1.1.2. ماهية الكتابة:

الكتابة هي أكثر من مجرد وضع الحروف على الورق، فهي لغة عالمية للتواصل والإبداع والمعرفة. تلعب الكتابة دورًا حاسمًا في حياتنا اليومية وفي تقدم المجتمعات. إليك بعض أهمية الكتابة:

ولها عدة تعاريف في التاريخ وعلم المكتبات أبرزها:

-    عرفها القلقشندي بقوله: الكتابة في اللغة مصدر للفعل كتب، يكتب، كتبا وكتابة ومكتبة، ومعناها الجمع، ومن ثم سمي الخط كتابة لجمع الحروف يبعضها البعض (القلقشندي، 1922).

-    كما أكد ابن خلدون في مقدمته أن الكتابة، من الصنائع الإنسانية، وهي رسوم وأشكال حرفيّة تدلّ على الكلمات المسموعة الدّالّة على ما في النّفس (ابن خلدون، 1981).

-    وتشير موسوعة بريطانيكا (Britannica) أن الكتابة، شكل من أشكال التواصل الإنساني عن طريق نظام متفق عليه من العلامات أو الإشارات التي تمثل عبارات لغة ما، فالكتابة تجعل اللغة مرئية؛ وفي حين أن الكلام عابر، وعليه فالكتابة ملموسة، وهي دائمة؛ ويعتمد كل من الكلام والكتابة على البنيات الأساسية للغة (Britannica, 2024).

والملاحظ أن التعريف الشامل للكتابة ما جاء به منجد لاروس الموسوعي لسنة 2013، والذي يرى أنها عملية تمثيل للكلمة المنطوقة بما يتناسب معها من رسومات ورموز بيانية، في نظام من الإشارات يسمح لنا بتمثيل الأفكار على سطح وعاء ما، من مادة معينة، أي نقل الأفكار والمفاهيم باستخدام الرموز والإشارات التي تمثل مجموع المقاطع الصوتية، فهي إذن عملية تسجيل وتدوين للمعلومات على ذاكرة خارجية (Larousse, 2013).

2.1.2. لماذا ظهرت الكتابة؟

يعتبر اختراع الكتابة أعظم اختراع في تاريخ الإنسانية، وبداية ظهورها هو بداية ظهور عهد جديد، لأنها منحت للإنسان إمكانية تسجيل المعرفة والأفكار، وبالتالي نقلها إلى الأجيال القادمة، ولهذا فإن تراث الإنسانية لم يكن يصلنا لولا الكتابة، ما يؤكد على أنها عامل أساسي في الحضارة، حيث من خلالها يقيم الإنسان اتصالات مع أشخاص آخرين، وكذلك تدوين ما يجري حوله من أحداث للأجيال القادمة بتسجيله وتخزينه لنتائج تجاربه وتفاعلاته اليومية. وبهذا يمكننا أن نوجز الدوافع الكامنة وراء اختراع الكتابة فيما يلي (علي إبراهيم، 2019):

- رغبة الإنسان في التواصل وتبادل الأفكار مع أفراد مجتمعه.

- تسجيل وتدوين المعلومات خوفا على نسيانها وافتقادها.

- الرغبة في حماية الممتلكات الشخصية وإحصائها؛ ما جعله يضع علامات ورسومات تدل عليها.

3.1.2. التطور التاريخي للكتابة:

بدأت الكتابة مع السومريين الذين استمر وجودهم وحضارتهم عدة قرون، من الألف الرابع قبل الميلاد حتى اختفائهم في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد، واحتلت شعوب أخرى (الأكاديون والبابليون والآشوريون) موقعهم في بلاد ما بين النهرين. وقد ورثت هذه الشعوب التنظيم السياسي والإداري والقوانين التي طورها السومريون وطوروها ولا سيما الكتابة المسمارية. اشتُقّت الكتابة المسمارية من استخدام المسامير لكتابة الحروف على الطين المصنوع من الخشب الصلب أو العظام أو المعدن. تظهر هذه الكتابة على شكل خطوط تشبه المسامير. وقد بدأت في الألفية الرابعة قبل الميلاد، حوالي 3600 قبل الميلاد، وقد اخترعت في البداية لأسباب عملية (التجارة والإدارة والشؤون الحكومية) وظلت كذلك لعدة فترات حتى استخدمت في الفن والأدب والعلوم والأساطير. وقد تطورت من كتابة تصويرية إلى نظام كتابة تهيمن عليه السمات الصوتية.

 

الشكل رقم 1: الكتابة المسمارية

كانت الكتابة المسمارية. كانت الكتابة المسمارية محفورة على الطين والحجر والشمع والمعدن وتكتب من اليمين إلى اليسار، وقد استخدمت الشعوب القديمة في جنوب غرب آسيا الكتابة المسمارية. ويعود تاريخها إلى 1500 سنة قبل ظهور الأبجدية. كانت هذه الكتابة شائعة حتى القرن الأول الميلادي. اخترعت الكتابة التوضيحية في سوريا والعراق في بلاد ما بين النهرين قبل 3000 سنة قبل الميلاد، وتطورت الكتابة من استخدام الصور إلى استخدام الأنماط المحفورة بالأظافر والمعروفة باسم الكتابة المسمارية. وكان أول خط معروف هو السومرية التي لا علاقة لها باللغات الحديثة. وبحلول عام 2400 قبل الميلاد، تم اعتماد الكتابة المسمارية لكتابة اللغة الأكادية، واستخدم الخط نفسه لكتابة اللغتين الآشورية والبابلية. استمر استخدام الكتابة المسمارية لكتابة لغات جيران بلاد ما بين النهرين في سوريا والأناضول، مثل اللغات الحيثية والفارسية القديمة، حتى نهاية القرن الأول الميلادي.

وقد تم فك رموز الكتابة المسمارية في القرن التاسع عشر، مما مكن العلماء من قراءة النصوص الإدارية والرياضية والتاريخية والفلكية والمدرسية والتمائم والقصائد الملحمية والرسائل والقواميس المسمارية. ويحتفظ المتحف البريطاني بحوالي 130,000 لوح طيني سوري من حضارات مثل مملكة مالي السورية، حيث تم اكتشاف أكبر مكتبة في التاريخ القديم، وبلاد ما بين النهرين، حيث ترسخت الكتابة المسمارية حوالي 3000 قبل الميلاد، حيث انتشرت الكتابة المسمارية على نطاق واسع وسجّل السومريون السجلات الرسمية والتاريخ الملكي وتواريخ أهم الأحداث الحياتية في العالم. وشمل ذلك المعاملات التجارية والأحوال الشخصية والمراسلات والأدب والأساطير والنصوص المسمارية القديمة والأمور الدينية والعبادات. في عهد الملك حمورابي (1728-1686 ق.م)، سنّ قانوناً واحداً كان يطبق على المملكة البابلية بأكملها. عُرف هذا القانون باسم قانون حمورابي وشمل القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية والقانون الجنائي. خلال العصر البابلي القديم، انتشرت الحضارة من بلاد ما بين النهرين في شرق سوريا والعراق إلى جميع أنحاء بلاد الشام وإلى أقاصي العالم القديم. قام الملك آشور بانيبال (668-626 ق.م)، وهو أحد أكثر ملوك العصر الآشوري ثقافةً، بجمع الكتب من جميع أنحاء البلاد وخزنها في أرشيفات خاصة للدولة بُنيت في نينوى عاصمة العراق، وفي المكتبات القديمة في عبرا وماري في سوريا. وجمع كل الألواح الطينية التي سجلت عليها العلوم والمعارف. وكان البابليون والسومريون والآشوريون في العراق وسوريا يصنعون ألواحهم الطينية الشهيرة من عجينة الطين (ستيبشفيتش، 1993).

في الحضارة المصرية القديمة، ظهرت اللغة الهيروغليفية لأول مرة في مخطوط رسمي ما بين عامي 3300 ق.م. و3200 ق.م. وكان يسمي هيروغليفي، وكلمة هيروغليفية تعني بالإغريقية نقش مقدسsacred carving.”. وفي هذا المخطوط استخدمت الرموز فيه لتعبر عن أصوات أولية. أي أنها لم تسجل أسماء الأشياء وأشكالها، مثل شخص لشكل رجل أو نصر لشكل نسر، وكان التعبير عن المعنى المجرد يتم باستخدام أشياء مادية، استخدم المصريون القدماء نظام كتابة تصويري ورمزي وصوتي وأخذت الهيروغليفية صورها من الصور الشائعة في البيئة المصرية، وكانت تضم الأعداد والأسماء وبعض السلع. استخدمت الهيروغليفية لنقش أو زخرفة النصوص الدينية على جدران القصور والمعابد والمقابر وسطح التماثيل والألواح الحجرية، وظلت الهيروغليفية ككتابة متداولة حتى القرن الرابع ميلادي، وظهرت الهيراطيقيةHieratic   كنوع من الكتابة لدي قدماء المصريين؛ وهي مشتقة من الهيروغليفية. لكنها مبسطة ومختصرة تسمح بالكتابة السريعة للخطابات والوثائق الإدارية والقانونية. وكانت هذه الوثائق تكتب بالحبر علي ورق البردي وظلت هذه اللغة سائدة بمصر حتى القرن السابع ق. م، بعدما حلت اللغة الديموطقية محلها، ونتيجة لسلسلة من التطورات تم تقليص الصور المكتوبة من 1700 صورة رمزية إلى حوالي 400 رمز صوتي ومقطعي، واختار المصريون حوالي 45 رمزًا لاستخدامها في النظام الأبجدي، ثم تم اختزالها مرة أخرى لتمثل حروف الأبجدية المصرية، واستخدم 25 رمزًا فقط. وكانت هذه هي الأبجدية الأولى المستخدمة في الأبجدية المصرية (Daniels & Bright, 1996).

الشكل رقم 2 : الكتابة المصرية القديمة

هناك ثلاثة أنواع من الكتابة التي تطورت من الأبجدية المصرية (Scoville, 2015):

!    الهيروغليفية: تشير إلى الصور المقدسة المستخدمة لتسجيل النصوص الدينية والمقدسة.

!    الهيراطيفية: خط تطور من الهيروغليفية ولكنه استخدم لأغراض أدبية ودنيوية.

!    الكتابة الديموطيقية: تعني كتابة عامة الشعب، حيث كانت شائعة بين عامة الناس.

وعلى الرغم من تطور الأبجدية في الأراضي المصرية في الألفية الثانية قبل الميلاد، إلا أن المصريين لم يتحولوا تماماً إلى النظام الجديد، بل استمروا في استخدام الخط الهيروغليفي حفاظاً على تراثهم واستمراراً لخط لم يكن معروفاً لدى الشعب. وعلى وجه الخصوص، اكتشفت الأبجدية المصرية في سيناء وأطلق عليها المعجميون التاريخيون اسم الأبجدية السينائية لأن نظام الكتابة الجديد الذي طوّره الهيراطيقيون وانتشر بين عامة الناس.

وقد ثبت علميا وعن طريق الأدلة المادية من آثار الحضارات القديمة أن الأبجدية السينائية هي أساس الأبجديات جميعها، حيث أخدها الفينيقيون الذين كانوا يعملون في سيناء، خلال القرن العاشر قبل الميلاد ونقلوها إلى شمال إفريقيا وشرق المتوسط، وجنوب أوروبا من خلال تعاملاتهم التجارية، وتعتبر الأبجدية الفينيقية أول أبجدية علمية، تم الاستعانة في تطويرها على الكتابة السومرية والمصرية القديمة، صار كل حرف يمثل صوتا معينا، وصارت حروفهم أو رموزهم واضحة سهلة للكتابة، وكانت أساسا للكتابة في الشرق والغرب.

وقد انتقلت بعد ذلك بسرعة إلى الإغريق الذين أقروا على أن كتاباتهم أخذوها عن الفينيقيين والكنعانيين إلى سائر أنحاء أوروبا، وفي حوالي سنة 400 ق.م صار للإغريق أبجديتهم العلمية، والتي أصبحت أساس الأبجدية في الغرب وهي الأبجدية اللاتينية المكنونة من 23 حرفا والتي أضيفت لها الحروف الثلاثة المتبقية في العصور الوسطى المتأخرة.

ومن خلال هذا العرض لأهم التطورات التاريخية التي عرفتها الكتابة، يمكننا التمييز بين ثلاث مراحل رئيسية في تاريخ الكتابة ( الغنيمان، 2018):

1.  الكتابة التصويرية: أي تصور الشيء المراد إيصال فكرته للآخرين، بالاعتماد على مجموعة من الأشكال والرسومات، المسجلة على جدران الكهوف، والنقوش المحفورة على الصخور والأحجار، حيث أن هذه الصور تمثل تماما الأشياء الأصلية المعبر عنها.

2. الكتابة الرمزية: في هذا المرحلة كان الإنسان يرسم خطوطا أو رسومات تساعده على التعبير عن الأشياء المجردة، حيث كان الانتقال من تصوير الشيء ذاته إلى الفكرة التي تعبر عن الشيء، وتمثيل الأفكار المجردة بواسطة استخدام الرموز التي تدل على أشياء مادية.

3. الكتابة الأبجدية: وهي المرحلة التي استطاع فيها الإنسان التعبير عن كل صوت برمز أو علامة محددة، وقد بدأ شكل الحرف بجزء من شيء مادي يبدأ اسمه بذلك الحرف، وكان لكل قوم صورهم الخاصة بهم، حسب نطق لغتهم، ثم اختصروا تلك الصور حتى صارت علامات تدل على أصوات الحروف كما هو الشأن اليوم.

4.1.2. أدوات الكتابة:

أوضحت الأبحاث وما 1كره المؤرخين أنَّ اختراع الكتابة كان بالشرق بغير تحديد دقيق لتاريخ اختراعها ومكانه، وبالطبع فإنه يعد إنجاز من أعظم الإنجازات بالتاريخ، وخطوة دخل بها الإنسان عصرًا مُنيرًا بالعالم والمعرفة، حيث بدأ الإنسان بواسطتها والاعتماد عليها بالتدوين وتوريث الأجيال بشكل غير شفهيٍّ بل كتابيٍّ، ولم يكن اكتشاف الكتابة وليدَ لحظة واحدة، بل نتيجة عن جهود مبذولة طويلة على مدار مختلف العصور التاريخية، إلى أن بلغت ما هي عليه الآن من التقدم والوضوح والدِّقَّة، ومن الأدوات التي تم استخدامها للكتابة بدايةً ما يلي (المنجد، 1979):

- الورق: استخدم العرب هذا الشيء في الكتابة، وكان الصينيون يشتهرون به في الماضي.

- الحجارة: تتمثل في الأحجار الرقيقة البيضاء التي استُخدمت لكتابة آيات القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

- العظام: مثل عظام الكتف، اللوح والأضلاع.

- النبات: يُعد العسيب من أكثر الأنواع استخدامًا، حيث أنه يشكل أصل السعف الملتصق بالجذع العريض.

- القماش: سوء الحرير، أو القطن، وكان يُعرف باسم المهاق.

- الجلد: يُطلق على الجلد الرقيق الذي كان يُرقق ويُكتب عليه اسم الأديم أو القضيم اسم الرقاق.

 

5.1.2. نشأة الكتابة العربية:

هناك اختلاف بين العلماء في أصل الخط والكتابة العربية؛ فهناك من يرى أنها من وحي إلهي أنزل على آدم عليه السلام، وهناك من يقول إن هناك مصادر تشير إلى وجود مسارين اتخذتهما الأبجدية السينائية، الأول كان باتجاه الغرب من خلال الحضارة اليونانية والرومانية التي تولدت عنها الأبجديات اللاتينية التي تكتب بها الشعوب الأوروبية والأمريكية، أما المسار الثاني فكان باتجاه الشرق وبالتحديد صوب بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية، الذين استخدموا آنذاك الكتابة الآرامية المشتقة عن الأبجدية السينائية. ومن الآرامية انبثقت خطوط عديدة، منها العبري القديم، والسرياني والنبطي. هذا الأخير نسبة للأنباط (عرب من قريش ارتحلوا إلى شمال الجزيرة العربية) الذين كونوا حضارتهم في القرن الثاني ق. م عاصمتها البتراء، وعن الخط النبطي تفرع خط آخر في بلاد الشام والحجاز سمي بالخط العربي كان ذلك حوالي القرن الثالث ميلادي (علي إبراهيم، 2019).

وقد أخذ العرب الخط عن الأنباط بنفس الحال التي كان عليها ذلك الوقت المكون من اثنين وعشرين قالب حرفي لثماني وعشرين صوت بدون نقط أو تشكيل وبنفس الترتيب الأبجدي (أبجد، هوز)، والأكيد أنه قبل البعثة المحمدية كان بمكة من يكتب ويقرا الخط العربي، وذلك لأن عند ما بعث الرسول الكريم (ص) كان من هؤلاء من شرعوا في تسجيل وتدوين القرآن. وكان للإسلام فضل كبير على الخط والكتابة العربية، فقد حملها حيث ذهب من خلال الفتوحات الإسلامية (عليان، 1999).

وتتغير الكثير من الحروف باختلاف وجودها داخل الكلمة، فعند وقوعها بنهاية الكلمة يكون لها شكل مختلف عن وجودها داخل الكلمة؛ فمثلا حروف الباء والتاء والثاء والنون والياء تكون متشابهة، ولكن الياء تتغير عند وقوعها في آخر الكلمة؛ كذلك الجيم والحاء والخاء، الزاي والراء، السين والشين، الصاد والضاد، الطاء والظاء، العين والغين، وبهذا يكون هناك فقط 17 حرفا مختلف بالشكل، والقالب الحرفي الواحد له 5 أصوات (ب ت ث ن) بالإضافة إلى ي في بعض الأحيان)، وحرف آخر له 3 أصوات (ج ح خ)، وخمسة أحرف يعطون صوتين لكل واحد منهم (المنجد، 1979).

الشكل رقم 3:  تطور الخط العربي

وبعد انتشار الإسلام خارج الجزيرة العربية، كان لابد من إدخال بعض التعديلات على الأبجدية لتجنب الخطأ  في قراءة القرآن، لأن الخطأ في قراءة القرآن قد يكون تحريفا، ومن ثم جاء التعديل الأول للكتابة العربية وهو ما عرف الشكل ووضع العلامات على الحروف الأخيرة من الكلمات لتنطق نطقا صحيحا؛ حيث اعتمد في الأول نقط للتمييز بين حركات النطق (النصب، الجر، الرفع)، إلا أنها لم تنجح  في التمييز بين الحروف المتشابهة (ب، ن ، ت، ث)، وبالتالي كان من الضروري إدخال التعديل الثاني على الكتابة العربية، وهو ما عرف بالتنقيط بهدف التفريق بين الحروف المتشابهة، وحتى لا تختلط النقط بالتشكيل، استبدلت علامات الشكل بعلامات أخرى (الألف، الياء، الواو).

كان أبو الأسود الدُّؤلي المتوفى أول من أدخل الإعراب في القرآن الكريم، وذلك بعد أن سمع من يلحن بالقراءة أخطأ الإعراب وخالف وجه الصواب في النحو، فقام بإضافة التشكيل المنقط وجعل الفتحة نقطة فوق الحرف والضمة نقطة إلى جانبه والكسرة نقطة تحته والتنوين نقطتين فتحاً أو ضماً أو كسراً. وكان أبو الأسود الدؤلي قد أخذ أصول النحو عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

أما التنقيط الذي نعرفه اليوم فقد عمل به اثنان من تلامذة أبي الأسود الدؤلي هما يحيى بن يعمر العدواني ونصر بن عاصم الليثي، بأمر من عبد الملك بن مروان الذي خاف على سلامة اللغة من العجمة وخاف اللبس في قراءة المصاحف. وقام الرجلان بوضع النقاط على الحروف في عملية أطلق عليها اسم الإعجام، وذلك للتمييز بين الحروف المتشابهة في الرسم، فصار لكل حرف صورة تميّزه عن صورة غيره من الحروف، وقد اعتمدا في البداية للتمييز بين نقاط الإعجام ونقاط الحركات اختلاف اللّون، فاستعملوا ثلاثة ألوان، لوناً للكتابة، ولوناً للنقط التي تميز الحروف ولوناً للنقط التي ترمز إلى الحركات.

وقد طوّر الخليل بن أحمد الفراهيدي علم التشكيل فابتدع أشكالَ الحركات، لتمييزها عن نقاط الحروف وجعل لكلِّ حركة حرفاً صغيراً بدل النقط، فوضع للضمة واواً صغيرة، وللكسرة ياءً صغيرة تحت الحرف، وللفتحة ألفاً مائلة فوق الحرف، كما أضاف التنوين والشدة والسكون، وانتقلت طريقة تشكيل الفراهيدي إلى عصرنا هذا. (خليفة ش.، 2003)

ومنذ القرن الهجري الأول تفرعت الكتابة العربية إلى العديد من الخطوط لكل واحد منها خصائصه واستخداماته، بلغت حوالي 100 خط، ولعل أشهرها الخط النسخي الذي كان يستخدم لكتابة المصاحف ونسخ القرآن الكريم، وكذلك الخط الكوفي الذي كان يستخدم في الكتابة على المباني والعمارة الإسلامية.


Modifié le: dimanche 13 avril 2025, 14:24