المقاربات التاريخبة لإدارة المخاطر
Conditions d'achèvement
لقد كان لانتشار الخطر ووجوده في حياتنا
كلازمة من لوازم الحياة، أن زاد الاهتمام بدراسته ودراسة مسبباته ومحاولة تقليل الخسائر التي قد تترتب على وجوده، أو بعبارة
أخرى محاولة التحكم فيه
فالواقع فرض ضرورة الانتباه
والاحتياط والعمل على حد من تفاقمها وتفاعلها، قصد ضمان الاستمرارية والأمان، لذلك ظهرت إدارة المخاطر كمدخل علمي لمواجهة مشكلة
التعامل مع المخاطر التي يواجهها الأفراد والمنشآت باستخدام أفضل الأساليب والخطط
لمنع تحققها، بهدف
تحقيق أعلى مستويات
السلامة والأمن.
- المقاربات التاريخية لإدارة المخاطر:
إن تاريخ البشرية بأكمله تاريخ للتعرض للمحن والظروف المعاكسة وللجهود
المبذولة للتعامل
مع هذه المخاطر، إلا أنه
يمكن القول بأنه منذ فجر التاريخ واجه البشر مشكلة البقاء ليس فقط كأفراد ولكن أيضا كجماعات، وذلك من خلال
تجنب وتفادي المخاطر التي هددت وجودهم.
فلقد واجه الإنسان البدائي
بيئة كانت مزيجا من الأخطار الطبيعية، منها البرد القارص والجوع ومطاردة الحيوانات المتوحشة الأقوى والأسرع من الإنسان بكثير حيث
كانت البيئة
موطنا لمخاطر مزمنة اتصلت
بالجوع والحرمان، ورغم أن بإمكاننا فقط أن نتنبأ بالكيفية التي تعامل بها الإنسان البدائي مع هذه المخاطر
إلا أننا يمكن أن نتصور الصعوبات التي واجهها البشر الأوائل في مسيرتهم البطيئة والمستمرة نحو الأمان.
ولقد تمثل أول إنجاز للإنسان في
التعامل مع المخاطر في صنع
الأدوات التي زادت من فرص بقائه، من خلال استخدامها كأدوات لحماية نفسه أو للحصول على الطعام، وسواءً كانت الأدوات الأولى
مصممة للحماية أو
للحصول على الطعام فإنها
ساهمت في التقليل من المخاطر وساعدت الجنس البشري على البقاء. وبحلول فجر التاريخ بنحو 50سنة كان البشر قد تعلموا كيف يديرون المخاطر
التي هددت
أسلافهم، فلقد تعلموا كيف
يدافعون عن أنفسهم ويشبعون احتياجاتهم المادية بصورة مستمرة ودائمة[1].
وتزامن معه كذلك ظهور التجارة وبعد مضي 1200سنة تقريبا نص قانون حمورابي العظيم على تحويل مخاطر الخسارة من التجار
إلى مقرضي النقود، حيث كان التاجر الذي
يستولي على بضاعته قطاع
الطرق يعفى من دينه المستحق السداد لمقرض النقود الذي أقرضه النقود أصلا لشراء البضاعة، كما طور التجار الصينيون تقنية اقتسام المخاطر،
حيث كان
هؤلاء يشحنون بضائعهم
بالقوارب عبر النهر، ونظرا لوجود الصخور والشلالات لم تكن كل القوارب تصل سالمة،
ولتقليل تأثير الخسائر على أي فرد صمم التجار خطة توزيع بضائعهم على قوارب بعضهم وبذلك تتوزع الخسارة على
الجميع بدلا من أن يتحملها شخص واحد.
ويمكننا أن نترك بدايات الحضارة البشرية وأن ننطلق بسرعة وصولا إلى الثروة
الصناعية وما
شهدته من استخدام البخار
في عملية الإنتاج ومعه جاءت مخاطر جديدة، فقد كانت محركات البخار الأولى آلات خطرة وكان حدوث الانفجارات أمرا شائعا، مما ولد عنه
احتجاجات عنيفة
من طرف العمال، فلم يكن
خطرا الانفجار كبيرا فحسب بل إن قوة البخار خلقت مخاطر أخرى فقد كانت الماكينات المشتغلة بالبخار أقل قابلية للإيقاف بواسطة الإعاقة من
الماكينات التي تعمل بالقوة البشرية، وكانت تواصل عملها غير عابئة بالأيدي والأذرع
التي تنحصر فيها وفي النهاية
قادت حصيلة إصابات العمال
المرتفعة إلى سن تشريعات جعلت صاحب العمل مسئولا عن دفع تعويضات إلى العمال المصابين.[2]
ومع كل حقبة جديدة كانت تظهر مخاطر جديدة، ونظرا لأن كثيرا من المخاطر
القديمة تضل
موجودة فان كم المخاطر
التي يجب التصدي لها يزداد بدرجة كبيرة خاصة مع بيئة الأعمال الحديثة التي نعيشها اليوم وما صاحبها من تقدم تكنولوجي هائل خلف وراءه
جملة مخاطر لم
تكن معروفة في الأجيال
السابقة، والتي نشأ بعضها نتيجة لحدوث تغيرات متسارعة في البيئة التي ازدادت فيها وتعقدت العوامل المتداخلة
فيما بينها، وما صاحبها من سيطرة نظم المعلومات على أبرز معالم الحياة المعاصرة وكذا على المنظومة الاقتصادية والاجتماعية 2 لكافة الدول وما انجر عليها من مخاطر كالاحتيال عن طريق الكمبيوتر والقرصنة عبر الانترنت وكذا
قضايا
الخصوصية المعلوماتية. دون أن ننسى المخاطر الناتجة عن عولمة
الأسواق التجارية والمالية وما نتج عنها من أزمات مالية حادة، كالتي يمر بها العالم اليوم ومما يدل على أن المخاطر كانت
ومازالت وستبقى ما
بقي الإنسان على وجه
الأرض. كما عبر عنها "هانس" و "هيتمارتين" بقولهم "لقد صارت المخاطر نفسها سلعا متداولة في الأسواق وباقية مع مرور الزمن ".3
يؤكد
الباحثون في مجار الإدارة والاقتصاد، أن مفهوم إدارة المخاطر مر بجملة من التطورات
والمحطات البارزة، حيث ارتبط في البداية بالتأمين باعتباره أداة
تكمل الكثير من الأدوات الأخرى التي تستخدم لحماية الأفراد والمؤسسات، وممتلكاتهم.
خاصة وأن المؤسسات الكبرى في تلك الفترة، كانت تمتلك رصيد غني ومتنوع من
السندات والأصول المالية، الأمر الذي استدعى ابتكار وسيلة للحفاظ على هذه
الموجودات المادية،
بالرغم
من أن إدارة المخاطر تعتبر في معناها المتداول اليوم وظيفة حديثة نسبيا، ظهرت في
بداية السبعينيات، إلا ان تاريخها وتطوراتها يعود إلى عام 1929 عند عقد
مدراء التأمين لكبريات الشركات العملاقة اجتماعا في بوسطن لمناقشة المشكلات ذات الاهتمام المشترك، وخلصوا إلى ضرورة إيجاد طرق
فعالة أكثر للتعامل
مع المخاطر
الناتجة عن المحيط، وفي عام 1931قامت رابطة الإدارة الأمريكية بتأسيس قسم تابع لها بهدف تبادل المعلومات بين الأعضاء
ونشر الأخبار والمعلومات موضع الاهتمام لكي يطلع عليها مسئولو التأمين في الشركات، بحيث تعطي لهم ولو صورة بسيطة عن
جملة
المخاطر الموجودة في
البيئة الخارجية، ولقد كان التأمين دائما هو المدخل المعياري للتعامل مع
المخاطر، ورغم أن إدارة التأمين شملت تقنيات بعكس التأمين
)مثل الاحتفاظ ومنع الخسائر والسيطرة عليها(،
إلا أن هذه التقنيات كانت تعتبر بالأساس بدائل للتأمين وكان مدير التأمين ينظر لذلك على أنه قاعدة مقبولة أو منهج
قياسي أمثل للتعامل مع المخاطر.
أما
بعد الحرب العالمية الثانية، فكان نفس الاتجاه العام للاستخدام الراهن لمصطلح
إدارة المخاطر في أوائل الخمسينات، و
من بين المطبوعات المبكرة
التي أشير فيها للمصطلح مجلة "هارفرد بيزنس ريفيو" حيث طرح المؤلف ما بدا في ذلك الوقت فكرة جديدة، وهي أن شخصا ما بداخل المنظمة
ينبغي أن يكون
مسؤولا عن "إدارة" مخاطر المنظمة البحتة. وكان الهدف من هذا المقال هو تحديد أهم مبادئ برنامج عملي لإدارة المخاطر
وما يتطلبه
ذلك من إيجاد تصور لما
ينبغي أن يكون مديرا متفرغا للمخاطر في الشركات الكبيرة، إلا أن هذا طرح بقي كما هو ولم يعمل به[3].
وفي ذلك الوقت كان يوجد لدى الكثير من
الشركات الكبرى منصب وظيفي يشار
له باسم "مدير التأمين" وكان هذا المسمى ملائما لأن المنصب كان
يستلزم عادة شراء ودفع مقابل الحصول على وثائق التأمين من أجل مصلحة الشركة. وتم توظيف مديري التأمين الأوائل على يد المؤسسات العملاقة آنذاك وهي
شركات السكك الحديدية والصلب، ومع تنامي الاستثمار الرأسمالي في الصناعات الأخرى، أصبح التأمين بندا متزايد الأهمية
في ميزانيات
الشركات.
إن فكرة التأمين ظلت مستمرة
وقائمة باعتبارها المنهج المنضل للتعامل مع المخاطر، وبعد ما تم الاتفاق بوجه عام على أن التأمين
هو المدخل
المعياري أو
القياسي للتعامل مع المخاطر البحتة، بدأت تظهر مخاطر مناجئة سببت خسائر كارثية، . فعملت على تطوير التأمين الذاتي ضد الأخطار، حيث أن هذا النوع من
التأمين يضمن الآثار المالية، ويغطي الخسائر الناجمة عن حادث ما، وهو عبارة نشاط
بسيط يضمن توفير احتياطي كافي من السيولة المالية، ويهدف إلى تغطية الخسائر
الناتجة عن التقلبات السلبية للسوق، أو التخفيف من المخاطر الأنشطة المستخدمة
بكثرة، كما هو الشأن عند التقليل من الآثار المالية للكوارث الطبيعية، والتي تعتبر
أحد أشكال التأمين الذاتي. يضاف إلى هذا النشاط؛ أنشطة أخرى للحماية مثل الوقاية
من الحوادث، والحيطة اللازمة عند وقوع النكبات، التي لا يمكن معرفة احتمال وقوعها،
ولا حجم الآثار المالية المترتبة عنها، وعموما تعتبر كل الأنشطة المرتبطة بالحماية،
والوقاية، والحيطة، والحذر أجزاء مهمة من موضوع إدارة المخاطر. وفي سنوات
الثمانينات تم استحداث الدور التقليدي لشركات التأمين، وخاصة مع أزمة المسؤولية
المدنية والتي تميزت بالمنح الباهضة، وكذلك تغطيتها لأخطار جزئية فقط، حيث شهدت
هذه الفترة كذلك أشكال بديلة عن حماية من المخاطر مثل الحجز، والرهن، والذي
يؤمن العديد من الأخطار، إلا أن هذا الشكل يضمن التأمين على الموجودات المهمة وذات
القيمة المالية الكبيرة فقط.
وخلال
فترة 1950 كان انشاء الجمعية الأمريكية للمخاطر والتأمين ، ونشر أبحاثها الأولى
حول التأمين ، مجلتها ، التي غيرت اسمها سنة 1964 ليصبح مجلة المخاطر والتأمين، ثم
توالت الأبحاث والمجلات المتخصصة تباعا، ومنها إدارة المخاطر التابعة لجمعية إدارة المخاطر والتأمين ؛ بالإضافة إلى
أبحاث جنيف حول المخاطر والتأمين
المنشورة من قبل جمعية جنيف سنة 1976، وقبل هذا وخلال الفترة الممتدة من
1950، إلى 1960 قدم مجموعة من الباحثين (Markwitz, Litner, Mossin, Sharpe, Teeynor) أعمال أساسية
عالجت الخطر كان لها الفضل في ظهور
النظرية الحديثة لاختيارات السندات المالية والقائمة على نموذج التسعير
ورأس المال، كما شهدت هذه السنوات تأليف الكثير من المقالات
والتي أحدثت ثورات في مجال المالية مع ظهور العناصر الرئيسية لموضوع إدارة
المخاطر، وكذلك تأسيس المقاربات النظرية لتغطية الأخطار الحديثة و تسييرها مثل ما
يتعلق بتسعير المواد المشتقة (المشتقات المالية) من أجل استخدامها في تغطية الأخطار ثم تطويرها
لنظرية المبادلات المالية والصرف (SWAP)
للعملات ونسب الفائدة، وما ارتبط بالرياضيات المالية بصفة عامة.
لقد
كان التغير في الاتجاه حيال التأمين والتحول إلى فلسفة إدارة المخاطر أن ينتظر علم الإدارة بما له من تركيز على تحليل التكلفة
والعائد والقيمة المتوقعة والمنهج العلمي في اتخاذ القرار في ضل ظروف عدم التأكد، وقد حدث الانتقال من إدارة التأمين
إلى إدارة المخاطر عبر
فترة من الوقت وسار بشكل
مواز لتطور علم إدارة المخاطر الأكاديمي، وليس واضحا ما إذا كان العلم الأكاديمي هو الذي قام بدور تابع، وذلك لأن التطورات في العالمين
الاقتصادي
والأكاديمي قد حدثت شكل
متزامن، ومع ذلك فلا مجال للشك في أن عمل الأكاديميين في دعم ومساندة التطورات الحاصلة في قطاع الشركات والمؤسسات له الأثر الكبير.
ويرجع
التطور المهم لمفهوم إدارة المخاطر، ذلك الذي ظهر في القطاع المالي خلال سنوات
السبعينيات مع إدارة المخاطر المالية والتي كانت أولية للكثير من
المؤسسات مثل البنوك ، وشركات التامين ،
وحتى الشركات المعرضة لتقلبات الأسعار، وارتبطت المخاطر هنا بتلك الناتجة عن نسب
الفائدة، تقسيم الأرباح، كذلك نسب الصرف، وسعر المواد والمنتوجات الأولية ؛ ويرجع
سبب هذا التطور إلى تزايد أهمية تقلبات أسعار العملات، وأسعار المواد الأولية،
إضافة إلى تنامي أخطار الكوارث الطبيعية، المؤثرة على المؤسسات التي تعتمد على
السيولة المالية، ما دفع بها إلى وضع إجراءات جديدة للحماية ضد المخاطر المالية
بهدف تخفيض تكاليف الأنشطة التقليدية لتغطية وضمان الحماية ، زيادة على ذلك
استخدام المشتقات المالية كنوع من العقود المعبرة عن العملات ، والسلع
والسندات المالية للحماية ضد بعض المخاطر
مثل القيمة التابعة لقيمة أخرى ، التقلبات الكامنة، او الضمنية، وحتى أصول ومؤشرات
هذه العقود، كما اعتبرت المشتقات المالية في البداية من أشكال التأمين
المستخدمة لحماية المؤسسات من أخطار التقلبات المحتملة.
والملاحظ
اليوم أن مفهوم إدارة المخاطر بقي في نفس الاتجاه، فمعظم القرارات المتخذة في هذا
الاطار هي قرارات مالية بالدرجة الأولى، حيث أنه يتم تقييمها حسب تأثيرها
على قيمة المؤسسة ، وليس بحسب فعاليتها في تغطية بعض الأخطار. هذا التعديل في المنهوم
يطبق جزئيا على المنظمات العمومية الكبرى، والتي ليست بحاجة كبيرة إلى حماية من الأخطار،
لأن هذه المؤسسات لها إمكانية التنوع الطبيعي أكثر من المؤسسات الصغيرة ، هذا
التنوع يتمثل في توظيف الأموال والسندات في
السوق المالية ، وهي غالبا ما تكون مكلفة أكثر من المؤسسات التي تعمل بعقود الأسهم
(الأوراق المالية)..
مع
تطور الأسواق ونموها سنة 1973 هي سنة التحول وانتعاش سوق المشتقات المالية من أصول
وعملات ما حتم ابتكار نظام جديد بإنشاء غرفة للتعويضات الخسائر الناجمة عن هذا
النوع من المبادلات. ظهرت وظائف جديدة ارتبط بالعقود، ووضع معايير لذلك، كضرورة
لتوليد السيولة المناسبة للتوظيف الفعال لنشاطات السوق، خاصة خلال فترة الثمانينات
حيث تم وضع هذه المواد (المشتقات المالية) كعناصر لتغطية الأضرار والأخطار، وكذا
توعية الأطراف الفاعلة في السوق من المخاطر التي يمكن أن تحدث جراء نشاطاتهم
الجارية واستثماراتهم. وعرفت هذه الفترة كذلك استخدام وسائل إحصائية جديدة على
مستوى البنوك من أجل اختيار الزبائن، وتقييم مخاطر فشل المنتوجات من حيث عملية
التسعير، وقدمت اتفاقية (Bâle) سنة 1988، رؤية تنظيمية جديدة
للمخاطر ، بسبب التقلبات الكبيرة للأسواق المالية، ما دفع بالبنوك
الأمريكية الكبرى للاستثمار من انشاء
أقسام ومصالح إدارية خاصة بإدارة الأخطار . حيث عمل (J.P. Morgan) على تطوير أسلوبين لإدارة المخاطر الداخلية الأكثر انتشارا؛ سواء
بقياس الخطر بالنسبة لأخطار السوف ككل، أو من خلال قياس القروض المستخدمة في تغطية
الأخطار، هذين الأسلوبين
تم اعتمادهما كأفكار لقياس الأخطار في شكل سندات مالية، مع الأخذ بعين الاعتبار
النفقات اللازمة لذلك، والتي تعبر عنها قيمة الخطر من خلال تحديد كمية وحجم الخطر
كمجموع هذه السندات. وبالتالي انتشار أسلوب (Riskmetrics)
والذي سمح بتوزيع واسع لقياس أخطار، والمعتمد على قيمة الخطر من الأكاديميين
المهتمين بهذا المجال، كما سهلت على شركات التأمين التي تستخدم قياس الأخطار المشابهة
عملية إحصاء خسائرها القصوى من السندات والأوراق المالية خلال فترة معينة، هذا
الأسلوب سمح كذلك بقياس رأس المال الأمثل والمطلوب من أجل حماية المؤسسة، أو
السندات ضد الخسائر المتوقعة وغير المتوقعة.
هذه
الوسائل الجديدة لقياس الأخطار أصبحت فيما بعد نظم هامة تستخدم في حساب رؤوس
الأموال القانونية للبنوك وشركات التأمين حسب اتفاقية (Bâle 2)
ومعيار (solvency 2) لاحتساب كفاية رأس المال وهامش القدرة المالية لأسواق
التأمين، وقد استخدمت بالضبط لتحليل الخسائر الأولى المنجرة عن الاستخدام السيء
للمشتقات المالية والتي اتضحت في أزمات لأخطار القروض: الأزمة الأسيوية 1997،
الأزمة الروسية 1998، وخطر إدارة رأس المال (وكان على المدى الطويل) والتي افتقدت
للسيولة المالية وخطر مواجهة الآجال النهائية. هذا النقص تحول في ظرف قياسي إلى خطر يهدد المؤسسات المالية.
ومع
نهاية التسعينيات أصبح موضوع إدارة المخاطر شأن مؤسساتي، لابد من وضع قرارات هامة
لتوجيه سياسة تسيير المؤسسات، والتي كان لزاما عليها اليوم أخذها بعين الاعتبار
على مستوى الهياكل التنظيمية الإدارية بصف عامة، وعلى مستوى لجان المراجعة والتدقيق
بصفة خاصة، وهي المسؤولة عن مراقبة التهديدات والمخاطر التي قد تعترض المؤسسات.
لاسيما أن بعض منها وضعت لجان إدارة المخاطر حيز التنفيذ وقامت بإنشاء منصب مدير
إدارة المخاطر، أوكلت له مهام حماية المؤسسة من مختلف المخاطر المحتملة.
ومن
ذلك الوقت واكبت حركة إدارة المخاطر مجتمع الأعمال مع حدوث إعادة تقويم لمناهج
كليات الأعمال في
أنحاء الولايات المتحدة
الأمريكية.
من هذه البداية جاء علم
إدارة المخاطر الذي يقوم على فكرة مؤداها أن الإدارة يمكنها التعرف على المخاطر المعرضة لها وتقييمها بهدف تفادي حدوث خسائر معينة، وقد
أصبحت السيطرة على المخاطر، القضاء على المخاطر أو
تقليلها، من العوامل الرئيسية في إدارة
المخاطر وأدى إلى ازدياد
التركيز على التحكم أو السيطرة التي تتجاوز تغيير احتمال حدوث الخسارة مبدأ أساسيا في سيرورة عمل أغلب
المؤسسات والشركات، وقد كان الاستنتاج النهائي الذي تم التوصل إليه هو أن الخطر
يمكن أن "يدار" ويحصر في أضيق الحدود الممكنة.
[3] - طارق عبد العال
حماد، مرجع سابق، ص .46
[1] -طارق عبد العال
حماد، إدارة المخاطر )الأفراد – الإدارات – الشركات – البنوك(، الدار
الجامعية، القاهرة، ، 2003ص .5
[2] - طارق عبد العال
حماد ص .12
- المقاربات التاريخية لإدارة المخاطر:
ولقد تمثل أول إنجاز للإنسان في التعامل مع المخاطر في صنع الأدوات التي زادت من فرص بقائه، من خلال استخدامها كأدوات لحماية نفسه أو للحصول على الطعام، وسواءً كانت الأدوات الأولى مصممة للحماية أو للحصول على الطعام فإنها ساهمت في التقليل من المخاطر وساعدت الجنس البشري على البقاء. وبحلول فجر التاريخ بنحو 50سنة كان البشر قد تعلموا كيف يديرون المخاطر التي هددت أسلافهم، فلقد تعلموا كيف يدافعون عن أنفسهم ويشبعون احتياجاتهم المادية بصورة مستمرة ودائمة[1]. وتزامن معه كذلك ظهور التجارة وبعد مضي 1200سنة تقريبا نص قانون حمورابي العظيم على تحويل مخاطر الخسارة من التجار إلى مقرضي النقود، حيث كان التاجر الذي يستولي على بضاعته قطاع الطرق يعفى من دينه المستحق السداد لمقرض النقود الذي أقرضه النقود أصلا لشراء البضاعة، كما طور التجار الصينيون تقنية اقتسام المخاطر، حيث كان هؤلاء يشحنون بضائعهم بالقوارب عبر النهر، ونظرا لوجود الصخور والشلالات لم تكن كل القوارب تصل سالمة، ولتقليل تأثير الخسائر على أي فرد صمم التجار خطة توزيع بضائعهم على قوارب بعضهم وبذلك تتوزع الخسارة على الجميع بدلا من أن يتحملها شخص واحد.
ويمكننا أن نترك بدايات الحضارة البشرية وأن ننطلق بسرعة وصولا إلى الثروة الصناعية وما شهدته من استخدام البخار في عملية الإنتاج ومعه جاءت مخاطر جديدة، فقد كانت محركات البخار الأولى آلات خطرة وكان حدوث الانفجارات أمرا شائعا، مما ولد عنه احتجاجات عنيفة من طرف العمال، فلم يكن خطرا الانفجار كبيرا فحسب بل إن قوة البخار خلقت مخاطر أخرى فقد كانت الماكينات المشتغلة بالبخار أقل قابلية للإيقاف بواسطة الإعاقة من الماكينات التي تعمل بالقوة البشرية، وكانت تواصل عملها غير عابئة بالأيدي والأذرع التي تنحصر فيها وفي النهاية قادت حصيلة إصابات العمال المرتفعة إلى سن تشريعات جعلت صاحب العمل مسئولا عن دفع تعويضات إلى العمال المصابين.[2]
ومع كل حقبة جديدة كانت تظهر مخاطر جديدة، ونظرا لأن كثيرا من المخاطر القديمة تضل موجودة فان كم المخاطر التي يجب التصدي لها يزداد بدرجة كبيرة خاصة مع بيئة الأعمال الحديثة التي نعيشها اليوم وما صاحبها من تقدم تكنولوجي هائل خلف وراءه جملة مخاطر لم تكن معروفة في الأجيال السابقة، والتي نشأ بعضها نتيجة لحدوث تغيرات متسارعة في البيئة التي ازدادت فيها وتعقدت العوامل المتداخلة فيما بينها، وما صاحبها من سيطرة نظم المعلومات على أبرز معالم الحياة المعاصرة وكذا على المنظومة الاقتصادية والاجتماعية 2 لكافة الدول وما انجر عليها من مخاطر كالاحتيال عن طريق الكمبيوتر والقرصنة عبر الانترنت وكذا قضايا الخصوصية المعلوماتية. دون أن ننسى المخاطر الناتجة عن عولمة الأسواق التجارية والمالية وما نتج عنها من أزمات مالية حادة، كالتي يمر بها العالم اليوم ومما يدل على أن المخاطر كانت ومازالت وستبقى ما بقي الإنسان على وجه الأرض. كما عبر عنها "هانس" و "هيتمارتين" بقولهم "لقد صارت المخاطر نفسها سلعا متداولة في الأسواق وباقية مع مرور الزمن ".3
يؤكد الباحثون في مجار الإدارة والاقتصاد، أن مفهوم إدارة المخاطر مر بجملة من التطورات والمحطات البارزة، حيث ارتبط في البداية بالتأمين باعتباره أداة تكمل الكثير من الأدوات الأخرى التي تستخدم لحماية الأفراد والمؤسسات، وممتلكاتهم. خاصة وأن المؤسسات الكبرى في تلك الفترة، كانت تمتلك رصيد غني ومتنوع من السندات والأصول المالية، الأمر الذي استدعى ابتكار وسيلة للحفاظ على هذه الموجودات المادية،
بالرغم من أن إدارة المخاطر تعتبر في معناها المتداول اليوم وظيفة حديثة نسبيا، ظهرت في بداية السبعينيات، إلا ان تاريخها وتطوراتها يعود إلى عام 1929 عند عقد مدراء التأمين لكبريات الشركات العملاقة اجتماعا في بوسطن لمناقشة المشكلات ذات الاهتمام المشترك، وخلصوا إلى ضرورة إيجاد طرق فعالة أكثر للتعامل مع المخاطر الناتجة عن المحيط، وفي عام 1931قامت رابطة الإدارة الأمريكية بتأسيس قسم تابع لها بهدف تبادل المعلومات بين الأعضاء ونشر الأخبار والمعلومات موضع الاهتمام لكي يطلع عليها مسئولو التأمين في الشركات، بحيث تعطي لهم ولو صورة بسيطة عن جملة المخاطر الموجودة في البيئة الخارجية، ولقد كان التأمين دائما هو المدخل المعياري للتعامل مع المخاطر، ورغم أن إدارة التأمين شملت تقنيات بعكس التأمين )مثل الاحتفاظ ومنع الخسائر والسيطرة عليها(، إلا أن هذه التقنيات كانت تعتبر بالأساس بدائل للتأمين وكان مدير التأمين ينظر لذلك على أنه قاعدة مقبولة أو منهج قياسي أمثل للتعامل مع المخاطر.
أما بعد الحرب العالمية الثانية، فكان نفس الاتجاه العام للاستخدام الراهن لمصطلح إدارة المخاطر في أوائل الخمسينات، و من بين المطبوعات المبكرة التي أشير فيها للمصطلح مجلة "هارفرد بيزنس ريفيو" حيث طرح المؤلف ما بدا في ذلك الوقت فكرة جديدة، وهي أن شخصا ما بداخل المنظمة ينبغي أن يكون مسؤولا عن "إدارة" مخاطر المنظمة البحتة. وكان الهدف من هذا المقال هو تحديد أهم مبادئ برنامج عملي لإدارة المخاطر وما يتطلبه ذلك من إيجاد تصور لما ينبغي أن يكون مديرا متفرغا للمخاطر في الشركات الكبيرة، إلا أن هذا طرح بقي كما هو ولم يعمل به[3].
وفي ذلك الوقت كان يوجد لدى الكثير من الشركات الكبرى منصب وظيفي يشار له باسم "مدير التأمين" وكان هذا المسمى ملائما لأن المنصب كان يستلزم عادة شراء ودفع مقابل الحصول على وثائق التأمين من أجل مصلحة الشركة. وتم توظيف مديري التأمين الأوائل على يد المؤسسات العملاقة آنذاك وهي شركات السكك الحديدية والصلب، ومع تنامي الاستثمار الرأسمالي في الصناعات الأخرى، أصبح التأمين بندا متزايد الأهمية في ميزانيات الشركات.
إن فكرة التأمين ظلت مستمرة وقائمة باعتبارها المنهج المنضل للتعامل مع المخاطر، وبعد ما تم الاتفاق بوجه عام على أن التأمين هو المدخل المعياري أو القياسي للتعامل مع المخاطر البحتة، بدأت تظهر مخاطر مناجئة سببت خسائر كارثية، . فعملت على تطوير التأمين الذاتي ضد الأخطار، حيث أن هذا النوع من التأمين يضمن الآثار المالية، ويغطي الخسائر الناجمة عن حادث ما، وهو عبارة نشاط بسيط يضمن توفير احتياطي كافي من السيولة المالية، ويهدف إلى تغطية الخسائر الناتجة عن التقلبات السلبية للسوق، أو التخفيف من المخاطر الأنشطة المستخدمة بكثرة، كما هو الشأن عند التقليل من الآثار المالية للكوارث الطبيعية، والتي تعتبر أحد أشكال التأمين الذاتي. يضاف إلى هذا النشاط؛ أنشطة أخرى للحماية مثل الوقاية من الحوادث، والحيطة اللازمة عند وقوع النكبات، التي لا يمكن معرفة احتمال وقوعها، ولا حجم الآثار المالية المترتبة عنها، وعموما تعتبر كل الأنشطة المرتبطة بالحماية، والوقاية، والحيطة، والحذر أجزاء مهمة من موضوع إدارة المخاطر. وفي سنوات الثمانينات تم استحداث الدور التقليدي لشركات التأمين، وخاصة مع أزمة المسؤولية المدنية والتي تميزت بالمنح الباهضة، وكذلك تغطيتها لأخطار جزئية فقط، حيث شهدت هذه الفترة كذلك أشكال بديلة عن حماية من المخاطر مثل الحجز، والرهن، والذي يؤمن العديد من الأخطار، إلا أن هذا الشكل يضمن التأمين على الموجودات المهمة وذات القيمة المالية الكبيرة فقط.
وخلال فترة 1950 كان انشاء الجمعية الأمريكية للمخاطر والتأمين ، ونشر أبحاثها الأولى حول التأمين ، مجلتها ، التي غيرت اسمها سنة 1964 ليصبح مجلة المخاطر والتأمين، ثم توالت الأبحاث والمجلات المتخصصة تباعا، ومنها إدارة المخاطر التابعة لجمعية إدارة المخاطر والتأمين ؛ بالإضافة إلى أبحاث جنيف حول المخاطر والتأمين المنشورة من قبل جمعية جنيف سنة 1976، وقبل هذا وخلال الفترة الممتدة من 1950، إلى 1960 قدم مجموعة من الباحثين (Markwitz, Litner, Mossin, Sharpe, Teeynor) أعمال أساسية عالجت الخطر كان لها الفضل في ظهور النظرية الحديثة لاختيارات السندات المالية والقائمة على نموذج التسعير ورأس المال، كما شهدت هذه السنوات تأليف الكثير من المقالات والتي أحدثت ثورات في مجال المالية مع ظهور العناصر الرئيسية لموضوع إدارة المخاطر، وكذلك تأسيس المقاربات النظرية لتغطية الأخطار الحديثة و تسييرها مثل ما يتعلق بتسعير المواد المشتقة (المشتقات المالية) من أجل استخدامها في تغطية الأخطار ثم تطويرها لنظرية المبادلات المالية والصرف (SWAP) للعملات ونسب الفائدة، وما ارتبط بالرياضيات المالية بصفة عامة.
لقد كان التغير في الاتجاه حيال التأمين والتحول إلى فلسفة إدارة المخاطر أن ينتظر علم الإدارة بما له من تركيز على تحليل التكلفة والعائد والقيمة المتوقعة والمنهج العلمي في اتخاذ القرار في ضل ظروف عدم التأكد، وقد حدث الانتقال من إدارة التأمين إلى إدارة المخاطر عبر فترة من الوقت وسار بشكل مواز لتطور علم إدارة المخاطر الأكاديمي، وليس واضحا ما إذا كان العلم الأكاديمي هو الذي قام بدور تابع، وذلك لأن التطورات في العالمين الاقتصادي والأكاديمي قد حدثت شكل متزامن، ومع ذلك فلا مجال للشك في أن عمل الأكاديميين في دعم ومساندة التطورات الحاصلة في قطاع الشركات والمؤسسات له الأثر الكبير.
ويرجع التطور المهم لمفهوم إدارة المخاطر، ذلك الذي ظهر في القطاع المالي خلال سنوات السبعينيات مع إدارة المخاطر المالية والتي كانت أولية للكثير من المؤسسات مثل البنوك ، وشركات التامين ، وحتى الشركات المعرضة لتقلبات الأسعار، وارتبطت المخاطر هنا بتلك الناتجة عن نسب الفائدة، تقسيم الأرباح، كذلك نسب الصرف، وسعر المواد والمنتوجات الأولية ؛ ويرجع سبب هذا التطور إلى تزايد أهمية تقلبات أسعار العملات، وأسعار المواد الأولية، إضافة إلى تنامي أخطار الكوارث الطبيعية، المؤثرة على المؤسسات التي تعتمد على السيولة المالية، ما دفع بها إلى وضع إجراءات جديدة للحماية ضد المخاطر المالية بهدف تخفيض تكاليف الأنشطة التقليدية لتغطية وضمان الحماية ، زيادة على ذلك استخدام المشتقات المالية كنوع من العقود المعبرة عن العملات ، والسلع والسندات المالية للحماية ضد بعض المخاطر مثل القيمة التابعة لقيمة أخرى ، التقلبات الكامنة، او الضمنية، وحتى أصول ومؤشرات هذه العقود، كما اعتبرت المشتقات المالية في البداية من أشكال التأمين المستخدمة لحماية المؤسسات من أخطار التقلبات المحتملة.
والملاحظ اليوم أن مفهوم إدارة المخاطر بقي في نفس الاتجاه، فمعظم القرارات المتخذة في هذا الاطار هي قرارات مالية بالدرجة الأولى، حيث أنه يتم تقييمها حسب تأثيرها على قيمة المؤسسة ، وليس بحسب فعاليتها في تغطية بعض الأخطار. هذا التعديل في المنهوم يطبق جزئيا على المنظمات العمومية الكبرى، والتي ليست بحاجة كبيرة إلى حماية من الأخطار، لأن هذه المؤسسات لها إمكانية التنوع الطبيعي أكثر من المؤسسات الصغيرة ، هذا التنوع يتمثل في توظيف الأموال والسندات في السوق المالية ، وهي غالبا ما تكون مكلفة أكثر من المؤسسات التي تعمل بعقود الأسهم (الأوراق المالية)..
مع تطور الأسواق ونموها سنة 1973 هي سنة التحول وانتعاش سوق المشتقات المالية من أصول وعملات ما حتم ابتكار نظام جديد بإنشاء غرفة للتعويضات الخسائر الناجمة عن هذا النوع من المبادلات. ظهرت وظائف جديدة ارتبط بالعقود، ووضع معايير لذلك، كضرورة لتوليد السيولة المناسبة للتوظيف الفعال لنشاطات السوق، خاصة خلال فترة الثمانينات حيث تم وضع هذه المواد (المشتقات المالية) كعناصر لتغطية الأضرار والأخطار، وكذا توعية الأطراف الفاعلة في السوق من المخاطر التي يمكن أن تحدث جراء نشاطاتهم الجارية واستثماراتهم. وعرفت هذه الفترة كذلك استخدام وسائل إحصائية جديدة على مستوى البنوك من أجل اختيار الزبائن، وتقييم مخاطر فشل المنتوجات من حيث عملية التسعير، وقدمت اتفاقية (Bâle) سنة 1988، رؤية تنظيمية جديدة للمخاطر ، بسبب التقلبات الكبيرة للأسواق المالية، ما دفع بالبنوك الأمريكية الكبرى للاستثمار من انشاء أقسام ومصالح إدارية خاصة بإدارة الأخطار . حيث عمل (J.P. Morgan) على تطوير أسلوبين لإدارة المخاطر الداخلية الأكثر انتشارا؛ سواء بقياس الخطر بالنسبة لأخطار السوف ككل، أو من خلال قياس القروض المستخدمة في تغطية الأخطار، هذين الأسلوبين تم اعتمادهما كأفكار لقياس الأخطار في شكل سندات مالية، مع الأخذ بعين الاعتبار النفقات اللازمة لذلك، والتي تعبر عنها قيمة الخطر من خلال تحديد كمية وحجم الخطر كمجموع هذه السندات. وبالتالي انتشار أسلوب (Riskmetrics) والذي سمح بتوزيع واسع لقياس أخطار، والمعتمد على قيمة الخطر من الأكاديميين المهتمين بهذا المجال، كما سهلت على شركات التأمين التي تستخدم قياس الأخطار المشابهة عملية إحصاء خسائرها القصوى من السندات والأوراق المالية خلال فترة معينة، هذا الأسلوب سمح كذلك بقياس رأس المال الأمثل والمطلوب من أجل حماية المؤسسة، أو السندات ضد الخسائر المتوقعة وغير المتوقعة.
هذه الوسائل الجديدة لقياس الأخطار أصبحت فيما بعد نظم هامة تستخدم في حساب رؤوس الأموال القانونية للبنوك وشركات التأمين حسب اتفاقية (Bâle 2) ومعيار (solvency 2) لاحتساب كفاية رأس المال وهامش القدرة المالية لأسواق التأمين، وقد استخدمت بالضبط لتحليل الخسائر الأولى المنجرة عن الاستخدام السيء للمشتقات المالية والتي اتضحت في أزمات لأخطار القروض: الأزمة الأسيوية 1997، الأزمة الروسية 1998، وخطر إدارة رأس المال (وكان على المدى الطويل) والتي افتقدت للسيولة المالية وخطر مواجهة الآجال النهائية. هذا النقص تحول في ظرف قياسي إلى خطر يهدد المؤسسات المالية.
ومع نهاية التسعينيات أصبح موضوع إدارة المخاطر شأن مؤسساتي، لابد من وضع قرارات هامة لتوجيه سياسة تسيير المؤسسات، والتي كان لزاما عليها اليوم أخذها بعين الاعتبار على مستوى الهياكل التنظيمية الإدارية بصف عامة، وعلى مستوى لجان المراجعة والتدقيق بصفة خاصة، وهي المسؤولة عن مراقبة التهديدات والمخاطر التي قد تعترض المؤسسات. لاسيما أن بعض منها وضعت لجان إدارة المخاطر حيز التنفيذ وقامت بإنشاء منصب مدير إدارة المخاطر، أوكلت له مهام حماية المؤسسة من مختلف المخاطر المحتملة.
ومن ذلك الوقت واكبت حركة إدارة المخاطر مجتمع الأعمال مع حدوث إعادة تقويم لمناهج كليات الأعمال في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية. من هذه البداية جاء علم إدارة المخاطر الذي يقوم على فكرة مؤداها أن الإدارة يمكنها التعرف على المخاطر المعرضة لها وتقييمها بهدف تفادي حدوث خسائر معينة، وقد أصبحت السيطرة على المخاطر، القضاء على المخاطر أو تقليلها، من العوامل الرئيسية في إدارة المخاطر وأدى إلى ازدياد التركيز على التحكم أو السيطرة التي تتجاوز تغيير احتمال حدوث الخسارة مبدأ أساسيا في سيرورة عمل أغلب المؤسسات والشركات، وقد كان الاستنتاج النهائي الذي تم التوصل إليه هو أن الخطر يمكن أن "يدار" ويحصر في أضيق الحدود الممكنة.
[3] - طارق عبد العال حماد، مرجع سابق، ص .46
[1] -طارق عبد العال حماد، إدارة المخاطر )الأفراد – الإدارات – الشركات – البنوك(، الدار الجامعية، القاهرة، ، 2003ص .5
[2] - طارق عبد العال حماد ص .12
Modifié le: dimanche 13 avril 2025, 20:42