- Enseignant: BRAHIM KERBOUCHE
المحاضرة الأولى أهمية القرآن وعلومه في الدراسات الأدبية واللغوية
باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
موضوع محاضرتنا هو أهمية القرآن وعلومه في الدراسات الأدبية واللغوية وسنحاول تقسيمها إلى قسمين اثنين، أما القسم الأول سنتحدث فيه عن فضل القرآن الكريم ومنزلته وأثره في علوم اللغة والأدب، أما القسم الثاني فسنخصصه لتعريف بعض مصطلحات علوم القرآن
1-1 منزلة القرآن وفضله
من فضل الله سبحانه وتعالى على الإنسان أنه لم هذه الحياة يسترشد بفطرته السليمة فحسب بل كان يتعهده من حين لآخر بغرسال رسل وأنبياء يهدونه طرق الهداية وسبل الخير قال تعالى ﴿ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ﴾ النساء 165.
هذه الكتب والرسالات كانت بلغة من أرسلت إليهم، وهذا ما ورد في قوله تعالى ﴿ وما ارسلنا من رسول غلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم ﴾ إبراهيم 4 هذا يؤكد لنا نزول كتب سابقة للقرآن بلغات أخرى غير العربية، مع أن محتوى تلك الكتب واحد"[1] وهو هداية الناس إلى الطريق المستقيم والدعوة إلى توحيد الله عز وجل والعمل بمقتضيات وهذا التوحيد.
ومعلوم أن القرآن الكريم آخر هذه الرسالات أرسله الله إلى الناس كافة بخلاف الكتب السماوية السابقة التي كانت ترسل إلى أقوام معينين قال تعالى ﴿ قل يايها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ﴾ الأعراف 158." ولما كان الله سبحانه وتعالى هو منزل هذا الكتاب فهو لن يقف عند حد معين، وهو فوق كل الحدود فإذا بصوت القرآن مع هذا كله ينطلق ليكون المعجزة الأدبية الخالدة في لسان العرب[2]
وقد تحدى رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب بالقرآن، وقد نزل بلسانهم وهم أرباب
الفصاحة والبيان فعجزوا عن أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله، فثبت له
الإعجاز وبإعجازه ثبتت الرسالة" [3]
فقد وقف بلغاء العرب مشدوهين منبهرين أمام لغة القرآن الكريم وبلاغته التي لم يألفوهما من قبل، وفي ذلك يقول ابن قيم الجوزية: " أودع الله سبحانه ألفاظ هذا الكتاب من ضروب الفصاحة وأجناس البلاغة، وعجيب السرد وغريب الأسلوب، وعذوبة المساغ، وحسن البلاغ، وبهجة الرونق، وطلاوة المنطق، ما أذهل عقول العقلاء وأخرس ألسنة الفضلاء وألغى بلاغة البلغاء"[4] .
فقد تضمن القرآن الكريم حسب ابن القيم وجوها محتلفة من البلاغة والفصاحة والبيان، وحتى بعض مقومات الأدب ( السرد وغريب الاسلوب) ولاشك أن في ذلك مخاطبة لعاطفة الإنسان ووجدانه، لكن هذا لم يثنه عن مخاطبة العقل، وأصحاب المنطق، والجمع بين مخاطبة العقل والوجدان خاصية تفرد بها القرىن الكريم، وهذا ما أدهش البلغاء وجعلهم والفصحاء وجعلهم حائرين أمام أساليب القرآن وبيانه، ومن أمثلة الانبهار باساليب القرآن ولغته التي ساقتها لنا كتب السيرة أن أعرابياسمع " رجلا يقرأ فلما أستيأسوا منه خلصوا نجيا " يوسف 08 فقال: أشهد أن مخلوقا لايقدر على مثل هذا الكلام، أي لإعجازه وبلاغته وخروجها عن طوق البشر)[5] .
كما ذكر ابن قتيبة أن "لبيد بن ربيعة قد انقطع عن الشعر بعد إسلامه، ومرة قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنشدني من شعرك فقرأ سورة البقرة، وقال : ما كنت لأقول شعرا بعد أن علمني الله سورتي البقرة وآل عمران"[6] .
وعلى الرغم من اقتناع كثير من كبار قريش أن القران كلام الله عز وجل، وأنه لا يمكن لبشر أن يأتي بمثله إلا أن هناك من راح يتحداه مدعيا أنه بإمكانه أن يأتي بمثل القرآن على غرار النظر بن الحارث – وغيره من سفهاء قريش – الذي راح يدعي أن ما يقوله محمد صلى الله عليه وسلم من أساطير الأولين، وهوقادر أن يقول أحسن منه [7] فتحداهم الله سبحانه وتعالى أن يأتوا بمثل القرآن، او على
الأقل بجزء منه، وقد كان التحدي على مراحل ثلاث:
أ/ تحداهم بالقرآن كله قال تعالى ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا ...) وهو تحد عام لجميع مخلوقاته مجتمعين إنسا وجنا [8] ولما ظهر عجزهم وعدم قدرتهم عن الإتيان بمثله أنزل سقف التحدي.
ب/ تحداهم بعشر سور في قوله تعالى ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفترايت وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين )، ثم راح ينزل سقف التحدي إلى الحد الأدنى الذي يظهر فيه عجزهم
ج/ التحدي بسورة واحدة[9] قال تعالى ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة من مثله ) يونس 38 .
وعلى الرغم من انقاص التحدي في كل مرة إلا أنه ثبت عجزهم، وعدم قدرتهم عن الاتيان بمثله، وعجز العرب عن معارضة القرآن مع توفر الأسباب و الدواعي من بلاغة ومقدرة علة التفوق في فنون القول وسحر البيان لهو خير دليل على عجز اللغة العربية في مجاراة القرىن ومقارعته، وبالتالي فهي بحاجة ماسة للإفادة منه والنهل من معينه الذي لاينضب، وهذا ما سنتطرق إليه في المبحث الآتي
1-2أثر القرآن الكريم في اللغة والأدب
من المعلوم أن علوم العربية نشأت في أحضان القرىن الكريم تخدمه وتكشف مافيه من أساليب وأسرار وتنهل من معينه الصافي، وهذا بما أمدها من روح جديدة، وبما أضفى عليها من أساليب بلاغية غاية في الروعة والجمال، ولا غرو أن ينتقل هذا إلى الأدب العربي بشعره ونثره، سواء من الناحية اللغوية كون اللغة هي أداته، أو من الجانب الفكري بما أضفى عليه من معان جديدة لم تكن معروفة أيام الجاهلية، وسنحاول فيما يأتي إبراز وجوه تأثير القرآن الكريم في اللغة والأدب والأدب العربي
أ/ وجوه تأثير القرآن في اللغة العربية
1/ المحافظة على اللغة العربية من الضياع
لاشك أن اللغة مثلها مثل أي كائن حي تنمو وتتطور وتزدهر، ثم تشيخ وتموت، واندثار بعض لغات الحضارات القديمة- البابلية، الفرعونية، والآشورية...- خير دليل على ذلك بل إن بعض التقارير تفيد أن لغة ما تموت كل أسبوعين [10] وأن 25 لغة تنقرض سنويا [11] فما هو سر صمود اللغة العربية وبقائها رغم الرياح العاتية والهجمات الشرسة التي تعرضت لها؟
إن السبب الرئيس في العربية وخلودا هو القرآن الكريم الذي كتب له الخلود الأبدي بصريح الآية الكريمة ( إنا نحن نزلنا الذكر وغنا له لحافظون ) فبقاء العربية مرتبط ارتباطا وثيقا بالقرآن الكريمن وفي ذلك يقول يوسف الشريجي: " ... فقد كان القرآن الكريم كالطود الشامخ يتحدى كل المؤثرات التي حيكت وتحاك ضد لغة القرآن يدافع عنها ويذود عن حياضها يقرع اسماعهم صباح مساء.... ولذلك فإن بقاء اللغة العربية إلى اليوم، وإلى ماشاء الله راجع إلى الدفاع عن القرآن" [12] فاالغة العربية هي لغة القرآن، والدفاع عن القرآن الكريم دفاع عن اللغة العربية؛ فهي محفوظة بحفظ، باقية ببقائه.
2/ القرآن الكريم هو الباعث الأول على نشوء علوم العربية
فقد كان القرآن الباعث الأول على ظهور ونشأة العلوم اللغوية، رغم اختلاف أهداف وغايات كل علم، إلا أنها لا تخرج عن خدمة القرىن الكريم فهما وضبطا وقراءةن وغير ذلك من المرامي والأهداف، يقول عبده الراجحي: " ومن ثم نستطيع تفسير نشأة الحركة العقلية العربية كلها بأنها كانت نتيجة نزول القرآن الكريم؛ فهي كلها من نحو وصرف وبلاغة، وتفسير تسعى إلى هدف واحد فو فهم النص القرآني "[13]
فالنحو كان الباعث على ظهوره قراءة القرآن بشكل صحيح وسليم، وكذا تزويد علم التفسير بالآليات المساعدة على فهم القرآن الكريم، لاسيما بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية ودخول الأعاجم إلى الإسلام، اما البلاغة فكان هدفها الأسمى هو البحث عن موطن الإعجاز في القرآن الكريم.
3/ توحيد لهجات العرب على لهجة قريش
أجمع الدارسون والمؤرخون أن القبائل العربية المتعددة كانت تتكلم بلهجات، أو لغات خاصة، وقد استطاع القرآن الكريم أن يوحد هذه القبائل على لغة "أدبية أصبحت هي اللغة الرسمية للناطقين بها رغم تباين لهجاتهم وتنائي ديارهم"[14]
4/ تهذيب ألفاضها والسمو بأغراضها
كان العرب قبل الإسلام يعيشون في الصحراء حياة قاسية يميزها الحل والترحال، والحروب بحثا عن موارد العيش يتخلل هذه الحياة الكثير من الترف واللهو والغزل، وقد تأثرت لغتهم بهذه الحياة، فكان فيها الخشن الجاف، والوحشي المستكره، ومنثلةذلك " الهخغ (نوع من النبات)، ومستشزرات( مرتفعات)، وتكأكتم( اجتمعتم)، وافرنقعوا ( تفرقوا)"[15] وغيرها من الكلمات التي تمجها الأسماع وترفضها الطباع، وبنزول القرآن الكريم انتقل العرب من جفاء البداوة إلى لين الحضارة، فأصبحوا يتخيرون ألفاظهم بعناية فابتعدو بذلك عن الوحشي الغريب حتى أصبحت ألفاظهم أجمل " ما تخف به نطقا في الألسن، وقرعا للأسماع حتى كأنها الماء سلاسة، والنسيم رقة، والعسل حلاوة "[16]
5/ تحويل اللغة العربية إلى لغة عالمية
من المعلوم أن الإسلام جاء للناس كافة عربا وعجما قال تعالى ﴿ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لايعلمون﴾ سبأ28. هذا يعني أنه ينبغي للداخلين في الإسلام اتقان اللغة العربية لفهم القرآن الكريم، وصحة عبادتهم، وما نراه اليوم من انتشار اللغة العربية في مختلف أصقاع العالم كتركيا وبلاد فارس، وباكستان وأوربا، وأمريكا خير دليل على دور القرآن في تحويل العربية إلى لغة عالمية، وهذا بشاهدة المستشرق الألماني تيودور نولدكة " لم تصر العربية حقا لغة عالمية إلا بسبب القرآن والإسلام، إذ تحت قيادة القرشيين فتح البدو وسكان الواحات نصف العالم، وللإيمان، وهكذا صارت العربية لغة مقدسة أيضا" [17]
فقد أسهم العرب في نشر العربية غسهاما كبيرا لأن المسلم مطالب بتعلمها لفهم تعاليم دينه، وإقامة شعائره، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبذلك أصبحت العربية لغة عالمية بعد أن اقتصر وجودها على شبه الجزيرة العربية، ولولا القرآن لربما اندثرت بفعل الحملات الصليبية كما اندثرت كثير من اللغات الأخرى.
وخلاصة القول أن أثر القرآن الكريم في اللغة العربية كبير، ولاينكره إلا جاحد أو مكابر؛ فقد أخرجها من المحللية إلى العالمية، كما أنها ستبقى خالدة بحلوده لوجود علاقة تلازم بينها وبين القرآن الكريم .
ثانيا أثر القرآن في الأدب العربي
كان العرب قبل الإسلام ينظمون الشعر ويتدارسونه، لكن بمجيء الإسلام أصبح القرآن محور اهتمامهم الأول، فقد انكبوا على دراسته، والبحث في أسرار فصاحته وبلاغته، ومن ثمة تأثروا بأساليبه، وهذا ما ظهر جليل في نثرهم وأشعارهم " فراحوا ينسجون على منواله تارة، ويضمنون أشعارهم بعض الآيات تارة أخرى"[18] ولم يقتصر هذا التأثير على التضمين والتناص، بل حتى على مستوى الصورة الشعرية، كما ظهر عند العديد من الشعراء مثل تميم بن مقبل في قوله: والحق يعرفه ذوو الألباب، وكعب بن زهير في قوله : والضاربون علاوة الجبار [19]
ولم يقتصر هذا التأثيرر على الشعراء القدامى، بل امتد إلى الشعراء والخطباء المعاصرين والمحدثين، مثل أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم والبشير الإبراهيمي وسيد قطب وغيرهم.بل إن هناك دراسات أثبتت وجود تناص قرآني في رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ و..... لنعيم عموري وخليل ...[20]
خلاصة الق'ول أن القرآن الكريم قد أثر في اللغة العربية وآدابها تأثير عميقا، فقد أخرجها من المحلية إلى العالمية، كما أسهم في تقويتها وتوحيدها بعد أن هذب ألفاظها ونقلها من جفاء البداوة إلى لين التحضر، فأصبحت عذبة الأساليب واضحة الأفكار[ بل امتد أثر القرآن إلى لغات أخرى لا تدين
شعوبها بالإسلام،كما أثبتت ذلك العديد من الدراسات المعاصرة.
بعض المصطلحات
يعد المصطلح ركيزة أساسية من الركائز التي تقوم عيها العلوم في عرض مادتها العلمية، ولهذا تعريف بعض مصطلحات علوم القرآن، ومنها القرآن، والكتابن والوحي، والمعجزة والنبي.
1/تعريف القرآن الكريم
أ/ تعريفه لغة
اختلف علماء اللغة في تفسير كلمة اصل كلمة " قرآن"، فهو عند بعضهم غير مهموز مثل ابن كثير فهو عنده ( القران) بحذف الهمزة بعد نقل حركتها إلى الراء الساكنة قبلها، فهو عنده على وزن ( فعال) من القرن، أي سوره يقرن بعضها بعضا[21]
إلا أنه في الأصل مصدر قرأ. والقرء هو الجمع وسمي القرآن قرآنا لأنه جمع السور والآيات وضمها، وجمع العلوم والحكم. ﴿ إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرآناه فاتبع قرآناه ﴾ القيامة 17.18.فهو مصدر على وزن فعلان بالضم كالغفران والشكران [22] وعلى هذا فهمزته أصلية وأكثر القرآن يهمزه.
ب/ اصطلاحا
عرف العلماء القرآن تعريفات عديدة وباعتبارات مختلفة، ولعل أقربها تعريفهم للقرآن بأنه:
" كلام الله تعالى المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته "[23] ويضيف بعضهم قيودا أخرى مثل: المنقول إلينا بالتواتر، أو بواسطة جبريل، أو المكتوب في المصاحف[24]
شرح التعريف
قولنا كلام الله: خرج به كلام الإنس والجن والملائكة .
قولنا المنزل: أخرج بذلك غير المنزل مما استأثر الله بعلمه، أو أعلم به ملائكته دون خلقه.
وقولنا على محمد صلى الله عليه وسلم: اخرج سائر الكتب المنزلة على غيره من الأنبياء السابقين مثل التوراة والإنجيل.
وقولنا المتعبد بتلاوته ما لايتعبد به الحديث القدسي، والمراد بالمتعبد بتلاوته آمرين
أن الصلاة لا تصح إلا به لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)
والثاني: أن الثواب على تلاوته عبادة، فقد روى ابن مسعود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم حرف، ولكن ألف حرف ولا حرف وميم حرف ) [25]
الفرق بين القرآن والحديث القدسي
ذكر العلماء فروقا كثير نذكر بعضها فيما يأتي:
القرآن كلام الله تحدى به العرب وغيرهم فعجزوا عن الإتيان بمثله، أما الحديث القدسي فلم يقع به تحدي أو إعجاز.
القرآن منقول بالتواتر، فهو قطعي الثبوت، أما الأحاديث القدسية فاغلبها آحاد، فهي ظنية الثبوت.
القرآن من عند الله لفظا ومعنى، فهو وحي باللفظ والمعنى، أما الحديث القدسي فمعناه من عند الله باتفاق العلماء ، أما لفظه مختلف فيه.
القرآن واجب في الصلاة ومتعبد بتلاوته، فيثاب قارئه على كل حرف منه بعشر حسنات، أما الحديث القدسي فيثاب قارئه ثوابا عاما.
أسماء القرآن وصفاته.
اختلف العلماء في عدد أسماء القرآن الكريم، فذكر الزركشي أن الحوالي صنف في ذلك جزءا، وأنهى
أساميه إلى نيف وتسعين [26] والقاضي أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك ذكر أن الله تعالى سمى القرآن بخمسة وخمسين اسما [27] ومن أبرز أسماء القرآن الكريم:
الكتاب في قوله تعالى: ﴿ حم والكتاب المبين﴾ الدخان 1.2
القرآن في قوله تعالى: ﴿ إنه لقرآن كريم ﴾ الواقعة 77.
الفرقان في قوله تعالى: ﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا﴾ الفرقان الآية1.
الذكر في قوله تعالى: ﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾ الحجر 09.
صفات القرآن الكريم
المبارك في قوله تعالى: ﴿ هذا كتاب انزلناه مبارك ﴾ الأنعام92.
هدى ورحمة في قوله تعالى:﴿ هدى ورحمة للمحسنين﴾ لقمان 03.
الكريم في قوله تعالى: ﴿ إنه لقرآن كريم﴾ الواقعة77.
الحكيم في قوله تعالى: ﴿ آلمر تلك آيت الكتب الحكيم ﴾ يونس01.
والملاحظ أن الاسم يمكن أن يطلق مفردا معرفا دون الحاجة إلى صفة توضحه مثل قوله تعالى: ﴿ إن هذا القرآن يهدي للتي أقوم﴾، أما الصفة فهي تذكر دائما بعد الموصوف سواء أكان ظاهرا، أم مقدرا مثل قوله تعالى: ﴿ والقرآن الحكيم﴾ يسين 01.
الكتاب
أ/ تعريفه لغة
تقول ( كتب) ، الكتاب كتبا، وكتابا، وكتابه خطه، فهو كاتب ( ج) كتاب، وكتبة .
ويقال كتب الكتاب: عقد النكاح [28]
هذا يعني أن مادة "كتاب" تدور حول ما هو مكتوب ومخطوط.
لفظة الكتاب في القرآن الكريم
وردت لفظة الكتاب في القرآن الكريم في عدة مواضع، وبدلالات مختلفة منها:
-الشريعة والدين الذي سنه الله للإنسان، وهذا ما جاء في قوله تعالى: ﴿ فبعث الله النبين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق﴾ البقرة 213. كما ورد هذا المعنى في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولا الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم )[29]فالكتاب هنا بمعنى الشريعة والدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده.
- النظام الزمني والأجل، والنظام الزمني هنا متعلق بحالات مختلفة، ومتعددة، مثال ذلك نظام المرأة المطلقة والأرملة في قوله تعالى: ﴿ ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ﴾ البقرة 235.
" يعني حتى تنقضي العدة" [30]
-اليهود والنصارى في قوله تعالى:﴿ قُلْ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَآءُ ۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ آل عمران 99. جاء في تفسير الجلالين للسيوطي:" أهل الكتاب: اليهود والنصارى"[31].
القرآن ومنه قوله تعالى: :﴿ آلم ذلك الكتب لاريب ﴾ البقرة 1 ، وقوله تعالى : :﴿ إنا أنزلنا إليك الكتب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولاتكن للخائنين خصيما﴾ النساء 105. قال السيوطي في تفسير هذه الآية: "إنا أنزلنا إليك الكتب : القرآن"[32].
وهناك معان أخرى لم نشر إليها لضيق المقام، لكن مما سبق ذكره نستخلص أن الله سبحانه وتعالى وظف لفظة " الكتاب" بصيغ كثير ومختلفة، فتارة بالإضافة مثل " يأهل الكتاب" ، وتارة بالتعريف " الكتاب"ـ وأحيانا بالتنكير " كتابا" وغالبا ماتختلف كل صيغة عن غيرها من الصيغ. والمعول عليه في فهم ذلك هو التفاسير، وكتب علوم القرآن المشهود لأصحابها بالعلم، والورع والتقى،حتى لايفهم كتاب الله فهما خاطئا، أو يتقول الإنسان على سبحانه وتعالى والعياذ بالله.
الوحي
تعريفه لغة
تدل مادة " وحي" على إعلام في خفاء وسرعة، جاء في لسان العرب: وحى إليه، وأوحى: كلمه بكلام يخفيه عن غيره، ووحى إليه وأوحى: أومأ، وفي التنزيل العزيز﴿ فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ﴾[33] فالوحي هو الإشارة والإعلام الخفي
أنواع الوحي بالمعنى اللغوي
1/ الإلهام الفطري للإنسان قال تعالى: ﴿ وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ﴾ .
2/ الإلهام الغريزي للحيوان قال تعالى: ﴿ وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون﴾النحل 68.
3/ الأمر الكوني للجمادات قال تعالى: ﴿ إذا زلزلت الأرض زلزالها ﴾.
4/ ما يلقيه الله إلى ملائكته من لأمر ليفعلوه قال تعالى: ﴿ إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا﴾ الأنفال06.
5/ وسوسة الشيطان قال تعالى: ﴿ وإن الشيطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ﴾ الأنعام 121.
الوحي اصطلاحا
اختلف العلماء في تعريف الوحي، فمنهم من عرفه بمعنى الموحى، فيقول : " هو كلام الله تعالى المنزل على أحد أنبياءه "[34] ، ومنهم من عرفه باعتبار الفعل في حد ذاته فقال: " هو إعلام الله تعالى لنبي منمن أنبيائه بحكم شرعي، ونحوه"[35] وعرفه آخرون بقولهم: هو عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من قبل الله بوساطة أو بغير وساطة، والأول – بواساطة – يتمثل لسمعه، أو بغير صوت"[36].
نستنتج من التعريفات السابقة مجموعة من النقاط:
· تعدد صور الوحي واشكاله
· فهم الأنبياء لما يوحى لهم من قبل الله سبحانه وتعالى
· كل الأنبياء يوقنون أن مايوحى غليهم من عند الله سبحانه وتعالى
· مخاطبة الله سبحانه وتعالى لكل نبي بلسان قومه دليل سعة علمه، وأولوهيته.
أنواع الوحي بالمعنى الشرعي
أ/ مايكون مناما
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت " أول مابدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، وكان لايرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح"[37] وهذا ليس خاصا بالنبي صلى الله عليه وسم فقط، بل وقع حتى لإبراهيم عليه السلام، وهذا ما جاء في قوله تعالى: ﴿ يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فأنظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ماتومر ستجدني إن شاء الله من الصابرين﴾ الصافات 102.
ب/ التكليم المباشر من وراء حجاب، قال تعالى﴿ وماكان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ﴾ وهو أن يسمع النبي كلام الله من غير أن يدرك مصدر هذا الكلام مثل تكليم الله لموسى عليه السلام، وهو المشار إليه بقوله تعالى: ﴿ أو من وراء حجاب﴾[38]
3/ مايكون بواسطة جبيريل عليه السلام، وهو المشار إليه بقوله تعالى: ﴿ أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ﴾. وهذا أشهر الأنواع وأكثرها، ووحي القرآن كله من هذا القبيل[39]، وقد جبيريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بإحدى حالتين
-أن يأتيه مثل صلصلة الجرس، وهذه أشهدها وقعا على النبي صلى الله عليه وسلم.
-أن يأتيه في صورة رجل مثل دحية الكلبي [40]
4/ مايكون إلهاما يقذفه الله في قلب نبيه لايستطيع له دفعا، ولايجد فيه شكا [41]، ومنه حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: " إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فأتقوا الله وأجملوا في الطلب" [42]
مما سبق يمكن القول أن الوحي ظاهرة غير اختيارية يصطفي الله بها من يشاء من عباده الأخيار لتبليغ كتبه السماوية، فهي قوة أعلى من قوة النبي المختار لتحمل الرسالة، ويكون الاختيار وفق ضوابط ومعايير لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
المعجزة
لغة
جاء في لسان العرب العجز بمعنى : الفوت والسبق، يقال أعجزني فلان أي فاتني، ويقال عجز يعجز عن الأمر إذا قصر عنه[43]
اصطلاحا
عرفها العلماء تعريفات عديدة نورد واحدا منها، وهو " أمر خارق للعادة من ترك أو فعل مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة"[44].
أنواع المعجزة
تنقسم المعجزة إلى قسمين:
أ/ حسية: مثل: عصا سيدنا موسى عليه السلام
ب/ عقلية: مثل القرآن الكريم.[45]
ومما ينبغي الإشارة إليه أن المعجزة لايمكن أن تقع إلا على يد نبي يصطفيه الله لنقل رسالته، هذا يعني أن هناك شروطا ومزيا للمعجزة وهذا ماسنفصله أكثر في موضوع الإعجاز القرآني.
النبي
لغة
اختلف العلماء في أصل كلمة " نبي" فقد قال بعض العلماء الأصل فيه الهمز، ثم ترك همزه تخفيفا واستدلوا بقولهم: مسيلمة نبيء سوء "[46]. وقال بعضهم هو من النبوة؛ أي النبئ هو المخبر عن الله تعالى، وترك الهمز هو المختار ، ج أنبياء ، ونباء ، وأنباء، والنبيؤون، والاسم النبؤة [47]
وقال بعض العلماء: هو من النبوة، أي الرفعة وسمي نبيا لرفعةى محله عن سائر الناس المدلول عليه بقوله تعالى: ﴿ ورفعناه مكانا عليا﴾ مريم 57. فالنبي بغير همز أبلغ من الهمز[48]. وقال البعض أن كلمة "نبي" من نبأ ينبأ أي خرج من أرض إلى أرض [49].
لكن الراجح أن النبي مشتق من النبأ بمعنى الخبر، إذ تصاريف الكلمة تدل أن النبي مشتق من النبأ بمعنى الخبر، والجمع: أنبياء وخففت الهمزة تسهيلا.
اصطلاحا
لايمكن تعريف مصطلح "النبي" إلا بتعريف مصطلح " النبوة" وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:" وهذا معنى النبوة، وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب، وأنه ينبئ الناس بالغيب، والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه "[50]
فالنبي هو من يخبره الله بالغيب ليخبر الناس به، وهذا يستدعي منا التفريق بين مصطلحي النبي والرسول .
الفرق بين النبي والرسول
اختلف العلماء في الفرق بينهما، فمنهم من قال لا يوجد فرق بينهما، فكل نبي رسول وكل رسول نبي، وينسب هذا الرأي للرازي والجرجاني والمعتزلة[51]، ومهم من قال أن الرسالة أعم من النبوة، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسول [52] مستدلين بأدلة كثيرة يصعب حصرها فهي هذا المقام [53]
لكن الراجح – والله أعلم-أن الرسالة مرتبة فوق النبوة، وقد أوتيهما خير الخلق أجمعين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو نبي ورسول مصداقا لقوله تعالى ﴿ ماكان محمد أبا أحد من رجالكم ... ولكن خاتم النبيين
[1] لغة الخطاب القرآني ص 08.
[2] ينظرصلاح الدين محمد عبد التواب، النقد الأدبي دراسات نقدية وأدبية حول إعجاز القرآن، دار الكتاب الحديث، دط ، 2003، ص 3
[3] مناع القطان، مباحث في علوم القرآن، مؤسسة الرسالة، ط1، 2013، ص 18.
[4] ابن القيم كتاب الفوائد ص 06
[5] الحلبي في سيرة الآمن والمأمون ج3ص 108.
[6] الشعر والشعراء ص 172.
[7] ينظر ابن الأثير، الكامل ج2، ص 73
[8] مناع القطان، مباحث في علوم القرآن ، مرجع سابق، ص 236.
[9] المرجع نفسه ص
[11] ينظر الرافعي ، تاريخ آداب العرب ج2 ص
[12] يوسف الشريجي
[13] عبده الراجحي، دروس في المذاهب النحوية، دار النهضة العربية، بيروت، دط، 1980، ص 10.
[14] عبد الكريم خاصة مجلة المنهل، مخبر اسهامات علماء غثراء العل الإسىمية، جامعة الوادي ، مج 4 ع 2، ديسمبر 2018، ص 24.
[15] ينظر القزويني ، الإيضاح في علوم البلاغة، ص 12-13
[16] يوسف الشريجي، أثر القرآن الكريم في اللغة العربية والتحديات المعاصرة
[17] تيودور نولدكه، اللغات السامية، ت رمضان عبد التواب، دار النهضة، القاهرة، دت، ص 75.
[18] الحاج علي هوارية، أثر القرآن الكريم في الشعر العربي، شعر البحتري أنموذجا / مجلة إحالات، ع 4، ديسمبر 2010، ص 99.
[21] معجم علوم القرآن ص 214.
[22] مناع القطان ص19
[23] فهد بن عبد الرحمان بن سليمان الرومي، دراسات في علوم القرآن ، مكتبة الملك فهد ط14، 2005، الرياض، ص 23.
[24] ينظر مناهل العرفان ص 23.
[25]دراسات في علوم القرآن ص 24.
[26] الببرهان في علوم القرآن، ج1، ص 273.
[27] ينظر المرجع نفسه ص 273.
[28] المعجم الوسيط
[29] تفسير ابن كثير ص 269
[30] المرجع نفسه، ص301.
[31] السيوطي، تفسير الجلالين، ص 62
[32] المصدر نفسه، ص 96.
[33] ابن منظور، لسان العرب مادة وحي، ص 4787
[34] دراسات في علوم القرآن مرجع سابق، ص 194.
[35] فضل عباس، محاضرات في علوم القرآن، مرجع سابق ص 42.
[36] المرجع نفسه الصفحة نفسها.
[37] محمد بن اسماعيل البخاري، صحيح البخاري، دار ابن كثير ، دمشق، ط1، 2002، ص 7- 8
[38] ينظر محاضرات في علوم القرآن، مرجع سابق، ص 43.
[39] ينظر دراسات في علوم القرآن، مرجع سابق، ص 199.
[41] ينظر المرجع نفسه ص 197.
[42] ينظر المرجع نفسه ص
[43] ابن منظور لسان العرب، دار صادر بيروت، دت ج5ص37
[44] بغدادي بلقاسم، المعجزة القرآنية، ص11.
[45] المرجع السابق، ص 11.
[46] مفردات غريب القرآن ص 623.
[47] الفيروزبادي القاموس المحيط، ص1571
[48] ينظر مفردات غريب القرآن ص 623.
[50] ابن تيمية مجموع الفتاوى
[51] ينظر الفرق بين النبي والرسول
[52] المرجع نفسه ص 2018.
[53] لمزيد من الإطلاع ينظر المرجع نفسه ص 224 وما بعدها.
- Enseignant: TAHAR AFIF