3.2. الطباعة تاريخها وتطورها:
1.3.2. مفهوم الطباعة:
في اللّغة العربية طَبَعَ الشَّيءَ: نَقَشَهُ، رَسَمَهُ. والمصدر الطَّبْعُ، اسم الفاعل الطَّبَّاعُ: من حِرْفَتُّه الطِّباعة، والمَطْبَعَةُ: المكانُ المعدُّ لطباعةِ الكُتُبِ.
فــالطباعة هي طبع الكلمات والصور والتصميمات فوق الورق أو النسيج أو المعادن أو أي مادة أخرى ملائمة للطبع فوقها. وتتم بنسخ صور من الأصل بطريقة آلية أو إلكترونية.
2.3.2. البدايات الأولى للطباعة:
وقد عرف الإنسان فكرة الطباعة منذ فجر التاريخ عن طريق ضغط الأشكال المراد التعبير عنها على سطح دعامة الكتابة، وهو ما كان سائد في حضارة بلاد الرافدين من خلال الأختام الأسطوانية، أو المسطحة المصنوعة من الصلصال حولي 3500 ق.م، أو تلك المصنوعة من العاج، أو العظم في حضارة مصر القديمة، وأخرى مصنوعة من الحجر الناعم في حضارة آسيا الصغرى، عرفت بالأختام الفارسية حوالي سنة 2000 ق.م ويُعتقد أن الصينيين هم أول من عرف فن الطباعة بشكله الحديث؛ حيث استخدموا قوالب الخشب المحفور عليها أشكال مختلفة، فكانت تبلل بالأصباغ ثم تضغط على الورق. ويعد الصيني بي شينج (Bi-Sheng) أول من قام باختراع حرف مستقل لكل رمز من رموز اللغة عام 1045، إلا أن تلك الفكرة لم تلق قبولاً لدى الصينيين بسب كثرة الرموز المستخدمة في اللغة الصينية.
3.3.2. الطباعة في أوروبا:
ترتبط قصة اختراع الطباعة في أوروبا بالألماني جوهان غوتنبرغ (1400 م-1468م)، باعتباره أول من اخترع الأحرف المتحركة في أوروبا، وأدخل عليها تحسينات في مدينة ستراسبورغ، ولكنه نقل مطبعته إلى مسقط رأسه في مدينة ماينز نحو عام 1440، ويقال : إن كتبه الأولى ظهرت في السوق نحو عام 1445 م ومنها كتاب ((Sibylles أي الكاهنات العرافات، وكتاب (Donat) أي قواعد اللغة اللاتينية، كذلك خرج من مطابعه " خطاب غفران " للبابا نيكولا الخامس عام 1451 م.
الشكل رقم 5: رسم توضيحي لطابعة غوتنبرغ
واقترن اسم غوتنبرغ باسم جون فوست وشريكه بيترشوفر، وهو الممول الذي أقرضه مبلغ مالي عام 1450 م، لكي يستطيع صناعة بعض الأدوات وشراء الورق والحبر، ولكن في عام 1455 م، اتهم فوست غوتنبرغ بعدم الالتزام والوفاء بتعهداته، ثم قاضاه، وحكم عليه بدفع الفوائد المترتبة عليه، وإعادة رأس المال، فظهر عام 1457 م أول كتاب " زبور مايانس "، من أعمال فوست وشريكه (فافر و مارتان، 1988).
ورغم السرية التي أحاط بها غوتنبرج اختراعه إلا أن الطباعة انتشرت انتشارًا سريعًا في البلاد الأوروبية الأخرى؛ حيث ظهرت الطباعة في روما سنة 1465م، وفي سويسرا سنة 1469م، وفي باريس سنة 1470م، وفي برشلونة سنة 1471م، وهولندا في عام 1473 م، وفي إنجلترا سنة 1474م.
4.3.2. العرب والطباعة:
لقد سبق ظهور الكتاب العربي المطبوع في البلاد الغربية، وصول الطباعة وإنشاء المطابع في العالم العربي، حيث نشأت الطباعة العربية أول الأمر خارج حدود العالم العربي، فطبع القرآن والإنجيل والتوراة في أوروبا، كما أخرجت المطابع الأوروبية مئات من كتب التراث العربي الخالد، و كانت معظم المطابع العربية في أوربا في تلك الفترة بهدف تنصير العرب ، وفي هذا الصدد قامت مطبعة الفاتيكان بطبع كتاب صلاة السواعي سنة 1514، وفي عام 1530 تم طبع القرآن الكريم في البندقية، وفي عام 1551 طبع كتاب ترجمة التوراة إلى اللغة العربية (قدورة، 1992).
وكان أول إنتاج لها هو كتاب " القانون " لابن سينا، ومعه كتاب " النجاة " له أيضا، وقد تم طبعهما عام 1593 م، وكذلك “الأناجيل الأربعة “، في ترجمة عربية، عام 1590 م، وتلتها طبعة أخرى لنفس الترجمة العربية وفي مقابلها الترجمة اللاتينية عام 1591 م، وفي نفس السنة طبع كتاب " الكافية " لابن الحاجب، وكتاب " الأجرومية " لابن أجروم، وفي سنة 1592 م طبع كتاب " نزهة المشتاق في ذكر الأمصار والأقطار والبلدان والجزر والمدائن والآفاق " للإدريسي.
ويرجع تأخر العالم العربي في معرفة الطباعة بطرقها المختلفة لعدة أساب في مقدمتها الحصار الذي فرضه العثمانيون على العالم العربي لسنوات طويلة، الأمر الذي انعكس بالسلب على مختلف جوانب الحياة في العالم العربي فساد التخلف والجهل، فضلاً عن عدم اهتمام وإيمان العثمانيين أنفسهم بإدخال الطباعة وأهميتها لنهضة الشعوب خاصة بعد المرسوم العثماني الذي اعتبر الطباعة" رجس من عمل الشيطان".
وكانت لبنان أول بلد عربي يعرف الطباعة سنة 1610، وإن كانت بحروف غير عربية ، بينما كانت سوريا أو بلد عربي يعرف الطباعة بحروف عربية سنة 1706م، وعرفت مصر المطبعة بالحروف العربية المتفرقة خلال الحملة الفرنسية أي سنة ( 1798) بواسطة مطبعة نابليون بونابرت في حملته على مصر للقيام بطبع الصحف و المنشورات لأغراض دعائية و سياسية، ويعتبر "محمد علي" صاحب الفضل والسبق في إرساء أو مطبعة مصرية هي مطبعة بولاق عام (1821) ولم يكتف "محمد علي" بإنشاء تلك المطبعة ولكن وفر لها المادة الخام، بإنشاء مصنع صغير للورق، وإرسال البعثات إلى أوربا لتعلم فن الطباعة.
وعرفت الجزائر الطباعة الحجرية عام 1847 م، حيث كانت تطبع فيها صحيفة (المبشر) بالعربية، ثم دخلت الطباعة الآلية إلى الجزائر عام 1850 م، فأصبحت المبشر تطبع فيها بحلة جديدة، كما أنشأت أول في تونس عام 1859 م، وكان ذلك تمهيدا لإصدار صحيفة (الرائد التونسي)، التي صدرت في شهر يوليو 1860 م (الرفاعي، 2020).
5.3.2. أنواع الطباعة:
هناك ثلاثة أنواع أساسية للطباعة هي: الطباعة البارزة (Relief Printing)، والغائرة (Rotogravure)، والحجرية (Lithography).
أ- الطباعة بالحروف البارزة: وهي الطريقة التي بدأها "غوتنبرج" بالحروف المنفصلة. هي أقدم أنواع الطباعة، وتعتمد على وضع الحبر على الحروف أو الأشكال البارزة المصنوعة من المعدن، أو أية مادة صلبة، ثم ضغطها على سطح الورق. وتعتمد على طريقتين:
! طريقة (Linotype): تصف الأحرف في سطر كامل بعد سبكها بالزنك والرصاص ثم تطبع على الورق.
! طريقة (Monotype) تصف الأحرف منفصلة كل حرف بشكل مستقل بذاته داخل إطار معدني.
الشكل رقم 6: رسم توضيحي للطباعة بالحروف البارزة
ب- الطباعة بالحروف الغائرة: حيث احتاج الإنسان إلى تطوير نمط طباعي يمكن من طبع الصور والرسوم التي لم تكن لطباعة البارزة تستطيع القيام بها، فظهر نوع آخر من الطباعة سمي (Rotogravure) أي الطباعة من السطح الغائر، وإن اقتصر استخدامها على إنتاج المطبوعات الفاخرة المصورة لاسيما المجلات.
الشكل رقم 7: رسم توضيحي للطباعة بالحروف البارزة
ت- الطباعة الحجرية (الملساء): وهي الطريقة التي عرفت أيضاً بطريقة (Lithography) والتي توصل إليها (Aloys Senfelder) عام 1976، وانتشرت بسرعة لأنها أقل تكلفة وأكثر دقة، وتعتمد على معالجة الأجزاء الطباعية بحبر دهني، ومعالجة ما حولها أي الأجزاء غير الطباعية) بالماء)، بحيث يضمن ذلك عدم اختلاط أي منهما بالآخر أثناء الطباعة، ثم تطورت بعد ذلك هذه الطريقة من طباعة مباشرة من اللوح المعدني إلى طباعة غير مباشرة باستخدام وسيط مطاطي، وهو ما يطلق عليه طباعة (Offset)، حيث سهلت هذه الطريقة الطبع على مختلف الوسائط التي لا يمكن الطباعة عليها مباشرة مثل المعادن (Senefelder , 1911).
وهناك أنواع أخرى للطباعة كانت نتيجة لتطور المواد والآلات منها:
ث- الطباعة المسامية: ويستخدم في هذه الطريقة شبكة حريرية مثبتة على إطار من الخشب أو المعدن. وتُطْلَى هذه الشبكة بطلاء خاص، وذلك لغلق مساماتها، وبعد جفاف الطلاء تغطى بمادة حساسة للضوء، ثم يوضع الشكل المرسوم المراد طباعته على سطح شفاف منفذ للضوء، ثم تُعرَّض الشبكة الحريرية للضوء عبر السطح الشفاف، فينفذ الضوء من المناطق غير المرسومة،
ج- طباعة النفاثة: تعتمد هذه الطريقة على استخدام الحاسوب. وتتم عن طريق نفث الحبر.
ح- الطباعة النقطية (Dot-matrix): باستخدام النقط وتختلف جودة الطباعة حسب كثافة النقط في الإنش الواحد. وكل التقنيات التي ظهرت بعدها تستخدم نفس الفكرة الأساسية، الطباعة باستخدام النقاط.
خ- الطباعة الليزرية: يقوم الحاسب بإرسال صفحة كاملة إلى الطابعة. المعلومات المرسلة إما إن تكون رموز أو لغة خاصة بالطابعة. يستقبل معالج الطابعة هذه الرموز ومن ثم، إما أن يشغل أو يطفئ شعاع الليزر.
6.3.2. أنواع آلات الطباعة:
وتنحصر عادة في:
أ- آلـة الطباعة المسطحة: (Flat Bed Press) وتُعدّ أبسط أنواع آلات الطباعة؛ إذ تعتمد في عملها على التقاء سطحين مستويين، الأول: يمثل الشكل المراد طبعه محملاً بالأحبار، والثاني: يمثل المادة المراد الطباعة عليها. وعند تقابل السطحين، وعن طريق الضغط بينهما، تتم عملية الطباعة.
ب- آلـة الطباعة الأسطوانية: (Cylinder Press) وهي أكبر من آلة الطباعة المسطحة، وتُستخدم في طباعة الكتب والمطبوعات متعددة الصفحات. وتتكون آلة الطباعة الأسطوانية من سطحين: الأول مستوٍ، وهو المحتوي على الشكل المراد طباعته، والآخر أسطواني، وتلتف حوله المادة المراد الطباعة عليها، وغالباً تكون الورق، وتتم عملية الطباعة بتحريك السطح الأسطواني على السطح المستوي.
ت- آلـة الطباعة الدوارة (Rotary Press) : أما آلة الطباعة الدوارة، فتتميز بحجمها الكبير، وسرعتها الفائقة، وتستخدم لجميع أنواع الطباعة، وفي هذا النوع يُستخدم الورق على هيئة بكرات، وفيها تتحرك أسطوانتان متقابلتان؛ إحداهما: حاملة للأحبار، والأخرى حاملة لبكرات الورق. وتُستخدم هذه الآلة في طباعة المجلات، والصحف، والكتب، ومطبوعات التغليف. ويمكن لهذا النوع أن يطبع على وجه واحد أو وجهين في وقت واحد وكذا بلون واحد أو بعدة ألوان (الرفاعي، 2020).
7.3.2. الطباعة.. ودورها في نهضة المجتمعات البشرية:
تعتبر الطباعة أعظم منجزات الجنس البشري حيث كان نسخ الكتاب في القديم يتم عن طريق الكتابة اليدوية وهي عملية غالبا ما تكون مجهدة ومتعبة، وتحدث بها الأخطاء، فالناسخ يستطيع أن ينجز مخطوطا أو مخطوطين على أقصى درجة، لذلك فإن عدد الكتب والمخطوطات المتاحة كان محدودا وكلفة شرائه لم تكن في متناول الجميع. أمام هذا أحدثت الطباعة تغييرا مذهلا حيث مكنت من نسخ الآلاف وربما مئات الآلاف من الكتب وطباعتها بقدر كبير من الدقة.
ولعبت الطباعة دورا هاما في عملية التغيير الاجتماعي ودفع تقنيات الاتصال تدريجيا نحو التطور أدى ذلك إلى توفر وسائل جديدة للمعرفة والعلم كالكتاب والمطبوعات الأمر الذي جعل المخترعين يولون عناية لتطور هذا الاختراع ومواصلة تجديد تقنيات الاتصال.
وهناك من يرى أن اختراع الطباعة هو أعظم اختراع في تاريخ البشرية على الإطلاق، حيث يسرت نشر الأبحاث والتجارب العلمية مما مهد الطريق أمام العلماء في مختلف المجالات لإتمام اختراعاتهم التي أسعدت البشرية، كما أن الطباعة وفرت العلم والثقافة أمام الجميع حتى الطبقات الفقيرة، ويسرت الحفظ والاستفادة من التراث الإنساني، وأمكن من خلالها نقل هذا التراث من جيل لآخر، ومن دولة لأخرى (مجلة فكر الثقافية، 2023).
وفي الأخير هناك قضية هامة ينبغي التذكير بها، وهي أن اكتشاف الكتابة، ثم الورق، وأخيرا الطباعة - بشكلها الأول- كلها من معطيات الإنسان الشرقي الحضارية. بيد أن المجتمعات الأخرى اقتبست هذه الفنون فأعادت إنتاجها، وطورتها، وعملت على تحديثها، وتكييفها مع البيئات المدنية المتنوعة، لتيسير الاستفادة منها ومن أهم مقومات نجاح هذا الاختراع في أوروبا:
¬ توافر المواد التي يستعملها المخترع.
¬ حاجة المجتمع إلى هذا الاختراع.
¬ سهولة استخدام الحروف اللاتيني.