انتقلت آلية النشر من الحجر إلى الشجر ثم إلى الورق، وأخيرا وصل هذا الانتقال إلى الرقمي. ومن النص المطبوع إلى النص المترابط، وهو انتقال طبيعي لانخراط المبدع في الثقافة الرقمية وإنتاج مؤلفات أدبية تفاعلية. ولا ريب أن الأدب التفاعلي سيكون أدبا مقبولا عند الجيل الجديد أكثر من الأدب المطبوع. ومن اللازم للمبدع العربي المعاصر أن يستفيد من مثل هذه الوسائل العلمية والأجهزة الإلكترونية على وجه الإيجابيات.

ظهر الأدب بثوب جديد وهو يستفيد من المعطيات التكنولوجية المتمثّلة فيما توفّره الوسائط المتعدّدة من معطيات صوريّة وصوتية؛ ظهر وهو يعلي من دور القارئ/ المتلقّي مركزا على دوره الإيجابي في عملية قراءة العمل الإبداعي؛ بل تدعوه بكل ثقة الجمالية الرقمية بعدما كان تابعا بالقراءة لمبدع النص إلى المساهمة في كتابة النص الأدبي بصفته مشاركا ومتربّعا على عرش الإبداع الحديث، لتصبح غايتها الارتقاء بالمتلقي من مستهلك إلى مشارك فعّال يستطيع في النّهاية النّفاذ إلى أعماق العمل الأدبي.

التّكنولوجيا أعطت المتلقي صلاحية ما كانت لتتحقّق له خارج هذا الفضاء، وإلى جانب نظريّة التلقي وقفت أطروحات الأدب التفاعلي مانحة المتلقّي حرّية أكبر في قراءة الأعمال الإبداعية هادمةً المقولة التي تسيِّدُ المؤلّف على العملية الإبداعية، فلم يعد مالك النص، بل يفقد ملكيته بمجرد إنهاء كتابته. ليحل محله متلقِّ لم يعد يتبع مسارا مقترحا عليه سلفا، بل هو سيد العملية الابداعية، هو مؤلّف أيضا للعمل الإبداعي بما يقترحه عليه هذا العمل من اختيارات و مسارات؛ إذ يتعامل مع النص الرقمي بصورة لا خطية لا نمطيّة، يختار البدايات ويكتب النهايات ويشارك في عملية تأليف هذا العمل.

تحاول هذه المذكرة البيداغوجية أن تقف عند أهم محطات الأدب التفاعلي الذي استفاد من المعطيات التكنولوجية، واستطاع أن يقدّم أعمالا ابداعية تختلف تمام الاختلاف عن الأعمال الأدبية التي سبقتها، والتي عوّدت الذّائقة الابداعيّة على نماذج محدّدة، وهنا يمكن أن تستوقفنا جُملة من الأسئلة لعلّ أبرزها: ما الجديد الذي أضافه الأدب التفاعلي في العملية الابداعية وإنتاجها؟. و هل يمكن أن نقول أن المتلقي يعيش أزهى عصوره مع هذا الأدب التفاعلي؟.

فاتحة هذه الدروس كانت محاولة القبض على جملة من المفاهيم والمصطلحات التي يميزها التشوش، والضبابية، ولعل مرجع ذلك علاقتنا الجديدة مع هذا الحقل الذي بدأنا حرثه على استحياء شديد. فالأدب التفاعلي يمثل كما ذكر (عمر زرفاوي):"جنسا أدبياً جديداً تخلّق في رحم التقنية، قوامه التفاعل و الترابط، يستثمر إمكانات التكنولوجيا الحديثة، ويشتغل على تقنية النص المترابط Hypertexte، ويوظّف مختلف أشكال الوسائط المتعدّدة Hypermédia يجمع بين الأدبية والإلكترونية"[1].

وهذه الدروس تحاول الطواف على غير ما تعوّدت الذّائقة العربية عليه، بولوج فضاء جديد أصبح يتشكّل فيه النص، وقد غيَّر أثوابَ عناصره البنائيّة؛ وأضحى بحاجة إلى آليات وجب امتلاكها لقراءته وفكّ شفراته المختلفة، وقد أبدعه مؤلّفه متمترسا في خندق: التأليف والتوليف بين العناصر البنائية غير اللسانية من صوت وصورة وحركة في كلٍّ متجانس متناغم متكامل.

إن الأدب التفاعلي شكل وأسلوب جديد، يتبنَّى لغة جديدة للتعبير تساعده أجهزة حديثة. لا شك إن هذه التطورات والتقدم نتيجة التنمية العالية في حقل العلوم والتقنية المعلوماتية. 

 

 



[1] زرفاوي، عمر: الكتابة الزرقاء، كتاب الرّافد عدد 056، دائرة الثقافة و الإعلام، حكومة الشارقة، أكتوبر 2013، ص 194.