايا المطروحة.
- دراسة الجمهور: يوفر علم الاتصال المعرفة حول الجمهور وممارسات القراءة الخاصة بهم، وهو أمر مفيد لأمناء المكتبات وأمناء المكتبات.
- التقنيات والوسائط الجديدة: يعد علم الاتصال في طليعة تقنيات المعلومات والاتصالات الجديدة، مما يسمح للبيبليولوجيا بالتكيف مع الأشكال الجديدة وأنماط النشر الجديدة.
إذن فكل من البيبليولوجيا وعلم الاتصال هما تخصصان متكاملان يثري كل منهما الآخر. ومن خلال التداخل فيما بينهما، فإنهم يسمحان لنا بفهم تحديات التواصل في مجتمعنا بشكل أفضل.