يتأثر الأدب بالواقع الاجتماعي بمختلف أبعاده ،لذلك يمكن أن نعده ظاهرة اجتماعية شأنه شأن بقية الظواهر الاجتماعية الأخرى ،يتجلى ذلك في مكونات الأدب ،و هي ثلاثة عناصر جوهرية :المؤلف   و الأثر الأدبي،  و القارئ، هذه العناصر هي المسؤولة عن علاقة الأدب بالمجتمع.وقد وجدت مناهج نقدية تقوم بتحليل هذا العلاقة  من منظور اجتماعي، وهذا ما عرف بالنقد الاجتماعي أو النقد السوسيولوجي الذي يرتبط أكثر بالسرد الروائي لقدرة هذا الأخير  على تصوير الواقع .و لهذه المناهج  إرهاصات و جذور شكلت الانطلاقة الحقيقية لقيام  علم اجتماع الأدب -و قد كانت لنا وقفة مطولة معها  -و  تأسيس علم قائم به اصطلح عليه علم الاجتماع الأدب أسست له مدارس كبرى ،و قد نشأ  هذا العلم قبل منتصف القرن العشرين، تأثر في نشأته بالتطورات التي حدثت في نظرية الأدب من جانب ، و ما حدث في مناهج علوم الاجتماع من جانب آخر.وتتضمن تسمية سوسيولوجيا الأدب أو علم اجتماع الأدب تيارات ومجالات بحث شديدة التنوع.

اختلف النقاد في عدد التيارات أو الاتجاهات التي ظهرت في علم اجتماع الأدب ،فهناك من يتحدث عن اتجاهين ، وهناك من يتحدث عن ثلاث اتجاهات .وقد فضلنا تقديم التقسيم الثاني لوضوحه ،و عليه سيكون الحديث عن ثلاثة تيارات.

يطلق على التيار الأول علم اجتماع الظواهر الأدبية، و يمثله إدوارد إسكاربيه ،  وهو تيار تجريبي يستفيد من التقنيات التحليلية في مناهج الدراسات الاجتماعية مثل: الإحصائيات و البيانات وتحليل المعلومات ،وتفسير الظواهر انطلاقا من قاعدة بيانات محدودة، يبينها الدارس طبقا لمناهج دقيقة، ونستخلص منها النتائج التي تسفر عنها الدراسة. و قد قدمنا مثالا تطبيقيا عن هذا النوع من الدراسات.

و يتمثل التيار الثاني في رواد المدرسة الجدلية التي تعود إلى "هيجل"،  و رأيه الذي بلوره فيما بعد كارل ماركس في العلاقة بين البنى التحتية و البنى الفوقية في الإنتاج الأدبي ،و الإنتاج الثقافي ،وهذه العلاقة متبادلة و متفاعلة مما جعلها علاقة جدلية.و قد قدمنا آراء النقد الماركسي حول الأدب و الجمال و موقفه من التاريخ و من مختلف المدارس الأدبية.

و المنظر الأساسي لهذه المدرسة هو "جورج لوكا تش" الذي درس العلاقة بين الأدب و المجتمع باعتبار أن الأدب انعكاسا و تمثيلا للحياة .

وقدم "لوكاتش" إسهاما مبكرا في نوع آخر من الدراسات السوسيولوجية للأدب ،وهو الذي يسمى سوسيولوجيا الأجناس الأدبية،وهي التي تربط بين نشأة الجنس الأدبي و ازدهاره ، وبين طبيعة الحياة الاجتماعية و الثقافية لمجتمع من المجتمعات ،فكانت كتاباته عن طبيعة ونشأة الرواية مقترنة بنشأة حركة الرأسمالية العالمية ،وصعود البرجوازية الغربية.و قد توقفنا طويلا عند هذا الناقد .و قدمنا قراءة تطبيقية من خلال كتابه نظرية الرواية .كما قدمنام دراسات تطبيقية تمثيلا عن هذا التيار ، تمثلت في رواية الأم لمكسيم غوركي  باعتبارها مثالا حيا عن تمثل الواقع الاجتماعي ،و تطبيقا منهجيا للواقعية الاشتراكية هدفها الأساسي خلق نموذج فني جديد لشخصية البروليتارية الإيجابية .و كذلك قدمنا دراسة عن الرواية الجزائرية ذات الاتجاه الاشتراكي .و قد كانت لنا وقفة مع روايتين :الأولى الزلزال للطاهر وطار و الثانية الجازية و الدراويش لعبد الحميد بن هدوقة .و قد أقام الروائيان ميثاقا مع الواقعية الاشتراكية  فقد جمعا من خلال الروايتين بين الإيديولوجيا و الإيديولوجيا النقيض،و شرحا الراهن الجزائري بكل تناقضاته عبر ماض مثقل بكل التداعيات الذاكرة التاريخية.

جاء بعد لوكاتش "لوسيان غولدمان" و قد انطلق من أفكاره،وهو يهتم بالجانب الكيفي بالدرجة الأولى ، و تعتبر جهوده إضافة حقيقة لهذا المنهج ؛ فهو لم يغفل الجانب الكيفي في دراسته لأعمال الأدبية ،بل اعتمد على وجه التحديد في هذا الجانب القيمي لشرح مدى العلاقة بين الأعمال الأدبية و الوعي الجماعي.و قد فصلنا في منهجه و قدمنا قراءة تطبيقية عن كتابه "الإله الخفي".

و أما التيار الثالث فيسمى "علم اجتماع النص الأدبي" ،له إرهاصات كثيرة ،وتاريخ عريض،فهو الذي يمثل الحلقة الأخيرة في سوسيولوجيا الأدب التي أفادت من تطور المناهج النقدية لكي تعبر على الوساطة الملائمة التي يمكن عن طريقها الدراسة العلمية الخطية و الجادة للعلاقة بين الأدب والمجتمع ،ويمثل هذا التيار "بيار زيما" صاحب كتاب "النقد الاجتماعي" الذي أعطى فيه تطورا أكثر نضجا   و تطورا في سوسيولوجيا الأدب.و سنتوقف بحول الله عند كتابه الذي ضمنه منهجه في تحليل النص الأدبي،  و سنوضح دائما من خلال كتابه المذكور خطواته الاجرائية من خلال أمثلة مستقاة من رواية الغريب لأبير كامو.

سيتم التركيز على هذه التيارات ، فهي التي تشكل ما أصطلح عليه علم اجتماع الأدب مع الإشارة إلي جهود نقاد آخرين كانت لهم اليد الطولى لإرساء هذا العلم ، و من بينهم ميخائيل باختين  و تظهر إسهاماته في علم اجتماع الأدب  من خلال حديثه عن حوارية الرواية ، و ستكون لنا وقفة مع أرائه حول هذه الظاهرة النقدية من خلال كتابه شعرية دوستوفسكي .كما سنشير إلى جهود نقاد آخرين  مثل :كلود دوشيه ، و بيير بورديو ، و ميشال زرافا ،  و ريمون ماهيو ...الخ.

كما سيتم التوقف في نهاية المقرر الدراسي  عند النقد السوسيولوجي العربي من منطلق أن النقاد العرب اهتموا بالمنهج الاجتماعي اهتماما بالغا ، فلم يبرح النقد العربي إشكالية الأدب و الحياة  فلد ظلت جوهر النقد العربي الحديث. و قد وزعنا اهتمام النقد العربي بسوسيولوجيا الأدب إلى :

-المنحى الاجتماعي –الإنساني و أصحابه لا يتبنون موقفا إيديولوجيا صارما  .

- المنحى الإيديولجي الماركسي التي شكلت الماركسية آاءه .

-النقد السوسيو نصي العربي الذي حدثت من خلاله  نقلة في مسار النقد السوسيولوجي العربي منذ تسعينات القرن الماضي ، فقد ظهر جيل جديد من النقاد سعى إلى مراجعة مقولات المنهج الاجتماعي التقليدي لتخليصه من سلطة المفاهيم الإيديولوجية ، و فتحه على فضاء المناهج المعاصرة .